اليوم العالمي للغات الأم… اللغة الكردية تشق طريقها نحو التطور والانتشار
جريدة الوحـدة*
لم يكن الطلاب الذين تظاهروا في مدينة «داكا» البنغالية في 21 شباط 1952م، يتوقعون أن يغدو هذا اليوم مناسبةً عالمية للغة الأم، فلم يذهب نضالهم ودماء الشهداء منهم هدراً، بل عمّت تظاهراتهم في ذاك الوقت عموم البلاد، مما اضطر حاكم باكستان التي لم تكن بنغلادش منفصلة عنها لإصدار قرار اعتماد اللغة البنغالية لغةً رسمية إلى جانب اللغة الأوردية، ويتحدث بها حالياً حوالي /228/ مليون شخص ضمن اللغات الأكثر انتشارا في العالم؛ وتلبيةً لاقتراحٍ من دولة بنغلاديش، وافق المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» المنعقد في شهر تشرين الثاني عام 1999م على اعتبار 21 شباط «اليوم العالمي للغة الأم» والاحتفاء به منذ عام 2000م.
وتؤكد المنظمة على «تؤمن اليونسكو بأهمية التنوع الثقافي واللغوي لبناء مجتمعات مستدامة. وتعمل المنظمة، في إطار ولايتها من أجل السلام، على الحفاظ على الاختلافات في الثقافات واللغات بغية تعزيز التسامح واحترام الآخرين»، ووضحت «يتعرض التنوع اللغوي بشكل متزايد للتهديد مع ازدياد اندثار اللغات، وإنّ 40% من السكان حول العالم لا يحصلون على التعليم بلغة يتحدثونها أو يفهموها».
وجاء في تقريرٍ منشور في موقع الأمم المتحدة: «ما لا يقل من 43 في المائة من اللغات المحكية حالياً في العالم والبالغ عددها 6000 لغة معرضة للاندثار. أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم والملك العام فلا يزيد عددها عن بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مائة لغة».
وإذ نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – 1948م على ما يلي: «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر..».
وقالت أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو في رسالتها بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم هذا العام:
«تندرج اللغة الأم حقاً في عداد عوامل الإدماج الاجتماعي والابتكار والإبداع والخيال، وكذلك في عداد عوامل إنعاش وازدهار التنوع الثقافي ووسائل نشر السلام، إذ تقرب اللغة الأم بين الناطقين بها وتفتح لهم أبواب السعادة والازدهار معاً في ظل آفاق وتطلعات مشتركة…
وتندرج اللغة الأم، فضلاً عن ذلك، في عداد العوامل القيّمة المساعدة على تحقيق الهدف المتمثل في توفير التعليم الجيد للجميع. فقد بيّنت دراسات اليونسكو أن التدريس بلغة أخرى غير اللغة الأم في المدارس يعيق التعلم ويؤدي إلى تفاقم الفجوات والفوارق. وتفيد أحدث التقديرات في هذا الصدد بأن ٪٤٠من سكان العالم يعانون من هذا الوضع. ويؤدي التعليم الثنائي اللغة أو المتعدد اللغات القائم على التدريس باللغة الأم إلى تيسير وتعزيز التعلم، وكذلك إلى تعزيز التفاهم والحوار بين الشعوب…
فلا بد من حماية كل اللغات، ولا سيّما لغات الشعوب الأصلية، إذ تُعدّ اللغة الأم وسيلة من وسائل حفظ التنوع والسلام. وقد أتاحت السنة الدولية للغات الشعوب الأصلية، التي احتفلت بها اليونسكو في عام ٢٠١٩، حشد المجتمع الدولي لإظهار ضرورة التنوع».
تعتبر اللغات ثقل استراتيجي للبشرية، فهي من المقومات الجوهرية للهوية، وركيزة أساسية في الاتصال والاندماج الاجتماعي والتعليم والتنمية، فبالنسبة للكُـرد عانوا ظلماً تاريخياً في محاربة ثقافتهم ولغتهم الأم، ولكن اللغة الكردية بلهجتيها الرئيسيتين (الكرمانجية والسوارنية) خلال العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظاً وانتشاراً وتعلقاً متزايداً بها، حيث توسع الإلمام بها قراءةً وكتابةً على مستوى أغلب الأسر الكردية، رغم عدم الاعتراف بها واعتمادها رسمياً في الدول الثلاث (تركيا، سوريا، إيران) وإن كان هناك بعض التسهيلات والفرص المتاحة؛ وقد دخلت اللغة الكردية باقتدار مجال الإعلام والصحافة والوسائل الرقمية، ولكنها لا زالت تعاني من مشاكل وعوائق عديدة.
ومن جانب آخر جاء قرار الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سوريا باعتماد مناهج تعليمية باللغة الكردية بدلاً عن مناهج الدولة باللغة العربية وافتتاح معاهد وكليات للغة والأدب الكردي مفيداً في نشر اللغة الأم والتعلم بها، رغم أنه كان على خلفيةٍ سياسية وواجه انتقادات واسعة، فلا يحظى بغطاء قانوني وإداري على صعيد الدولة، بحيث لا تُقبل الوثائق الصادرة عن مدارس ومعاهد وجامعات مناطق الإدارة الذاتية لدى دوائر ومؤسسات الدولة السورية، إضافةً إلى ضعف المناهج والكادر التدريسي والإمكانات المطلوبة.
لا يسعنا بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم إلاّ أن نتقدم إلى عشاق اللغة الكردية من طلاب وقُرّاء وكتَّاب ومهتمين بالتهاني، متمنين لهم دوام التقدم والنجاح.