ابن الشرق الواعي يعرف ويشعر بفداحة ما ابتلى به من صراعات ونزعات تاريخية، من جهالة وتَحجُّر للعقل، تلك التي تُؤَجَّج تحت غطاء مشاريع سياسية تُبطن أهدافاً بغيضة؛ الدين والمذهب والطائفة والقومية والوطنية تُستغل تحت شعارات وفتاوى برّاقة من قبل فئةٍ مهووسة بعقائد متزمتة أو لاهثة وراء السلطة والمال.
أزماتٌ تعصف ببلدان وشعوبٍ عديدة في شرقنا المعذب، ولكن للكُـرد فيه عنوانٌ آخر! بعد كل أزمةٍ تضربهم، يجلدون ذواتهم، يُخونون بعضهم، وقد يتقاتلون فيما بينهم، ويُقدِّم البعض منهم فرائض الطاعة والخنوع لمن يُعاديهم.
تجد كُـرداً كانوا يناوئُن الإدارة الذاتية ولا تعجبهم العجب، لا ينفكون عن الرمي بالمسؤولية الكاملة على أبناء جلدتهم، عن المصائب التي حلَّت على مناطقهم إبَّان الغزو التركي لها، بل وبعضهم صامتين أمام المحتل ولازال حيال الانتهاكات والجرائم المرتكبة فيها باستمرار، وينادون بقبول الأمر الواقع! وبعضٌ قَبِلوا الخنوع أمام أبواب أرطغرلي والذئب الرمادي! ويُصادق ذاك الذي يغطي أو يعمل على إهانة بني قومه ويُمارس الانتهاكات عليهم وبحق أرضهم وممتلكاتهم وتاريخهم.
لا يُخفى على أحد مدى عداء تركيا التاريخي للكُـرد عموماً، ولإقليم كردستان العراق كتجربةٍ رائدة لهم، واعتداءاتها المتكررة على أراضيه، ولا ننسى أن أردوغان اتهم الإقليم بالخيانة، وحذَّر من أن أكراد العراق سيتضورون جوعاً عندما تمنع تركيا شاحناتها من عبور الحدود! قبيل إجراء الاستفتاء على الاستقلال عام 2017م، وسعت مراراً لخلق الفتنة والاقتتال بين الإقليم وحزب العمال الكردستاني PKK. وما التوترات الأخيرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني و PKK إلاّ حلقةً في ذاك السياق، بعد هجمات عديدة للجيش التركي – له أكثر من عشرين قاعدة عسكرية في الإقليم- على مواقع الأخير في جبال قنديل.
محطاتٌ أليمة في ذاكرة الكُـرد، من اقتتال أخوي، والتجربة أثبتت أنه لا انتصار فيه لطرفٍ على آخر، ولا مكان لمنطق التخوين والتناحر، بل لغة الحوار والتفاهم هي الأنفع للجميع ولسد باب الفتنة والنخر في الذات.
تركيا صاحبة مشروع قديمٍ – جديد، إمحاء هوية ووجود الكُـرد أينما كانوا، وهي المستفيدة الوحيدة من الاقتتال بين البيشمركه والكريلا؛ لكن ما هو موضع ازدراء أن كُـرد سوريين نصبوا أنفسهم مدافعين عن هولير أو قنديل، بل ويصبون الزيت على نار الفتنة بين الحزبين الكردستانيين، في ظل حملاتٍ إعلامية متبادلة.
الاقتتال هناك ينعكس سلباً على كُـرد سوريا وقضيتهم، ويُهدد علاقاتهم البينية، فليس بمقدورهم تَحمل عبء كردستاني ثقيلٍ جديد، فليس بالضرورة أن يكونوا برزانيين أو آبوجيين!
لا بد لإرادة الخير لدى الجميع أن تقوى على تجاوز التوترات والمفاصل التاريخية، وتًغلق أفواه الثَّرثارين والمتزلفين والشامتين، وتكسر محاولات أنقرة في إشعال نارٍ جديدة بين إخوةٍ مكافحين مناضلين من أجل شعبهم المقهور!
* جريدة الوحـدة – العدد 323- تشرين الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).