القسم العاممختارات

لا للفوضى والفلتان، ولا بدّ من احترام الإدارة الذاتية وحمايتها

محي الدين شيخ آلي*

محي الدين شيخ آلي* :  الراحل «إسماعيل عمر» لم يكن ملكاً لحزبه والحركة الكردية فقط، وعلينا الاستمرار على دربه…. والمسألة الكرديّة لم يعد من الممكن طمسها

أيها الرفاق والإخوة والأخوات الأعزاء…

 مرّت عشر سنوات على رحيل الرفيق العزيز إسماعيل عمر رئيس حزبنا، كأنه بالأمس تماماَ رغم مرور عشر سنوات!  ونتذكرّ جميعاً جيداً، وقد رأيتم بعيونكم أن آلاف الآلاف من أهالي الجزيرة، من ديريك إلى سري كانيه/ رأس العين والحسكة، ومن دمشق وعفرين وحلب وكوباني، نساءً ورجالاً، ومن حزبه وجميع القوى والأحزاب السياسية الكردية في سوريا، وكذلك من قوى سياسية عربية سورية تؤمن بالسلم والديمقراطية، ومسيحيون وسريان-كلدو آشور، وشخصيات دينية إسلامية ومسيحية وإيزدية محترمة، حضروا تشييع جثمانه ويوم أربعينيّته وفي الذكرى السنوية الأولى لرحيله.

حقيقةً، قبل عشرة أعوام وأثناء وداع الأستاذ إسماعيل عمر إلى مثواه الأخير، خيّم الحزن في عموم الجزيرة ولدى كلّ بيتٍ كرديّ في سوريا، وفي الجزيرة تحوّل عزاؤه إلى مهرجان، وكان أهالينا في قرية «قره قويي» و»تل كمبر» وعموم الدرباسية وما حولها في حالة استنفار.

 للأسف، جائحة كورونا هذا العام أجبرتنا أن نختصر إحياء مناسبة الذكرى السنوية العاشرة لرحيله، فجاء قرار قيادة حزبنا في الجزيرة بتجنّب تجمعٍ كبير قرب ضريحه، والاقتصار على حضور وفدٍ قيادي مع بعض الرفاق، لأن العالم أجمع حذرٌ ومشغول بهذا الوباء الذي أصبح واقعاً حقيقياً مخيفاً، لا يجوز الاستهتار به، وكان البيان المشترك بيننا والرفاق في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا منذ بداية الجائحة قد دعا إلى ضرورة تجنّب التجمعات الكبيرة والعديد من العادات الاجتماعية، من مصافحات ومعانقات وغيرها.

وبهذه المناسبة، ليس في سوريا و»قره قويي» فحسب، بل في أوروبا وأستراليا وكندا وأمريكا والخليج العربي، هناك محبّون للراحل إسماعيل عمر وحزبه، ليس فقط بين كُـرد سوريا بل في أرجاء كردستان أيضاً وفي المهاجر؛ فهو كشخصية سياسية معروفة ناضل بإخلاص وصدق ودون تردد في الدفاع عن القضية الكردية في سوريا، بين «قره قويي» وقامشلي وحلب ودمشق وغيرها.

دائماً، كتوجهات ومبادئ لدينا، لا نخلّ بالتوازن بين ما هو قوميّ كرديّ ووطنيّ سوريّ، نحن كُـرد بقدر ما نحن سوريّون، وسوريّون بقدر ما نحن كُـرد، ويبقى حلّ قضيتنا الكردية في دمشق، ليس في أنقرة أو استنبول أو طهران أو موسكو أو واشنطن. إذ كان هناك صداقة حارّة واحترام متبادل بين  الراحل إسماعيل عمر ومكونات الجزيرة من العرب والسريان – الكلد آشور والمسيحيين، والكثير من الشخصيات العربية المنفتحة في دمشق وحلب، وصلوا إلى قريته لتقديم واجب العزاء، يجب أن لا ننسى هذا الأمر، فلا يمكن أن ينفصل الكُـرد والعرب في الجزيرة وسوريا عن بعضهما، لاسيما وأن محبّي ورفاق إسماعيل عمر ليسوا فقط أعضاء وكوادر حزبه، بل له مُحبين في عموم الحركة السياسية الكردية في سوريا، فلم يكن ملكاً لحزبه فحسب، بل ملكاً للحركة الكردية والوطنية الديمقراطية في سوريا؛ لذلك من واجبنا جميعاً أن نكون أوفياءً له، في مواصلة النضال على هدى تاريخه وتوجهاته وسياساته، ولا نضعف ولا نستسلم، ولا نقطع الأمل؛ نعمل بعقلانية ويقظة وبمعرفة وثقافة، بعيداً عن الشعارات والأوهام و تضخيم الكلام ،  وتكون مقاربتنا للقضايا واقعيّة بكل الأحوال.

المسألة الكردية في سوريا لا يمكن أن تُطمس أو يجري إخفاؤها، حيث أن عيون العالم كلّه مفتوحة على سوريا، وخاصةً على الجزيرة، وعلى شمال وشرقي سوريا. وعلى الحدود السورية من عفرين إلى منبج إلى كوباني.

مضى أكثر من تسعة أعوام على تفجّر الأزمة السورية، ولا تزال مستفحلة، ولا حلّ يلوح في الأفق، ولكن سيكون لها نهاية وهي تتجه إلى النهاية، إذ وقعت المسألة السورية بين أيادي دول كبرى، روسيا وأمريكا وغيرها. لكن هذا لا يعني أن ننتظر تلك الدول حتى تجد حلاً لنا، لأن مصالح تلك الدول تأتي قبل كل شيء، وتتقدم قضايا الفلسطينيين والسوريين والكُـرد والأرمن والآذريين؛ وهكذا هي سياسات الدول وفق مصالحها بالأمس واليوم وغداً.  يبقى علينا نحن الكُـرد أن نتوحد ونتعرف إلى قضايانا ونفكر بعقلنا وبإرادتنا، وفي هذا الإطار، نحن نؤيد الحوار الكردي- الكردي، و نقف إلى جانبه دون تردّد، مهما كان هناك صعوبات وانتقادات وتحفّظات من هذا الطرف أو ذاك، ليستمر ويصل إلى نتائج من أجل توافق وتفاهم الحركة الكردية في سوريا، من أجل الدفاع عن الوجود والهوية الكردية في سوريا وحمايتها، ومن أجل مواجهة الأحقاد والتهديدات المستمرة  والسياسة الرعناء التي تُطلقها الجارة الشمالية- حكومة أنقرة، وفضح الموبقات وانتهاكات حقوق وقيم الإنسان والدوس عليها  يومياً من قبل ما يسمى «الجيش الوطني السوري- الحرّ» و»الائتلاف السوري» المعارض يومياً ، في عفرين  وسري كانيه (راس العين) أمام أنظار الدولة التركية. الحوار الكردي-الكردي يجب أن يكون لأجل توحيد الكُـرد كي يتمكنوا من القيام بواجبهم تجاه هذه السياسات، ولكي يصبحوا عنواناً في المخاطبة والحوار، مع دمشق وغيرها، فلا بديل للحوار السوريّ – السوريّ؛ مهما يكن نظام البعث شوفينياً وخطابه غير مسؤول، سنبقى كحزب وكُـرد في سوريا على السير في درب الحوار دون رد فعل متعصّب، ودون غرور.

الذين يؤازرن الكُـرد، ليسوا بقلائل، أوساط وأحزاب برلمانية، في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي ومجلس الدوما الروسي، وهم يعرفون جيداً أن الكُـرد في سوريا لعبوا دوراً رئيسياً في دحر تنظيم «داعش».

صحيح أن «داعش « انتهى جغرافياً، لكن خلاياه النائمة تواصل نشاطها وتريد إحياء «داعش»، فهو لم ينتهي بعد، لذلك قيادة قوات سوريا الديمقراطية ودون تردد، بمساعدة قوى التحالف الدولي المناهض للإرهاب بزعامة أمريكا-كواجب أممي عالمي-، تستمر في محاربة «داعش» والفوضى والفلتان الأمني.

 في هذا الإطار، مجيء أو بقاء أو خروج القوات الأمريكية. إلى متى ستبقى، متى ستنسحب أو لا تنسحب. لا يتوقف هذا القرار على مطالب وأمنيات الكُـرد والسيد مظلوم عبدي والإدارة الذاتية. أمريكا عاَلمٌ لوحدها. فالمطلوب منّا تقييم وضعنا والقيام بواجباتنا بعقلانية.

 وفي هذا المجال نقول: لا للفوضى والفلتان، ولا بدّ من احترام الإدارة الذاتية وحمايتها، التي أصبح عمرها بضعة سنوات وتمنع الفوضى، وتحافظ على نظافة القرى والبلدات والمدن. يجب ألا ننظر إلى هذه الأمور باستصغار واستخفاف. وكذلك مسألة العيش المشترك والسلم الأهلي بين الكرد والعرب والسريان، وهذه أمور أساسية وجوهرية، وإذا لم يكن هناك أسايش (قوات أمن) وشرطة المرور سيكون هناك فوضى في الجزيرة، وهي أُمنية القوى الظلاميّة والأعداء.

العالم أصبح على دراية، ويوماً بعد آخر بات يدرك الواقع، وبدأ يتعاطف ويساند كفاحنا العادل، وآخر مثال هو موقف وخطاب السيدة «آن ليندي» وزيرة خارجية السويد التي كانت تمثّل الاتحاد الأوروبي وليس فقط حكومتها، لتقول: على تركيا أن تنسحب من الأراضي السورية إلى حدودها الدولية، كي تتجه الأزمة السورية نحو الحلّ. فللسيدة «آن ليندي» وزيرة خارجية السويد وجميع برلماني الاتحاد الأوروبي، كلّ الشكر الاحترام.

 تحية وإجلال لروح الفقيد إسماعيل عمر وجميع شهداء ومناضلي الحركة الكردية والكردستانية الخالدين…

———–

* (ترجمة من الكردية، للكلمة التي ألقاها محي الدين شيخ آلي، سكرتير حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)، على ضريح الفقيد إسماعيل عمر، يوم الأحد 18/10/2020، في الذكرى السنوية العاشرة لرحيله، في مسقط رأسه، قرية» قره قويي»-ناحية الدرباسية-الجزيرة).

* جريدة الوحـدة – العدد 323- تشرين الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى