محي الدين شيخ آلي*: لتركيا مشروع (مذهبي- قومي) يتعارض مع سلامة شعوب وبلدان المنطقة ليفانت
“لكُرد والعرب في سوريا صنوان لا ينفصمان، لا اقتصاديًا ولا جغرافيًا ولا اجتماعيًا”
ليفانت: مكتب قامشلي-سوريا/ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020م
أكد «محي الدين شيخ آلي» السكرتير العام لـ «حـزب الـوحــدة الديمقراطــي الكــردي فــي ســوريا-يكـيتي»، في حوار خاص مع مكتب جريدة ليفانت بمدينة قامشلي، شمال شرق سوريا، إنّهم في حزب الوحدة يبقون متمسكين بمبدأ وثقافة الحوار، مباركين أي خطوة إيجابية من شأنها نزع التوتر وإبطال لغة المهاترات، في إطار الحراك السياسي الكردي في سوريا.
وفي شأن الموقف التركي من القضية الكُردية في سوريا، أشار القيادي الكُردي إلى أنّ حكومة أنقرة تستخفّ كثيراً بالقانون الدولي، وتكرر تهديداتها بين الحين والآخر للانقضاض على هذه المنطقة أو تلك في شمال شرقي سوريا، حيث تجهد سلطات الدولة التركية في رصد أحوال الحراك السياسي الكردي في سوريا، لحرفه عن مساره الوطني السوري وتوجهاته الديمقراطية منذ انطلاقته، لافتاً إلى أنّ لتركيا مشرعاً دينياً (مذهبياً) ممزوجاً بنزوع قومي يتعارض مع حقوق وسلامة العديد من شعوب وبلدان المنطقة.
وبخصوص الأوضاع في سوريا، لفت القيادي الكُردي إلى أهمية التوجّه صوب حوار سوري- سوري بنّاء، منوّهاً إلى ضرورة الكف عن الرهان على الخارج، واعتبار ذلك مدخلاً لا بديل عنه لإيجاد تسوية للأزمة، مذكراً بأنّ الكُرد والعرب في سوريا صنوان لا ينفصمان، لا اقتصادياً ولا جغرافياً ولا اجتماعياً، ومستدركاً بأنّه لا بد من إصلاح دستوري يكفل الإقرار بوجود ثاني أكبر قومية من حيث الكتلة المجتمعية بعد العرب في سوريا، لكنه انتقد المعارضة السورية المعروفة باسم «الائتلاف»، وأكد أنّها مرتهنة لأجندات وسياسات الجانب التركي، وفي حالة إفلاس.
وفيما يلي نصّ الحوار الذي أجراه معه فريق مكتب جريدة ليفانت بمدينة قامشلي:
– ما زالت التدخلات والتهديدات التركية للمناطق الكُردية قائمة حتى الآن، وخاصة بعد عدم فاعلية الدور الروسي في عفرين والدور الأمريكي في سري كانيه، كيف تقيّمون هذا الوضع على ضوء تلك التهديدات؟
** ثمة اتفاقات ثنائية بين الجانبيين التركي – الروسي، وكذلك التركي – الأمريكي، بخصوص الحدود الدولية بين سوريا وتركيا، وتحديداً في شمال شرق سوريا، تم توقيعها إثر احتلال رأس العين وتل أبيض من قبل الجانب التركي عبر أعوانه (الجيش الوطني السوري)، وغطائه السياسي المتمثّل بائتلاف (قوى الثورة والمعارضة)، هذه الاتفاقات الثنائية يتم خرقها من الجانب التركي وأعوانه، والخطاب الرسمي لحكومة أنقرة، غير مكترث بتلك الاتفاقات، ويستخفّ كثيراً بالقانون الدولي، وتتكرر تهديدات الجانب التركي بين الحين والآخر للانقضاض على هذه المنطقة أو تلك، في شمال شرقي سوريا، ويسعى جاهداً لتأليب الرأي العام ضد الوجود الكُردي وحضور (قسد) والإدارة الذاتية، عبر نعتهما بالانفصالية والإرهاب، ناهيك عن تصريحات الخارجية التركية حيال استمرار الحوار الكردي – الكردي، تناغماً مع الخطاب اللامسؤول للإعلام السوري الرسمي المتهافت أيضاً للإساءة لـ(قسد) والإدارة الذاتية.
– على الرغم من أنّكم محسوبون على أحزاب الوحدة الوطنية، فإنّكم تنتقدون المجلس باستمرار وبصورة علنية، فما هي الإشكاليات التي بينكم؟
** نحن حزب مستقل ننطلق من الأرضية السورية، ولم نكن يوماً بانتظار أوامر وإيحاءات من أية جهة كردستانية، شاء من شاء وأبى من أبى، وأنّ ثنائية التعامل البيني بين PYD وENKS تحمل في جوانب منها ذلك الصراع على النفوذ بين هذا الحزب الكردستاني وذاك خارج سوريا، وبالتالي نرفض الولاء والتبعية لهذا وذاك، مؤكدين على ضرورة ووجوب صب كل الجهود في الداخل السوري، دفاعاً عن وجود شعبنا الكردي في سوريا وحقوقه المهضومة، وأداء واجبنا الأساسي في تبيان وفضح الانتهاكات الصارخة بحق وجود وحياة الكُرد، في مناطق رأس العين وعفرين، في ظلّ استمرار الاحتلال التركي لتلك المناطق السورية الكُردية بامتياز.
– بعد مرور 10 سنوات على الثورة والأزمة السورية التي تعقدت أكثر من ذي قبل، والتحولات التي تحصل في المشهد السياسي السوري، ما هي قراءتكم ورؤيتكم للحل المستقبلي لسوريا بصورة عامة؟
** مع مرور قرابة العشر سنوات على تفجّر الأزمة السورية المركزية، بات واضحاً للجميع أنّ إيجاد تسوية وحلّ سياسي سلمي هو الخيار الأفضل، إن لم نقل الأوحد، خصوصاً وأنّ جميع القرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً قرار مجلس الأمن الدولي 2245 المجمع عليه يوضح ذلك، وأنّ إعادة النظر والتوجه صوب حوار سوري- سوري بنّاء والكف عن الرهان على الخارج، هو المدخل الذي لا بديل له في مسعى إيجاد تسوية للأزمة.
– كيف تنظرون للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالأكراد والتي خلقتها ظروف الأزمة السورية، وما هي برأيكم الاقتراحات والحلول للتخلص منها؟
** الكُرد في سوريا جزء من المجتمع السوري، فالكُرد والعرب في سوريا صنوان لا ينفصمان، لا اقتصادياً ولا جغرافياً ولا اجتماعياً، والمآسي التي عاشها السوريون، وما زالوا، لا بد من نهاية لها، طال الزمن أم قصر، ومن صالح الجميع الاحتكام إلى لغة الحوار والتفاهم مهما كانت العراقيل والصعوبات.
– برأيكم هل سيكون لدى المرجعية الكردية التي شكلت بغطاء دولي أو أمريكي تحديداً، القدرة لحلّ جميع الخلافات القائمة والعميقة فيما بين الكُرد؟
** الحوار الكردي – الكردي القائم وما توصل إليه من تفاهمات، بانتظار الاتفاق على مجمل المسائل والقضايا المتبقية، ومن ثم التوقيع عليها بمثابة اتفاق مبرم للإعلان عنه للرأي العام، بمبادرة من السيد مظلوم عبدي، الذي يحظى بمساعدة من قبل بعض موظفي الخارجية الأمريكية، حيث يبقى العامل الأهم في تتويج هذه الحوارات المؤثرة، يكمن في مدى مصداقية طرفي الحوار، وألا نحمّل الآخرين مسؤولية النجاح من عدمه، فالكُرد وتعبيراتهم السياسية من المفترض أن يكونوا أصحاب قضيتهم أولاً، وألا يراهنوا على تصريح ما صدر عن الأمريكي أو الروسي.
– كان أكراد سوريا تحديداً، ومنذ زمن طويل، ضحية للانقسامات والانشقاقات، مما أثر في حياتهم اليومية بصورة مؤلمة، هل كانت تلك الظاهرة صحية وموضوعية، أم كانت مرضية وخلقت إشكاليات وتداعيات على المشهد السياسي الكردي؟
** الحراك السياسي الكردي المنظّم، الذي انطلق في حزيران 1957، كان تعبيراً صحياً، ورداً على واقع حرمان كُرد سوريا من أبسط حقوقهم القومية الطبيعية والمشروعة، ولم يكن صدى لنفوذ أي حزب كردستاني خارج سوريا.
إنّ غياب قانون ينظم عمل الأحزاب والجمعيات في سوريا على مدى أكثر من 60 عاماً، وانتهاج السلطات المركزية في دمشق لسياسة شوفينية وتمييز واستعلاء قومي حيال الكُرد ولجوئها إلى شتّى صنوف القمع وسبل التعريب والصهر القومي، إضافة إلى واقع التخلف وضعف التواصل بين المناطق الكُردية الثلاث (عفرين – كوباني – الجزيرة )، يدخل في صلب عوامل التشتت والانقسامات في الإطار العام في الحراك الكُردي السوري، وفي العقود الخمسة الأخيرة، أضيف عامل التدخل اللاإيجابي لبعض الأوساط الكردستانية في الشأن الداخلي لكُرد سوريا، وأضيف إلى ذلك تهافت سلطات الدولة التركية في رصد أحوال الحراك السياسي الكردي في سوريا، لحرفه عن مساره الوطني السوري وتوجهاته الديمقراطية منذ انطلاقته.
– هل لكم علاقات مع حكومة إقليم كردستان، وإذا ما كانت لكم، في أيّة إطارات تفعلونها، حبّذا لو توضحون ذلك؟
** بخصوص علاقة حزبنا مع حكومة ورئاسة إقليم كردستان، فتبقى مبنيّة على أساس احترام قوانينها النافذة وبرلمانها المنتخب، وكان لنا شرف الاستجابة لدعوة السيد نيجرفان برزاني لحضور مراسيم أداء القسم الرئاسي في أربيل، أما العلاقة مع أحزاب إقليم كردستان، بالأمس واليوم نبقى حريصين على علاقات أخوة وصداقة معها على قاعدة الاحترام المتبادل، وتفهم خصوصية أحوال كُرد سوريا، وننبذ التخندق إلى جانب هذا الحزب أو ذاك، أو الإساءة إليه إرضاء للآخر، آملين التآلف وإبراز مشتركات الرؤى وتوجهات العمل.
– كيف تتصوّرون الحل المناسب للقضية الكُردية ضمن سوريا المستقبل، هل تجدونها في الفدرالية أم الكونفدرالية أم الإدارة الذاتية أم اللامركزية السياسية أم حق تقرير المصير؟
** تناول حل المسألة القومية لكُرد سوريا يبقى في إطار وحدة وسلامة سوريا الإقليمية، والامتثال للشرعية الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة، وفي ضوء ذلك لابد من إصلاح دستوري يكفل الإقرار بوجود ثاني أكبر قومية من حيث الكتلة المجتمعية بعد العرب في سوريا، له كامل الحق في الحفاظ على لغته الأم وتطويرها، من خلال نص دستوري يعتمد إدراج اللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية في المناهج الدراسية ومؤسسات الدولة، في مدن ومناطق الحضور الكُردي، ووضع حدّ لمركزية الدولة عبر اعتماد اللامركزية في إدارة شؤون البلاد على قاعدة بقاء السياسة الخارجية والمنظومة الدفاعية وتوزيع الثروات (على سبيل المثال لا الحصر) من صلاحيات المركز.
– ما هو أبرز معالم الوضع الحالي في سوريا التي ترونها جديرة بالتحليل والمعالجة للخروج من حالة التردّي والاختلاف الحاد، وكيف يمكن تدوير الزوايا بين هذه الاتجاهات؟
** أبرز معالم الوضع في سوريا هو استمرار الأزمة وتبعاتها المأساوية على حياة السوريين ومستقبلهم، في ظل غياب مؤشر جدي للخروج من أوحال الأزمة، حيث لم تتوفر بعد إرادة دولية صادقة للسير بالعملية السياسية نحو الأمام، وأنّ اجتماعات جنيف وغيرها ما تزال تدور في حلقة مفرغة، والمعارضة السورية المعروفة باسم الائتلاف مرتهنة لأجندات وسياسات الجانب التركي وفي حالة إفلاس.
– كيف تقيّمون اتفاق قسد مع حزب الإرادة الشعبية المقرب من روسيا؟
** وثيقة التفاهم التي وقعها مجلس سوريا الديمقراطية مع حزب الإرادة الشعبية في موسكو، وترحيب وزير الخارجية الروسي، السيد سيرغي لافروف، تشكل دفعاً إيجابياً لمساعي إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، وتعزيزاً لركائز حوار سوري – سوري.
– ما رأيكم في جدلية العلاقات الثلاثية بين تركيا وأمريكا من ناحية، ومن ناحية أخرى بين أمريكا والكُرد متمثلة بقوات سوريا الديمقراطية، بقيادة الجنرال مظلوم عبدي، وبالتحديد أكثر، ماذا قدّمت أمريكا للكُرد في سبيل تحقيق مطالب الشعب السوري أولاً، ومن بينها مطالب الشعب الكُردي؟
** تركيا دولة استراتيجية، يبقى لها حضورها على شتّى الصعد، وخصوصاً في صراعات شرق البحر المتوسط وعموم الشرق الأوسط، إضافة إلى أدوارها الظاهرة، وتلك الخفية في آسيا الوسطى والقوقاز، خصوصاً وأنّها، أيّ تركيا، لها مشرعها الديني (المذهبي) الممزوج بنزوع قومي يتعارض مع حقوق وسلامة العديد من شعوب وبلدان المنطقة، بدءاً من سوريا والعراق مروراً بليبيا وقبرص واليونان وصولاً إلى أذربيجان وأرمينيا، وأنّ عضويتها في حلف الناتو مع الولايات المتحدة وموقعها الجغرافي السياسي وتقاطع وتلاقي مصالح الدول معها، يبقى من العبث تصور حدوث (قطيعة كاملة بين واشنطن وأنقرة).
أما وجود التحالف الدولي بقيادة أمريكا في شرق الفرات، فهو مرهون إلى حدٍّ كبير بضمان إلحاق الهزيمة التامة بمشروع تنظيم (داعش)، وبقاء قوات أمريكا أو انسحابها أو تقليص وجودها غير متوقف على الكُرد وقوات سوريا الديمقراطية التي قدمت الكثير من التضحيات لإفشال هجمات داعش دفاعاً عن الكُرد والعرب وباقي مكونات الشعب السوري.
* جريدة الوحـدة – العدد 323- تشرين الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).