الحرب الدائرة بين آزربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني – قرباغ (كوردستان الحمراء) تقع ضمن المنطقة الاستراتيجية للنفوذ والأمن الروسيين، ولن تسمح روسيا بتوغل تركيا في القوقاز والتمدد إلى ما ورائها، وهذه النقطة الأخيرة تتفق روسيا مع الغرب (أمريكا وأوربا) عليها. وقد استبعدتها روسيا فعلياً من لعب أي دور مشارك لها بالرغم من تدخلها المباشر من خلال إرسال مرتزقتها من العصابات الارهابية التابعين للائتلاف السوري، الأمر الذي غضت روسيا عنه لتأديب حليفتها أرمينيا (عبر تقدم محدود) التي اتجهت نحو الغرب منذ تسلم رئيسها الحالي بالرغم من ارتباطهما باتفاقية الدفاع المشترك عبر الكومولث.
لذلك فالمتوقع أن روسيا ستقوم باحتواء الأزمة القائمة دون حسم نهائي رغم محاولات تركيا لتفجيرها، لأن الملف معقد، فمصالح الدول متشابكة ومتضاربة بين طرفي الصراع، فأي تصعيد سيؤدي إلى تصادم مباشر بين روسيا وحلف الناتو وهذا ما لا يرغبان به.
غاية تركيا من التدخل بالأساس هي استفزاز وابتزاز روسيا من أجل المقايضة على مناطق أخرى كبحر إيجة وليبيا ومناطق خفض التصعيد والإدارة الذاتية في سوريا، وكذلك الغرب حول اليونان وشرق المتوسط، بالمقابل فإن روسيا لن تفرط بآزربيجان إحدى روافدها الاقتصادية وأرمينيا المسيحية وخاصرتها الأمنية.
تركيا الساعية لاستعادة أمجادها العثمانية كي تصبح لاعباً كبيراً ورئيسياً على الساحة الدولية، تحاول تفجير القضايا الموقوتة والحساسة لرفع الغطاء عن الصفقات والعلاقات المتعارضة للدول العظمى وخلط أوراقها، متذرعةً بمكافحة الارهاب ومحاربة حزب العمال الكردستاني PKK تارةً، والدفاع عن الإسلام والأمة التركية تارةً أخرى! ومستغلةً عضويتها في حلف الناتو وعلاقاتها المميزة مع إسرائيل الممثلة للدولة العميقة في العالم.
لكن تورطها في العديد من الأزمات والمناطق ستجعلها عاجزة عن التقدم في كافة الجبهات ومواجهة كل الأطراف في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية… داخلها، لذلك ستسعى على استمرار سياساتها القائمة ببرود وبطء، مراهنةً على كسب الوقت والتغيرات التي تتأملها على الصعيد الدولي.
الملف الكوردي بشكل عام؛ والكوردي السوري بشكل خاص، الذي يقض مضاجع تركيا، يحتل الصدارة في سياساتها واهتماماتها، وتسعى بكل الوسائل والأساليب المتاحة لها لتحجيمه أو إغلاقه أو نسفه، فأبرز أسباب إطالة أمد الحوارات بين المجلس الوطني الكردي ENKS و أحزاب الوحدة الوطنية الكردية PYNK، والتأخير عن إعلان الاتفاق بينهما، هو الضغوط التركية، ولكن بالنهاية فإن الدولة الراعية والمشرفة على الحوارات هي المسؤولة عن سيرها وتحديد توقيتاتها وجولاتها ومآلاتها.
التوافق الكوردي المنشود سيقوي الادارة الذاتية القائمة ويزيد من حصانتها ومقاومتها في وجه التحديات القائمة والتدخلات الخارجية وبخاصة التركية، بالتزامن مع تصريحات أمريكا بالرد السريع على أي خرق لاتفاق الحملة التركية العسكرية المسماة ظلماً بـ»نبع السلام» بعد احتلالها لرأس العين (Serê kaniyê) وتل أبيض (Girê sipî).
إن تقارير الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة الصادرة مؤخراً بشأن تزايد الانتهاكات والجرائم في المناطق الكوردية التي تغتصبها مرتزقة تركيا من العصابات الإرهابية، بتخطيط ودعم الأجهزة الأمنية التركية المحتلة، وكذلك فإن تمديد قانون الطوارئ لمدة عام من قبل الإدارة الأمريكية، إشارات واضحة على جدية الحلفاء بقيادة أمريكا في حماية مناطق الإدارة الذاتية من أي عدوان تركي مرتقب.
* جريدة الوحـدة – العدد 323- تشرين الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).