دعوةٌ لبناء «تحالف عربي في الجزيرة والفرات»… دون البحث عن أسس العيش المشترك جريدة الوحـدة*
بعد البيان الذي صدر في 7 حزيران 2020م باسم «شخصيات وتشكيلات سورية في المنطقة الشرقية»، والمتضمن رفض «التفاهمات الكردية- الكردية»، واكتظاظ صفحات التواصل الاجتماعي بالردود، نظراً لاحتوائه على خطاب الحقد والكراهية ضد الكُـرد وقواهم الفاعلة… صدر بيانٌ آخر، في 23 حزيران 2020م، بذات التوجه وبعنوان «نداء من أجل تحالف عربي ديمقراطي في الجزيرة والفرات»، وقَع عليه المئات، بينهم من الموقعين على البيان الأول، وأبرزهم (رياض حجاب قيادي بعثي ورئيس وزراء سابق، رياض نعسان آغا قيادي بعثي ووزير سابق…).
شدد النداء على ((أن عرب المنطقة الشمالية الشرقية السورية بمحافظاتها الثلاث «الرقة ـ دير الزور ـ الحسكة» تحولوا إلى «رهائن مختطفين لا إرادة حرّةً لديهم» و «أصبح مستقبلهم مجهولاً لا يتحكمون بنسج خيوطه بأنفسهم» و «نشأ أمر واقع استهدفهم باسم ديمقراطية مزيفة مستندة إلى قوة السلاح، سلبتهم حتى الحق بتقرير المصير»))، ودعا النداء إلى «تأسيس جبهة وطنية اجتماعية فكرية ديمقراطية عريضة وموحدة لأبناء المنطقة الشرقية العرب، تحت اسم التحالف العربي الديمقراطي»، وأن الهدف الأساسي من تشكيل التحالف هو «تحقيق تطلعات ومصالح المواطنين العرب في المنطقة الشرقية وحسب»، وأن الداعون لتأسيس التحالف «لا يميزون في نظرتهم بين عربي وسرياني ممن أسهموا في بناء سورية عبر السنين»، مطالبين بعدم «نسيان آلاف المعتقلين منهم، من الرجال والنساء والأطفال، سواء في سجون ومعسكرات ما سمّيت بقوات سورية الديمقراطية أو في معتقلات الأسد»، وقال النداء أيضاً: «شكلت منطقة الجزيرة والفرات ومنذ آلاف السنين سقفاً عربياً ضامناً لجميع من عاش فيها ومن عبر بها أو التجأ إلى أفيائها».
يُلاحظ القارئ ببساطة خلجات البحث عن الهوية المناطقية والروح العروبية الشوفينية الضيقة في جنبات النداء، بعكس ما يلوح لمشروع وطني سوري جامع، كما يضع «منطقة الجزيرة والفرات» تحت «سقفٍ عربي» في محاولةٍ أخرى لنفي وجود المكونات الأخرى التي تعيش على أرضها التاريخية.
ومن جانبٍ آخر، يخص «التحالف المنشود» نفسه بالعرب دون سواهم من مواطني ومكونات تلك المنطقة، ويضع حاله في موقع الخصم ضد الكُـرد، معتبراً الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» تخصهم فقط، عكس حقائق الواقع التي تؤكد مشاركة العرب فيما يقارب النصف من «قسد» وفي تركيبة مجالس وهيئات الإدارة الذاتية. فلا يبحث النداء عن أسس العيش المشترك وعن إيجاد حلولٍ للمعضلات عبر الحوار.
عندما حلَّ الفوضى في غالبية المحافظات الثلاث بعد انسحاب الجيش السوري والمؤسسات الأمنية وانتشار ما سمي بـ (الجيش السوري الحرّ) بين أعوام /2011-2015/، وتدهورت الأحوال، وسيطر على معظمها فيما بعد تنظيم «داعش» وأعلن دولته الإسلامية المزعومة، لم يُحرك أولئك الموقعين على ذاك النداء ساكناً من أجل تخليص سكانها من نير داعش وذبحه للمواطنين وتهجمه على المناطق المجاورة أيضاً، بل تركوا الناس يواجهون مصيرهم، إلى أن تشكلت قوات «قسد» وأسقطت داعش وحررتهم.
وعندما احتلت القوات التركية مناطق عديدة في الشمال السوري تحت أسماء «درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام» وعمَّمت فيها الفوضى والفلتان وارتكاب الجرائم، لم تتحرك مشاعر النخوة العربية في نفوس أولئك الموقعين.
ثمة سؤال يطرح نفسه: هل إدلب بين أيدي أمينة؟ بينما تحكمها «هيئة تحرير الشام- النصرة» ويجتاحها الجيش التركي الذي تخلى بشكلٍ تدريجي عن جزءٍ من أراضيها كل فترة بموجب صفقات أستانة المذلة.
ويبدو أن الموقعين يتباكون على آلاف المعتقلين من عناصر داعش لدى «قسد»، الذين يتمتعون بحقوق سجناء طبيعيين وهناك متابعات حثيثة لتقديمهم إلى محاكمات عادلة، ويتم الإفراج عن بعضهم كل فترة عبر وساطات اجتماعية ومعايير الإصلاح والمصالحة، في وقتٍ لا ترى فيه لدى سلطات النظام وفي المناطق المحتلة من قبل تركيا وما تسمى بـ «المحررة» أية ضمانات أو حقوق للمعتقلين، بل أغلبهم مخفون قسراً.
بعد مضي شهور ذاك التحالف المنشود لم يرى النور، بل هناك محاولات حثيثة من عدة جهات لافتعال المشاكل وخلق الفتن بين المجتمعات المحلية في الرقة وريفها وفي ريف دير الزور من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهةٍ أخرى.
أمرٌ طبيعي أن يكون هناك مناكفات وأخطاء في ظل ظروف صعبة وقاسية، ولكن اللجوء إلى لغة الحوار والتواصل هو السبيل الأنجع في ردم الهوة بين أبناء البلد الواحد وإيجاد حلٍ لكافة المشاكل، دون الرهان على الخارج والتحرك وفق أجنداته أو عدم قبول دور مكون أساسي في البلد ومحاولة إقصائه وحجب حقوقه.
* جريدة الوحـدة – العدد 321- آب 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).