القسم العاممختارات

عفرين وشنكال… حدود الدم والهوية والمآل!

شوكت شيخو*

عفرين للمقاربة وكمدخل إلى قضية شنكال، لما تكتنفها من حساسية مفرطة  لدى الطائفة الإيزيدية،  تستوجب احترامها،  حيث سبّيُ نساء وأسواق نخاسة وإبادة جماعية بفتاوى تكفيرية وفرمانات؛ رغم أن لكل بلدة كردية مأساة، أهونها غُبّنٌ وسياسات صهر على قدم وساق، ففي حلبجة وخورمال غاز الخردل، وفي دوكان أنفال، وفي عفرين تهجيرٌ وغنائم واحتلال، وفي البلدات المتاخمة للحدود الإدارية لمناطق ذاتُ أديانٍ وأعراقٍ، تجاذبات ونزاعات، أما بين عفرين وشنكال تقاطعات ومقاربات، فكلتاهما منفصلتان عن امتداديهما الجغرافي بمناطق ذات غالبية عربية أو تركمانية، وإن كانت عفرين تعاني الأَمَرّين في ظل الاحتلال لا إشكالية لديها في مسألة الانتماء، وما يترتب عليها من استحقاقات تُشكّل طامة كبرى في شنكال!

إذا كان الكرد المسلمون يعانون اضطهاداً مُزدَوجاً، إلا أن الكُـرد الإيزيديين يعانون اضطهاداً ثلاثي الأبعاد، وما  تعرضوا لها عبر التاريخ من ويلات، محفورة في ذاكرة الأجيال، كان آخرها الهجوم الوحشي لداعش، الذي حمل الرقم الأربعة والسبعين ضمن سلسلة فرمانات إبادتهم، نجم عنه انسحاب مفاجئ لقوات البيشمركه، وأسفر عن نكسةٍ وانتهاكات لم تعرفها البشرية إلا في عصور الجاهلية، فشكّلت وصمة عارٍ على جباه المجتمع الدولي، إذ فتحت قوات الكريلا ممراً  لوصول النازحين إلى جبال سنجار ومخيمات الهول- الجزيرة السورية، ليُصار إلى تحرير شنكال من براثن داعش الإرهابي فيما بعد، بتضافر جهود الكريلا والحشد الشعبي والبيشمركه، وما إن تم الإعلان عن اتفاق بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان على تطبيع الأوضاع في بلدة سنجار في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020م، عادت شنكال من جديد إلى واجهة الأحداث، عبر تجاذبات الأطراف التي ساهمت بتحريرها بهذا الشكل أو ذاك، سرعان ما تطورت لتجييشٍ وتحشدات، تَخَللها تراشق بالأسلحة وتشرذمات ما أنزل الله بها من سلطان إلا في شنكال.

لا ننكر ما تعرضت لها الطائفة الإيزيدية من حروب وويلات، أقلها نظرة دونية وغُبنٌ واضطهاد، من قِبَل جيرانهم أولاً بمن فيهم الكرد المسلمون، وما من شك ظلم ذوو القربى أشد مضاضةً كما يقال! ويفترض تقديم الاعتذار، ممن تسبب بأذى لمن وقع عليه حيف أو اعتداء، إن كان عن جهل أو بقصد، أو بفتاوى من قبل أئمة ومشايخ خاصةً من ذوو أصول تركية، كما كان يحصل قديماً في عفرين على سبيل المثال، رغم أنها أكثر المناطق الكردية تحرراً وانفتاحاً على الآخر المختلف وما من جدال، ولم تنجُ منطقة من المآسي والاضطهاد، وكلنا يتذكر بمرارة غزو داعش لكوباني/عين العرب وجريمة ليلة الغدر أو اليوم الأسود وما حصل في سري كانية/ رأس العين، أو في كري سبي/ تل أبيض، أو في عفرين من انتهاكات، لم تكن أقل وحشية مما حصل لأبناء جلدتنا في شنكال، والمناطق الكردية آنفة الذكر، وكمثال كانت بحماية وحدات حماية الشعب YPG والمرأة YPJ، وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قوة عسكرية للانكسار أو الفرار، لكننا لم نسمع البتة وعبر التاريخ بمنطقة كردية  تخلى قسمٌ من أهاليها عن انتمائهم القومي احتجاجاً على تقصيرٍ أو إهمالٍ من سلطة أو طرفٍ كردي ما إلا في شنكال والحق يقال!

ما من إشارةٍ إلى وجود لغة إيزيدية في تصنيف اللغات، وما من ذِكرٍ لإثنية إيزيدية في تصنيف الإثنيات، أما الخلط بين الدين والعِرق وتأرجح المواقف في مسألة الانتماء رياءٌ وتهرب من استحقاقات قومية، وانعكاس لجنوح الطائفة نحو تشكيل كيانٍ ديني مستقل، وما يُساق من ذرائع ومبررات على أطرف كردية بعينها، أو مواقف ومحطات تاريخية، ليست إلا شماعة لتعليق خيباتٍ وغايات، والكيانات نتاج قرونٍ لا قرارات، وقضية شنكال شأن عراقيٌ بامتياز، ولوقوعها ضمن جغرافية كردستان فإن تطبيع الأوضاع فيها من صلاحيات حكومة الإقليم وحكومة بغداد، عبر انسحاب كافة التشكيلات العسكرية منها، وتأمين عودةٍ آمنة وطوعية للمُهجّرين، وتوفير الأجواء الملائمة لإجراء استفتاء عام بإشراف منظمات محايدة، لإنقاذ الطائفة من حالة الضياع، فلا خيرٌ يرتجى من انتماء بالإكراه، ولا من مِلّةٍ ما انفكت لكل همزّة لمزٍة في استثمار مظالمها مَطيّة لأجنداتٍ دينية، ومحاولات بائسة للعودة بالشعب الكردي المتعدد الأديان من عصر العولمة حيث الوطن للجميع والدين لله إلى كنف عقيدة كان يعتنقها في سافر الأزمان لإعادة إنتاج  كينونة سلفية، جوهرها صهر القومية في بوتقة العقيدة على خلفية تراتبية عقائدية كواحدةٍ من أقدم الأديان، وإن كان من مُحال، فتقسيم المُقسَم قومياً وسياسياً وطبقياً سيكون المآل – ذهنية طوباوية وتعصب ديني حتى النخاع- مُحال!

بالمختصر المفيد! ما من منطقة كردية، صغيرة كانت أم كبيرة، وأياً كانت عقيدة أهاليها إلا ونالت حصتها من المظالم، حيث العهر الدولي والصفقات، وما من كيان مستقل لآمد/ديار بكر ولا لعفرين ولا لمهاباد، لتشكو شنكال الحرمان مع أنها   جزء من كردستان والكل يشكو المآسي والحرمان، احترام الأديان حقٌ مصان ولا ضير من اختيار انتمائها بمحض إرادتها، وفق الدستور العراقي، كيفما تشاء والمسألة برسم مجلس عموم الإيزيديين والمجلس الروحاني الأعلى في لالش، وآخر الداء الكّي كما يقال لكن وللحقيقة! الكل بات ممتعضاً من ذا الإشكال ومن ذا الجدال.

* جريدة الوحـدة – العدد 324- تشرين الثاني 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى