القسم العاممختارات

سوريا الجريحة والمنكوبة… غيابٌ لدور شرائح وطنية مخلصة

الافتتاحية*

بلدٌ مترامي الأطراف مُقطَّع الأوصال، ومساحاتٌ شاسعةٌ خالية من أهاليها، ودمارٌ في مدنه ومعظم قراه، واقتصاده يتدحرج نحو الهاوية، وانتهاكاتٌ صارخة مستمرة ضد القيم والمبادئ الإنسانية على نطاقٍ واسع؛ يكتوي كل يوم بجرحٍ جديد فوق جراحٍ لم تندمل بعد… نعم بلدنا سوريا، منكوبٌ وجريح.

نظامٌ مستبد لم يفكر يوماً بحلٍ سياسي لأزمة البلد، وقبل ذلك بإصلاحات كان بإمكانها تجنيبه هذه الكارثة، ومعارضةٌ ارتهنت إلى الخارج في معظمها، بل وتماهت مع الإسلام السياسي العنفي والجماعات المسلحة تحت غطاء (الثورة والجهاد)، دون أن تُقدِّر مدى فداحة العنف والاقتتال الداخلي على البلد ومستقبله.

فسادٌ معمم، انتهاكات وجرائم بمختلف أشكالها ومسمياتها، انقسامٌ مجتمعي حاد، أحقاد وكراهية، جهل وتخلف، مآسي وأحزان، إرهابٌ متفشي فكراً وممارسةً، غيابٌ لدور شرائح وطنية مخلصة واسعة في ظل استقطاب الأدوار بين من يحملون السلاح ويستمرون في الاقتتال الداخلي وأطرافٍ تستقوي بداعميها، وتحت ثقل تدخلٍ إقليمي ودولي محدد بالمصالح والصراعات على سوريا، لاسيما وأن المجتمع الدولي عاجزٌ عن إقلاع قطار حلّ الأزمة ومساعدة سوريا دولةً وشعباً للخروج من محنته.

بعد فشل الخيار العسكري والأمني الذي جلب الدمار لبلدنا… نحن كسوريين، على ماذا ومن نراهن؟ إلى متى ننتظر، فوز رئيس ذاك البلد أم وفاة آخر، ظهور المهدي أم زعيمٍ أسطوري؟ وإن كان من الممكن الاستفادة من مساعدة أصدقاء حقيقيين وهيئات الأمم المتحدة، إلا أنَّ إرادة الحلّ لدينا وقرارنا المستقل يبقى هو الأساس في حلّ أزمتنا المستفحلة والإسراع في خطواتها، فلابد للقوى الخيّرة والواعية لدى جميع الأطراف من تفعيل دورها، لتبدأ بتخفيف معاناة الناس، بإجراءات عملية إيجابية متلاحقة في الملف الإنساني، بدءاً من إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين، وفتح الممرات والمعابر بين كافة المناطق السورية مع رفع الحصار عنها، وتحييد المدنيين عن الصراعات، واتخاذ الإجراءات الكفيلة والضامنة لعودةٍ آمنة للنازحين في الداخل إلى مناطقهم الأصلية، وذلك للمساهمة في إعادة تأهيل المجتمعات المحلية، وفي بناء الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري؛ لا يحتاج هذا الأمر بالضرورة إلى عقد مؤتمرات وصفقات إن توفرت إرادةٌ صادقة، وبإمكان أي طرف ذي سلطة أن يخطو خطوات إيجابية من جانبٍ واحد. مثل تلك التي اتخذتها الإدارة الذاتية – شمال شرقي سوريا في إطلاق سراح المئات من السجناء بقرار عفوٍ على خلفية التواصل مع أهاليهم، والتعاطي المرن مع أحداث فتنة وقعت في ريف دير الزور، وكذلك فتح الأبواب أمام وسائل إعلام محلية وأجنبية ووفود وشخصيات عديدة للاطلاع على الأوضاع وتقصي الحقائق.

كفانا أحزاناً ومآسياً، فلابد لبلدنا أن يتعافى من محنته، ولا بد أن يتحرر من الاستبداد والإرهاب، ويكون شريكاً فاعلاً في المجتمع الدولي لا عالةً عليه، بثرواته وطاقاته البشرية وتنوعه الثقافي وتراثه الإنساني، إن طال الزمن أم قَصُرَ.

* جريدة الوحـدة – العدد 323- تشرين الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى