القسم العاممختارات

الائتلاف المعارض- ضعف الحال والمآل… اتهاماتٌ جزاف لـ “قسد” والإدارة الذاتية

الافتتاحية*

كلما اعتلى شخصٌ منصباً بارزاً ضمن الائتلاف السوري- الإخواني وما يرتبط به، يجد نفسه ملزماً بالعداء للإدارة الذاتية- شمالي وشرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بل يلهث لتقديم فروض الطاعة والولاء لزعيم العدالة والتنمية وملهم الإخوان العالمي، سلطان تركيا الجديد الرئيس رجب طيب أردوغان، التي تتجلى بوضوح في إطلاق تصريحاتٍ نارية وخطابات الكراهية ضد الإدارة و”قسد”، واصفاً إياهما بالإرهابية والانفصالية وغيرها من تُهمٍ جزاف، على خلفيةٍ عنصرية شوفينية عدائية ضد الوجود والدور الكردي في سوريا.

نصر الحريري الذي تولى رئاسة الائتلاف بالتبادل مع أنس العبدة لرئاسة هيئة التفاوض، أواسط تموز الماضي، وفق ميكانيزم استخباراتي تركي – قطري محكم، ويتعامل باستعلاء مع المجلس الوطني الكردي، سارع إلى إشهار ما في جعبته من سكاكين ليطعن القيم الوطنية وأسس العيش المشترك، غير آبهٍ بحال سوريا وشعبها وبممكنات حل أزمتها، إرضاءً لأنقرة وتماهياً مع أجنداتها، وعلى هوا المثل الشعبي (ضربني وبكى… سبقني واشتكى) رفع برسالةٍ إلى الأمين العام للجامعة العربية يطلب فيها عقد جلسةٍ طارئة لمناقشة ما أسماه بـ “التهديدات الكبيرة لوحدة وسلامة الأراضي السورية بسبب الممارسات التي تقوم بها ميليشيات PYD، واعتبارها تهديداً للأمن القومي العربي”، متناسياً أن تلك الانتهاكات والجرائم التي أوردها في رسالته “حملات تهجير قسري وتغيير ديمغرافي، تفاقم معاناة المدنيين، فرض واقع انفصالي بقوة السلاح في المنطقة، سياسات عنصرية ممنهجة، الاستيلاء على الأراضي والممتلكات، الاستيلاء على ثروات المنطقة ومواردها، حرق محاصيل الفلاحين، عمليات الاعتقال والتعذيب الوحشي والإخفاء القسري” ما هي إلا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية اقترفتها ميليشيات “الجيش الوطني السوري” المرتبطة به – المرتزقة لدى تركيا وبالشراكة مع جيشها في مناطق “عفرين، سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض” وضد أهاليها بشكلٍ ممنهج وعلى نطاقٍ واسع ولا تزال، تم توثيقها بالأدلة الدامغة والشهادات الحية من قبل عشرات المنظمات والهيئات الإعلامية والحقوقية والمدنية وفي تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الأخير ولدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أيضاً. ومتجاهلاً أن الواقع الانفصالي مفروضٌ بشكلٍ فعلي على مناطق ما تسمى بـ “المحررة” وتلك المحتلة من قبل تركيا، بالترويج للعملة التركية والتعامل بها ورفع العلم التركي فيها، وربطها إدارياً وعسكرياً وبنيوياً بالمؤسسات والإدارات التركية، وفرض وتعليم واسع للغة التركية فيها؛ لاسيما وأن الحريري يتحدث عن الحاجة “العمل ضمن الحالة الثورية في تلك المناطق” لقانون أحزاب وقانون انتخابات وحتى دستور! ومتغافلاً أن “قسد” ساهمت باقتدار في دحر أكبر تهديدٍ للأمن القومي العربي الذي تَمثل بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” والتي سلّمتها جماعات “الجيش الحرّ” مناطق شاسعة في غربي وشرقي الفرات بسهولة ودون أي قلقٍ على حياة الناس، ويبدو أن أنقرة والائتلاف منزعجين من هزيمة “داعش” وفرار عناصرها الذي يُوصف في أروقتهما بـ “التهجير القسري”! بينما نصيب “قسد” من الانتهاكات التي تُتهم بها من قبل اللجنة المستقلة متدن ٍ، فلا تُرتكب على نطاقٍ واسع ولا توصف بالممنهجة، و”قسد” بالتنسيق مع الإدارة الذاتية تتعاون بشكلٍ مستمر مع هيئات دولية ووفود ومنظمات عديدة للوقوف على الأوضاع الإنسانية وأوجه الانتهاكات المرتكبة.

ولكن هيهات أن يتحقق الحلم! طلب الحريري تطاير مع هبوب رياحٍ عربية عكس ما تشتيه سفن أردوغان وزبانيته، تلك الرياح التي أدركت أخيراً حقيقة الأطماع التركية وخطرها على الأمن القومي العربي، في وقتٍ تنكشف فيه على الأرض وبين المجتمعات المحلية المبتلية بترهاتٍ طائفية وفتاوى تكفيرية وأمراء حرب وبجماعات مسلحة مرتزقة تتقاتل فيما بينها حتى على سرقة إناء نحاسي، زيف وفداحة سياسات وأفعال تيارات الإسلام السياسي وتنظيمات القاعدة وميليشياتها المرتزقة التي نمت وتوسعت تحت عباءة الإخوان المسلمين العالمي وفي سياق صراعات إقليمية ودولية معقدة، والمدعومة من قطر وتركيا وغيرهما؛ أبرز مثالٍ على إدراك أبناء تلك المجتمعات لواقعها المرير، رغبة عشرات الآلاف منهم في تقديم امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية هذا العام لدى المدارس الحكومية النظامية وحلمهم بالدراسة في الجامعات السورية، ولكن مُنعوا من التنقل بقوة السلاح وبإغلاق المعابر أمامهم من قبل الميليشيات الإرهابية.

بات معلوماً، أن مناطق نفوذ واحتلال تركيا في سوريا تعيش أسوأ الأوضاع، لصوصية واقتتال وفساد، لا حرية ولا كرامة، لا حراك سياسي ولا ثقافي ولا مجتمعي عام، فقدان الأمان والاستقرار، وأن مناطق سيطرة “قسد” تتمتع بأمان واستقرار نسبيين، عدا هجمات الجيش التركي ومرتزقته وحالات فتنة داخلية يتم حلَّها قدر الإمكان في أوانها، إضافة إلى ما يميزها من حركة إعادة إعمار ما دمّرتها المعارك، مع توفر فرص العمل ورواتب لابأس بها، إلى جانب الأعمال الزراعية والتجارية والإنسانية النشطة والحراك المجتمعي المتنامي وتَوفر حريات عامة وتَمتع الأقليات القومية والدينية بحقوقها. ولكن الحاقدين يسعون بشكلٍ محموم لخلق الفتن بين مكونات مناطق الإدارة الذاتية، من خلال شدّ العصبيات وتأجيجها، عشائرية كانت أم طائفية وقومية ودينية.

الجميع يُدرك أن “قسد” أصبحت جزءاً من الواقع الوطني السوري، ولا يمكن محو الوجود والدور الكردي في سوريا، حسبما تشتهيه حكومة العدالة والتنمية في أنقرة، ولا مستقبل آمن ومستقر لسوريا دون حلّ القضية الكردية فيها حلاً عادلاً في إطار وحـدة البلاد، فحريٌ بالأطراف السورية على جهتي النظام والمعارضة أن تتوجه لـ “قسد” وللكُـرد بخطاب عقلاني باحث عن المشتركات الوطنية والإنسانية على الأقل، بلغة الحوار والتواصل، لا أن يُوصفوا ومن يتحاور معهم بالإرهابيين- حسب الحريري، وبات ملحاً انفكاك الائتلاف- ضعيف الحال والمآل- عن أجندات تركيا وتصحيح توجهاته، خدمةً للسلم الأهلي وأسس العيش المشترك ولجهود إيجاد حلٍ سياسي لأزمة بلدنا المستفحلة.

إن نجاح الحوار بين مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية وتوقيع مذكرة سياسية بينهما خير مثال عن إمكانية توصل السوريين فيما بينهم إلى التفاهمات والعمل المشترك، في إطار السعي الحثيث لتخفيف معاناة الشعب السوري بجميع مكوناته والسير نحو وضع حدٍ لمحنته، ويؤكد على ضرورة وأهمية وجود المجلس في أية عملية سياسية تخص سوريا ومستقبلها.

* جريدة الوحـدة – العدد 322- أيلول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى