في الهاوية… «الهوتة» من متنزه طبيعي إلى مقبرة جماعية جريدة الوحـدة*
مقابر جماعية خلَّفتها جماعات راديكالية متطرفة سيطرت على مناطق شاسعة في شرق الفرات من سوريا؛ أهالي الضحايا والمفقودين ينتظرون خبراً عن أحبائهم؛ فرق محلية تعثر على بعض المقابر وتفتحها وتوثق ما تراه، ولكن المسألة بحاجة إلى جهود وإمكانيات كبيرة للوصول إلى نتائج مرضية في الكشف عن مصير المفقودين وفي توثيق الجرائم وملاحقة مرتكبيها.
أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بتاريخ 4 أيار/مايو 2020م تقريراً تحت عنوان «في الهاوية»، معداً بقلم نديم حوري مع سارة الكيالي وجوش ليونز. تم التركيز فيه على أن تنظيم «الدولة الإسلامية- داعش» استخدم حفرةً في شمال شرق سوريا كموقع للتخلص من جثث الأشخاص الذين اختطفهم أو احتجزهم.
أواخر 2017، بعد طرد داعش من المنطقة، استطاعت «هيومن رايتس ووتش» زيارة الموقع لتفقد الحفرة والتحدث إلى أشخاص يعيشون في الجوار، وهي الحفرة المعروفة بـ «الهوتة»، على بعد 85 كيلومتر شمال مدينة الرقة، بالقرب من بلدة «سلوك» الواقعة حالياً تحت سيطرة الجيش التركي والميليشيات السورية الموالية له.
ذكر التقرير: «وفقاً لسكان محليين، كانت حفرة الهوتة توفّر ملاذاً رائعاً من السهول الجافة شمال الرقة، ومكاناً للنزهات العائلية». ولكنها تحولت إلى مكانٍ مرعب، إلى مقبرة جماعية لجثث جنود من الجيش السوري وسكان محليين معارضين لـ «داعش»، أعدمهم التنظيم. وقال: «بين 2013 و2019، اختطف داعش واحتجز آلاف الأشخاص عندما احتل مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا، الكثير منهم أعدِموا أو لا يزالوا مفقودين». وأضاف: «عندما بدأ النزاع السوري في مارس/آذار 2011، بدأت تنتشر قصص عن الهوتة كمكان لرمي الجثث. أول حالة أُبلِغ عنها في سبتمبر/أيلول 2012، بعد أن استولت جماعة إسلامية متطرفة مسلحة تدعى «كتيبة القادسية»… بالإضافة إلى قتل جنود حكوميين، قال سكان محليون إن كتيبة القادسية قتلت أيضا مدنيين اتهمتهم بالتعاون مع الحكومة السورية».
انحلت كتيبة القادسية قبيل سبتمبر/أيلول 2012، وانضم مقاتليها إلى تلك الجماعات الأخرى، معظمهم إلى «جبهة النصرة» المرتبطة بالقاعدة، وإلى داعش لاحقاً. وهناك شهادة أن كتيبة «أنصار الحق» أيضاً قتلت جندياً في تل أبيض وتخلّصت من جثته في الهوتة.
وقال التقرير: «في مارس/آذار 2013، استولت جماعات مسلحة معارضة للحكومة السورية على مدينة الرقة. قادت الهجوم عدة مجموعات، من بينها جماعات إسلامية متطرفة، مثل «أحرار الشام»، وجبهة النصرة، و»كتيبة حذيفة بن اليمان»، وجماعات تابعة للجيش السوري الحر. بعد سقوط المدينة، قتل المهاجمون عددا لم يُحدد بعد من الجنود وعناصر الأمن الحكوميين، وأعدموا بعضهم بعد استسلامهم بحسب تقارير. ما حدث في نهاية المطاف لجثثهم لا يزال مجهولا».
بدءاً من نيسان 2013 بدأ «داعش» بزعامة أبو بكر البغدادي بالسيطرة على مدينة الرقة، وخلال الأشهر التالية عزز من استحكامه وقاتل الجماعات التي اعترضت طريقه؛ إذ كشف التقرير «خلال ذلك، خطف داعش وأخفى وعذّب وأعدم عشرات النشطاء والصحفيين السوريين، والمقاتلين المعارضين لداعش، وصحفيين دوليين وعاملين في منظمات إنسانية. لم تتلقَ العديد من عائلات هؤلاء الضحايا أي معلومات عن مصير أحبائها». وأضاف «بحلول يناير/كانون الثاني 2014، عزز داعش سيطرته على الرقة وفرض أسلوبه الاستبدادي في الحكم على المدينة والريف المحيط بها. لفرض السيطرة، نفّذ التنظيم إعدامات في الساحات العامة في الرقة والبلدات المجاورة». وبدأ سكان الرقة يشتبهون بأن داعش كان يرمي بعض الجثث في الهوتة، وتأكد البعض من ذلك لدى سماع أجوبة بعض الدواعش.
بحلول 14 يونيو/حزيران 2015، استولت وحدات حماية الشعب على بلدة سلوك والعديد من القرى المحيطة بها، وأخيراً، في يوليو/تموز 2017، دخل فريق «هيومن رايتس ووتش» شمال شرق سوريا وتوجه نحو الهوتة.
وذكر التقرير: «بحسب تقارير إعلامية، أبلغ سكان محليون عن قيام داعش بإلقاء الوقود في الحفرة وإشعال النار فيها لإخفاء رائحة الجثث… على الأقل بدا أن الموقع لم يتعرض للتخريب، وأن داعش لم يحاول طمس جرائمه».
وفي سبتمبر/أيلول 2018، عاد فريق «هيومن رايتس ووتش» إلى الهوتة. هذه المرة مع خبير التحليل المكاني، الذي كان يراقب الهوتة منذ 2014.
في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، اجتاحت القوات المسلحة التركية والميليشيات السورية الموالية لها أراض في شمال شرق سوريا، فسيطرت على بلدة سلوك ومحيطها، ضمناً موقع الهوتة.
وخلص التقرير إلى «أيا كانت السلطة التي تسيطر على المنطقة فهي ملزمة بحماية الموقع والحفاظ عليه، وتسهيل جمع الأدلة التي تساعد في مساءلة عناصر داعش عن الجرائم التي ارتكبوها، وكذلك أولئك الذين ألقوا جثثا في الهوتة بعد مغادرة داعش. أولاً، على السلطات المحلية، بمساعدة حلفائها الدوليين، أن تتعامل مع الهوتة كموقع جريمة، وأن تؤمّن وتطوّق الموقع حتى لا تُتلف الأدلة المحتملة، وكذلك وقف إلقاء مزيد من الجثث في الحفرة. ثانياً، ينبغي تجفيف الحفرة للسماح لعمال إزالة الألغام بمسح الموقع. ثالثاً، على خبراء الطب الشرعي المدربين والمجهزين النزول إلى الحفرة واستخراج تلك الجثث والبدء في العمل المضني المتمثل في التوثيق واستخراج الجثث».
كما طالبت «هيومن رايتس ووتش» السلطات التي تسيطر على الموقع بـ «التواصل مع العائلات التي لديها أقارب مفقودين أو مقتولين ودعمها. عليها تزويد العائلات بمعلومات محدثّة حول ما يحدث في الهوتة، وكيف تعمل السلطات على تعزيز العدالة عن الجرائم الجسيمة، سواء أثناء حكم داعش أو بعده»… لأن «هذا جزء من التزام سلطة الأمر الواقع بموجب القانون الدولي باتخاذ جميع التدابير الممكنة للمساءلة عن الأشخاص الذين أُبلِغ عن فقدانهم كنتيجة للنزاع المسلح، وتزويد أفراد عائلاتهم بالمعلومات التي لديها عن مصيرهم. يستند الالتزام إلى حق عائلات المفقودين بمعرفة مصير أحبائهم، والالتزام المترتب على الدول وسلطات الأمر الواقع بتقديم هذه المعلومات».
وأردف التقرير: «بموجب القانون الدولي، يُحظر تشويه الجثث، وعلى جميع أطراف النزاع اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع تعرضها للتنكيل… وعليها تخصيص الموارد للمحافظة على الهوتة، وجمع الأدلة سيدعم أيضاً التحقيق في الانتهاكات الأخرى التي ارتكبها داعش، بما فيه الإعدام خارج نطاق القضاء للمدنيين، أو المقاتلين الذين استسلموا والتي تشكل انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب…».
واختتم التقرير بالقول: «الهوتة التي كانت ذات يوم مكاناً جميلاً وهادئاً، أصبحت رمزاً للرعب والموت. العائلات التي فقدت أحبابها، والتي ألقيت جثث بعضهم في الهوتة تستحق إجابات. العائلات في جميع أنحاء سوريا، التي تسعى إلى نهاية لأعمال العنف التي مزقت بلادها، تستحق الأمر ذاته».