القسم العاممختارات

قومية «سامي» وقطعان الرنّة… حقوق مصانة بعد اضطهادٍ تاريخي ٍ طويل

إعداد: شكري دهدو*

أكثر من /100/ ألف نسمة يعيشون على أرضهم التاريخية «سابمي – Sapmi» في شمال الدول الإسكندنافية (السويد والنرويج وفنلندا) وشمال غرب روسيا، يُعرفون بقومية سامي، مُعترف بهم من قبل الأمم المتحدة كسكان أصليين، «لهم الحق في الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم وتطوير حِرَفهم، تربية قطعان الرنّة (إبل الثلج) على سبيل المثال تعتبر جزءاً رئيسياً من هَويتهم وإرثهم التاريخي واقتصادهم.»

كانوا قوماً شبه رُحل، يقيمون في الخيم صيفاً وفي أكواخ الخشب شبه المتحجرة شتاءً، وحالياً يعيشون في منازل حديثة، وفي الخيم والأكواخ بشكلٍ مؤقت أثناء هجرة الرنّة الحيوان الرئيسي في مناطقهم، والذي ارتبط ارتباطاً تاريخياً بهذا القوم، حيث اعتمدوا عليه في غذائهم، ولباسهم، وتجارتهم.

«يوجد في السويد حوالي ٢٨٠ ألف حيوان رنة، وتستخدم قومية سامي حالياً دراجات الثلج النارية والمركبات المناسبة للثلج لقيادة القطعان، أو الشاحنات لنقلها إلى مراعي جديدة، في حين كانوا في الماضي يرتحلون مع قطعان الرنة مع أولادهم وأسرهم مشياً على الأقدام أو على الزحافات».

و»حالياً في السويد يشتغل حوالي ١٠% من قومية سامي في رعي حيوانات الرنة والصناعات القائمة عليها، كما يدمج الكثير منهم مع ذلك أعمالاً أخرى كالسياحة، وصيد السمك، وبعض الحرف اليدوية، أو التجارة».

يتحدث الساميون بعدة لهجات، و»أصبحت لغة قومية سامي مادة تدرس في المدارس السويدية منذ عام ١٩٦٢، وطُبعت التعليمات الخاصة بقواعد الإملاء عام ١٩٧٩م… إذ تم الاعتراف بلغة قومية سامي كواحدة من لغات الأقليات الرسمية في السويد عام ٢٠٠٠، كما منحت الحكومة السويدية البرلمان الخاص بقومية سامي نفوذاً ومصادر مالية لتساعدهم على جهودهم في الحفاظ على لغاتهم».

توجد لهم مدارس خاصة، وتقدم بعض الجامعات في السويد دورات خاصة في لغات قومية سامي، كما يوجد مركز أبحاث في جامعة أوميو، مختص بالأبحاث المتعلقة بثقافة قومية سامي، ولغاتهم وتاريخهم ومجتمعاتهم.

بالرغم من أن قومية سامي يستوطنون منطقة سابمي منذ آلاف السنين، إلا أنهم واجهوا أنواعاً من الاضطهاد على مرّ قرون، إذ فرضت الحكومات التي سيطرت على مناطقهم ضرائب زائدة، ولدى اكتشاف المعادن الثمينة في أراضيهم، تم تشغيلهم بالقوة وبأجورٍ زهيدة، وتم دفعهم لترك موطنهم، وأُجبروا على المشاركة في الشعائر الكنسية المسيحية التي لم يتدينوا بها سابقاً، وتم منع جميع المظاهر والاحتفالات الخاصة بهم، وأجبروا على تغيير أسمائهم، وتم تدمير مقدساتهم، كما كانت المحاكم في السويد تمنح حقوق الملكية للمزارعين على أراضيهم، ولكن ترفض دعاوى مشابهة لصالح قومية سامي، وتم التشكيك في نبل سلالتهم من خلال قياس جماجمهم وحتى للأموات منهم وفق علم الإنسان وتصنيف البشر، كنظرية عنصرية نحوهم.

استمر التعامل في السويد مع قوم سامي على أنهم شعب همجي ومتخلف، وقد أجبرهم هذا الاضطهاد المتواصل على مرّ السنين إلى مغادرة أراضيهم، أو التحول إلى الزراعة أو التجارة، أو التسول، ولم يتغير الحال إلا قبل نهاية القرن الماضي، حيث تم الاعتراف بهم كأقلية لها حقوقها في عام ١٩٧٧، واعتذرت لهم الحكومة السويدية في عام 1998، ومن المزمع أن تعتذر لهم الكنيسة السويدية اللوثرية أيضاً العام المقبل.

بدأت قومية سامي في الخمسينيات من القرن الماضي بالعمل على نيل حقوقهم السياسية بتأسيس جمعيات خاصة بهم، وتطور الأمر حتى أصبح لهم برلماناً خاصاً بهم يسمى (Sametinget) عام ١٩٩٣، الذي يضم /31/ عضواً، ويجتمع ثلاث مرات فقط في العام، ويتم تمويل البرلمان من قبل الحكومة السويدية التي لها ممثل سياسي واحد دائم في هذا البرلمان، حيث تُجرى الانتخابات كل أربع سنوات. مهمة البرلمان الرئيسية هو العمل على إحياء ثقافة قومية سامي وكذلك حماية وتطوير وتنسيق الأمور والمسائل الضرورية لهم. وتُمَثل قومية سامي أيضاً مجلس سامي وهي هيئة غير حكومية تأسست عام ١٩٥٦ وتتكون من تسع منظمات مساهمة في منطقة سابمي. وتسعي هذه المنظمات للعمل على تعزيز حقوق ووضع قومية سامي في شتى المجالات في الأربع دول التي يسكنها.

و»قد حدثت سابقاً نزاعات ما بين أصحاب الأراضي وما بين ملّاك الرنة تتعلق بأماكن الرعي، وصدر بالتالي قرار من المحكمة العليا السويدية عام ٢٠١١، والذي حكمت فيه لصالح شعب سامي بمنحهم حقوقاً قانونية عامة في منطقة معينة، وقد يكون هذا القرار هو الأكثر أهمية فيما يخص الحقوق القانونية لأقلية سامي في العصر الحديث».

قومية سامي تتقن حرف يدوية متميزة، وسُمي فن المشغولات اليدوية الخاصة بهم باسم دودجي (Duodji)، حيث تتميز بأنها مصممة للاستعمال اليومي والدائم، وأشهرها صناعة السكاكين ذات المقابض المصنوعة من قرون الرنّة، والتي تزينها نقوشهم التقليدية. وتشمل هذه المشغولات أيضاً الأحذية والحقائب الجلدية، والأكواب الخشبية، والملابس.

كان لقومية سامي لباس تقليدي مميز وهو رمز لهويتهم، يدعى كولت (Kolt)، يختلف تصميمه حسب المنطقة والعمر والجنس وغيره، ولكنه تحول اليوم إلى لباس يتم ارتداؤه في المناسبات والاحتفالات. ولديهم طقوس خاصة بالزواج.

ولقومية سامي عَلَماً يعود لعام ١٩٨٦، وألوانه هي: الأزرق، والأحمر، والأصفر، والأخضر، حيث توجد هذه الألوان عادة في الملابس التقليدية. وتحتفل باليوم الوطني في ٦ فبراير/شباط من كل عام والذي يرفع فيه العلم.

تملك قومية سامي ثقافة عريقة وغنية، مليئة بالقصص والتراث والأساطير التي يتناقلونها فيما بينهم، وتعد هذه القصص مادة غنية للمسرحيات. ولها أيضاً غناء تقليدي شعبي مميز، وقد كان في الأصل مرتبطاً بديانة الشعب، ويعد أحد أقدم أشكال الموسيقى في أوروبا ويسمى يوك (Yoik)، كانت الكنيسة السويدية اللوثرية تراها نشاطاً وثنياً جاهلياً فقامت بمنعه لفترة طويلة.

أما في النروبج، فكان الاضطهاد العرقي باسم «النروجة» يطال الساميون، وتلك الممارسة أصبحت سياسة حكومية رسمية في أواخر القرن التاسع عشر، إذ صدرت قوانين تمنع التدريس بلغات السامي، وتقيد حقوق الناطقين باللغة في شراء الأراضي، وكان يعتبر شعب سامي متخلف عقلياً، إلى أن توقفت تلك السياسة في ثمانينات القرن العشرين، وقُدمت لقومية سامي تعويضات على شكل دعم مالي، وأسِّس برلمان خاص بها في النرويج والذي افتتح في 1989م ويضم /39/ عضواً ويُنتخب كل أربع سنوات، وهي هيئة تعمل كمؤسسة ذات استقلالية ثقافية من أجل مصلحة شعب سامي السكان الأصليين في المنطقة، ويتم التشاور معها في كل القرارات الحكومية التي تؤثِّر على مصالح شعب سامي، وفي عام 1997 قام ملك النرويج هارالد الخامس بتقديم اعتذار رسمي بالنيابة عن الحكومة إلى شعبي «سامي و كفين» بسبب سياسات الحكومة القمعية التي مورست ضدهما. ويقيمون المهرجانات، ويوجد لدى محطة الإذاعة الوطنية الفنلندية Yle قسم باللغة السامية (Yle Sápmi)، الذي يوفر محتوى بجميع اللغات السامية الثلاث، بما في ذلك مسلسل تلفزيوني للأطفال ثلاثي اللغات، فضلًا عن البرامج الإذاعية، وبث الأخبار التلفزيونية والأخبار الإلكترونية؛ وتُدرس لغتهم في مدارس ومعاهد.

على غرار حكومات السويد والنرويج، ألم يَحِن الأوان لحكومات عديدة في الشرق الأوسط أن تعتذر لمكونات عديدة وعلى رأسها الكُـرد في بلدانها كقومية متميزة، لها أرضها وتاريخها ولغتها وثقافتها وتراثها، عن الاضطهاد والمظالم التي لحقتها، وتعترف بها كشعب أصيل له حقوقه، يتوجب ضمانها دستورياً وبالقوانين والأنظمة النافذة، بدلاً عن اللجوء إلى سياسات القمع والإنكار، المحو والعنف ضده؟!.

————-

المصادر: موقع السويد الرسمي باللغة العربية، راديو السويد، ويكيبيديا، موقع هذه هي فنلندا.

* جريدة الوحـدة – العدد 324- تشرين الثاني 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى