الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد في الادارة الذاتية
مجلة الحوار– العدد 74- عام 2020
إن جوهر عملية التنمية الاقتصادية يتمثل في التخلص من معالم الفقر والتخلف وتخليص قوى الإنتاج وتحديث أساليبه بحيث تحل أساليب إنتاج أحدث وأكثر فعالية محل الطرائق السائدة، وتتعدل أساليب التملك بهدف تحقيق إشباع متزايد لحاجات الناس من الخدمات والسلع وخاصة فيما يتعلق منها بالنواحي الاجتماعية كالصحة والتعليم.
لذلك يرى بعض الاقتصاديين ان الدول تمر بعدد من المراحل في نموها الاقتصادي، وأن التخلف الاقتصادي ماهو إلا أحد هذه المراحل التاريخية، وفي هذا الصدد حظت نظرية المراحل باهتمام متفاوت على مر العصور، فلقد قسم ابن خلدون المراحل التي يمر بها تطور المجتمعات إلى رعي ثم زراعة تليها الصناعة ثم الخدمات، وتنتقل المجتمعات من مرحلة إلى أخرى تبعاً لدرجة التقدم الاقتصادي الذي يصل إليه كل مجتمع. كذلك فرق كل من “آدم سميث” و “فريدريك ليست” بين عدد من مراحل النمو المختلفة التي تمر بها اقتصاديات الدول وهي المرحلة البدائية ثم مرحلة الرعي تليها الزراعة ثم الصناعة والتجارة، كما قسم “كارل ماركس” مراحل التطور الاقتصادي إلى عدد من المراحل تبعاً لدرجة اختلاف وسائل الإنتاج المستخدمة فهذه المراحل هي: البدائية والعبودية والاقطاع والرأسمالية والاشتراكية.
لا شك أن تخليص البلاد المتخلفة من معالم التخلف يفترض اقتصاديات هذه البلدان في مواجهة العقبات التي تعترض سبيل التنمية الاقتصادية والتصدي لها – سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية أم ثقافية – بما يكفل القضاء عليها.
والتنمية الاقتصادية عبارة عن تحقيق نمو سريع، مستمر وتراكمي في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي خلال مدة زمنية معينة، وهي بهذا المعنى تختلف عن مفهوم النمو الاقتصادي الذي يطلق على مجرد الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي، وبناء على ذلك فإن التنمية الاقتصادية إنما تمثل دخول الاقتصاد القومي من مرحلة النمو الاقتصادي السريع، وقيام الدولة بدفع المتغيرات الاقتصادية تجاه النمو بأسرع من معدل نموها الطبيعي، فهي بذلك عملية إرادية من جانب المجتمع، يقول في هذا الصدد مارتن لوثر كنج: “التقدم البشري ليس تلقائياً، ولا هو حتمي.. التقدم البشري عمل متعمد”.
تعتمد عملية التنمية الاقتصادية وجوهرها من أجل زيادة الطاقة الإنتاجية والتي تعتمد اعتماداً أساسياً على الاستثمار المنتج في موارد المجتمع المادية والبشرية، فيجب أن تقاس التنمية على أساس معدل الصافي للاستثمار وليس على أساس معدل الزيادة في الدخل القومي، إذا كان الاعتماد على المقياس الأول يجنبنا الفروق التي تنتج عن تبيان نسبة رأس المال إلى الإنتاج أو نسبة رأس المال إلى الدخل، من بلد إلى أخرى أو من مدة زمنية إلى أخرى أو حتى من نشاط معين إلى نشاط معين آخر في نفس البلد، فمشروعات التنمية تختلف اختلافاً واضحاً من حيث البعد الزمني الذي يفصل بين عملية الاستثمار من جهة وتحقيق العائد من جهة أخرى. وهكذا نجد أن عملية التنمية الاقتصادية عملية إرادية تستلزم أولاً القضاء على ما يواجهها من عقبات وتهيئة المناخ الملائم لها كما تستلزم إقامة الأبنية الأساسية وتغيير البنيان الاقتصادي للمجتمع وانتهاج استراتيجية ملائمة للتنمية.
وإن عملية التنمية الاقتصادية كانت دائماً تتعثر في سوريا نتيجة الفساد والمحسوبية وغيرها، وخاصة مع دخولها في أزمة مستفحلة منذ بداية عام 2011 بدأت العوامل السياسية تؤثر بشكل سلبي ومباشر على الوضع الاقتصادي، وبدأ الاقتصاد يعاني من أضرار جسيمة نتيجة تراجع معظم القطاعات، ونال ضربة قوية منذ بدء الأزمة السورية، وإن من سخرية قدر السوريين أن يعيشوا أسوأ انهيار اقتصادي في البلاد، وقد ذكر تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” وبرنامج الغذاء العالمي “WFP”: “تراجعت قيمة الناتج الزراعي من 263 مليار ليرة في 2011 إلى 254 مليار ليرة في 2013، وهو ما يشير إلى الدمار الهائل الذي لحق ببقية القطاعات، فرفع من نصيب القطاع الزراعي بصورة نسبية لا كمية، فقد عانى القطاع الزراعي ضغوطاً كبيرة، حيث تقلصت المساحات المزروعة كثيراً بسبب الأوضاع الأمنية والصعوبات في توفير مستلزمات الإنتاج، بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات الذي انعكس على عمليات الري والنقل والتسويق، والصعوبات الناجمة بسبب انعدام الأمن على الطرقات، وانقطاع التيار الكهربائي واستخدام مولدات الكهرباء التي تعمل على المازوت الذي ارتفع سعره، إضافة إلى انتشار التلوث في بعض المناطق، وتخريب عدد من المناطق الزراعية والبنى التحتية.
حسب تقرير لمنظمة “فاو” عام 2015: “يشكل الإنتاج الزراعي في سوريا 25% من الناتج القومي الإجمالي، المقدر بـ 60 مليار دولار، وتقدر القوى العاملة في هذا المجال نحو مليون عامل، أي حوالي 17% من القوى العاملة، المقدرة بخمسة ملايين عامل في القطاعين العام والخاص”. كما أدت هذه الأزمة إلى مغادرة رجال الأعمال والمستثمرين وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وبالتالي تم انقطاع الخدمات بشكل كبير، وتحول الاقتصاد بشكل تدريجي إلى اقتصاد حرب نتيجة اقرار النظام توجيه كافة مقدراتها لخدمة الآلة العسكرية ضد الرأي الحر والتظاهرات السلمية المنادية بالتحول السلمي الديمقراطي أضف إلى ذلك العقوبات الاقتصادية عليها والمعارك الدائرة في معظم جغرافيتها من قبل تشكيلات جهادية إسلاموية، رغم دعم حليفتيها كلاً من روسيا وإيران، ولم تتمكن في القدرة على النهوض باقتصادها على ما كانت عليه قبل الأزمة، مما أدى إلى تراجع ملحوظ ومستمر في القوة الشرائية للعملة السورية، وطال الضرر كافة القطاعات دون استثناء، كما لعبت عوامل أخرى في زيادة معاناة الناس منها انعدام الأمن والأمان وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وتراجع كبير في سعر الصرف، لينعكس بدوره وبشكل مباشر على الوضع المعيشي للمواطنين.
يقول في هذا الصدد المفكر الاقتصادي السوري الدكتور عارف دليلة: “إن حظر النظام للرأي الآخر تسبب في الكارثة التي نعيشها السوريون حتى الآن، كان بالإمكان أن تلحق سوريا بركب الدول المتقدمة وأن تتجاوز أشكال التخلف لو كان هناك حرية الرأي والتنظير والتظاهر ضمن قانون واعلام حر غير محتكر، كان البلد في وضع آخر تماماً، بسبب هذا الحظر سوريا ضاقت بكل شيء ضاقت بالأموال والرجال والعقول والمستثمرين ضاقت بمواطنيها، دائماً كنت أقول يجب أن تتحول سوريا من دولة طاردة إلى دولة جاذبة…”.
وقد أدت هذه الأزمة إلى إلحاق أفدح الأضرار الهائلة في البنية التحتية في كافة مؤسسات الدولة ومرافقها العامة والخاصة، حيث يؤكد في هذا المجال أيضاً الدكتور عارف دليلة: “كان الاقتصاد السوري يعاني الكثير من العلل حتى قبل عام 2011، لكنه منذ أواخر عام 2011 لم يعد بالإمكان الحديث عن اقتصاد وطني سوري، فوسائل الانتاج وقوى الانتاج وأماكن العمل والمنتجون والأسواق الداخلية والخارجية والقطاع المصرفي والنقدي والبنية التحتية وكل عناصر النظام الاقتصادي كانت، بعد الشعب والانسان في سورية، أكبر الضحايا المستهدفة بشكل مخطط سواء من قبل الخارج الذي عاقب أول ما عاقب ليس النظام السياسي أو المسؤولين عن الانفجار وأشخاصهم ومصالحهم، بل تمتعت كتلة أثرياء الفساد والتجاوزات والحرب، القدماء والجدد، خلال الكارثة بفرص نمو ما كانت لتحلم بها، وإنما أيضاً من قبل الهمجيين الذين ابتليت بهم الأرض السورية حيث أنصب تخريبهم على أسس الحياة الاقتصادية للشعب، ووقعت الخسارة بكاملها على العامة الذين فقدوا فرص عملهم وشروط تجديد العملية الإنتاجية لديهم واغتصبت ودمرت احتياطيات الاستهلاك الانتاجي والشخصي، فالقطاعات الاستراتيجية كانت أول ما تعرض للتدمير مثل النفط والغاز والحبوب، إضافة إلى تقويض التواصل بين قطاعات الإنتاج والتداول والتصريف والاستهلاك، واستنزفت جميع الأموال والثروات الجاهزة، وحتى الآثار التي خلفها الأجداد والحضارات المتعاقبة والتي لا تقدر بثمن، ونتيجة لتقسيم البلاد بين الأطراف المتحاربة الداخلية وكذلك الخارجية أصبح حتى الإنتاج المتاح، والذي انخفض كثيراً بدوره، يتكدس ويهدر أما بالتلف أو بالاغتصاب والنهب من قبل قوى الأمر الواقع، بينما ملايين المواطنين يعانون من الحاجة والفاقة والجوع وغالبيتهم فقدت بالأصل مصادر عيشها وعملها بل ومأواها، وأما أداة التداول الليرة السورية فقد أصبحت موضع تلاعب مكشوف، بعد الإطاحة بعشرين مليار دولار من الاحتياطيات المتجمعة من حرمان السوريين واعتصارهم، وكل ذلك تحول أدى إلى تورم لثروات المتلاعبين مع انهيار سعر صرف الليرة إلى أقل من 9% مما كان عليه مطلع عام 2011، مع ما يعنيه ذلك من خسائر هائلة لعموم الشعب وبالأخص من ذوي الدخل المحدود ودفع قسماً كبيراً من هؤلاء ممن نجى من الموت أو لم يهاجر إلى الخارج إلى التحول إلى احتياطي تنهل منه جيوش القتل والإرهاب والخطف والاغتصاب من جميع الأطراف والألوان، مما زاد من تفاقم وتضخيم حجم الجرائم على مدى الساحة السورية…”.
مع بقاء واستمرار هذه الأزمة فقد ازداد العد التنازلي بشكل فظيع للحالة الاقتصادية سنة بعد أخرى، وتراجع إنتاج القمح من 4 مليون طن إلى 2.4 مليون طن (بحسب تقديرات الفاو 2013)، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على حالة التشظي الحاد في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية، وذلك من خلال الجهات التي تتعارك على كامل الجغرافيا السورية. وبات معروفاً بأن كل دولة من دول العالم تشتهر بقطاع اقتصادي معين أكثر من باقي القطاعات الاقتصادية تراتبياً، فمثلاً سوريا تعدّ بلداً زراعيًا بامتياز، وذلك فق المقاييس الاقتصادية الحقيقية، وأن الزرعة في سوريا تعد من أهم القطاعات الاقتصادية سواء بالصادرات أو بتوفير حاجات الناس لسد الاستهلاك المحلي، حيث يتمتع موقع سوريا بمناخ طبيعي ملائم، مع وجود مصادر المياه الجارية، والمياه الجوفية، وأراضي خصبة وأمطار متوسطة، لذلك تصلح لكثير من الزراعات المتنوعة. حيث نال القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني نصيبه من الدمار والخراب كبقية القطاعات الأخرى على أيدي التشكيلات الإرهابية المتطرفة، وتحولت الكثير من الأراضي الزراعية إلى ساحات معارك وحرب صعبت إمكانية تأمين مستلزمات الزراعة من بذار وأسمدة وأدوية زراعية، وذلك من أجل استثمارها وزراعتها، ليس هذا فقط بل وحتى صعبت إمكانية الوصول إلى هذه الأراضي الزراعية بسبب وجود معارك ضارية فيها، كما تم تقطيع أوصال الكثير من المناطق بعضها عن بعض، نتيجة سيطرة القوى الإرهابية في تلك المناطق. حيث أصدرت إحصائية من قبل المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، يبين أن متوسط الإنفاق التقديري للأسر السورية يعادل ثمانية أضعاف الدخل لعام 2018 بلغ 325 ألف ليرة سورية شهرياً، بينما متوسط الأجور والرواتب يتراوح بين 30- 40 ألف ليرة سورية، وأن 29% من الأسر يعاني انعدام الأمن الغذائي.
يشكك الدكتور عارف دليلة بهذا الرقم المعلن من قبل المكتب المركزي للإحصاء حيث يقول: “إن مبلغ 325 ألف ليرة سورية وهو حاجة الأسرة لا يتضمن نفقات أجور السكن”، كما أن الدكتور طلال مصطفى أيضاً يكذب نسبة 29% من الأسر التي تعاني حالة انعدام في الأمن الغذائي، حيث يقول: “هذه النسبة غير صحيحة هناك مؤشرات تقول بأن 90% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر هذه المسألة ستنعكس على كافة المستويات (الاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها)، وعن تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار يميز الدكتور طلال مصطفى بين فئتين في المجتمع السوري، فئة اعتاشت خلال سنوات الحرب التعفيش والنهب وسرقة أموال العام، وفئة أخرى فقيرة تعتمد على الحوالات من الخارج”، لكنه يرى بأن كلا المصدرين غير دائمين ما يعني أن الأزمة المعيشية ستكون أكثر حدة في المستقبل. ويعد الاستقصاء الذي أجرته جامعة طوكيو عام (2016) للدراسات الأجنبية للشرق الأوسط بالتعاون مع مركز الرأي السوري مؤشرًا على البؤس الشديد لأغلبية المواطنين إذ يقول: (الشريحة الأكبر من المجتمع السوري 87.4 في المئة تحت خط الفقر الأدنى، وفقًا لمعيار البنك الدولي (1.9 دولار يوميًا للشخص)، وأن ما تحتاجه الأسرة يعادل ستة أضعاف متوسط الأجر المالي). أما الاستقصاء نفسه للعام 2017، فيشير إلى أن نسبة من المجتمع السوري تصل إلى 74.5 في المئة أصبح دخلها أقل من 1.9 دولار يوميًا للشخص، أي ما دون خط الفقر العالمي، وضاقت نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى ما دون 23 في المئة، إذ متوسط الدخل بين 300 و400 دولار، واستمر انخفاض الليرة السورية إلى ما دون 10 في المئة من قيمتها الحقيقية قبل الأزمة. وعلى الرغم من أن هذا الاستقصاء قد جرى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام مع ما يعنيه ذلك من غياب للمعطيات عن مناطق سورية واسعة تعاني الحصار والتجويع (الغوطة الشرقية والغربية مثلًا، محافظات الرقة، ودير الزور، وإدلب، وأرياف حلب وحمص وغيرها)، فإن هذه الأرقام تتوافق، مع ذلك، مع الواقع المعيشي الصعب للسوريين الذين غدا هاجسهم وهمّهم اليومي تأمين لقمة العيش لأطفالهم.
إلا أن هذه المؤشرات تنذر بأخطار كبيرة على المشهد الاقتصادي السوري العام وخاصة موضوع التضخم كارتفاع الأسعار والعجز في الميزان التجاري والناتج المحلي والدين الخارجي الخ…، إن الاهتمام بسلامة المنظومة الاقتصادية لا بد من الحفاظ على بعض المؤشرات كـ (معدل ميزان المدفوعات – معدل التضخم – معدل البطالة – معدل النمو). فيما ذكر تقرير لمؤسسة وورلد فيجين: “فإن الحرب فيما لو استمرت حتى العام 2020، فإن كلفتها الاقتصادية قد ترتفع إلى تريليون وثلاثمائة مليار دولار”.
أصبح قطاع الزراعة يعاني تدهوراً ملحوظاً وإن العزوف عن الزراعة مرتبط بشكل عضوي بالسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل المعنيين، والوضع الحالي الذي يعيش قسم كبير من المواطنين في ضنك شديد وإلى خدمات هامشية كبيع الخبز والغاز والدخان، والبسطات ومحلات البالة، والخدمات الجانبية، هو نتيجة غياب فرص العمل الحقيقية. وأن تبعات ذلك على الوضع الاقتصاد يشير إلى انهيار المنظومة الاقتصادية التي ترسخت جذورها على طول الجغرافيا السورية، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل التي أدت إلى التدهور الوضع الاقتصادي منها: تدمير القدرة الإنتاجية وتقطيع أوصال الطرق التجارية والعقوبات الاقتصادية.
يقول (مهند هادي) المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط: «إن الأمن الغذائي لملايين الناس داخل سورية يواصل تدهوره حيث يصنف أكثر من سبعة ملايين شخص على أنهم يعانون انعدام الأمن الغذائي في أنحاء البلاد بعد أن استنفدوا مدخراتهم ولم يعودوا قادرين على إطعام عائلاتهم». بالإضافة إلى تخريب البنية التحية لهذا القطاع الحيوي الهام في حياة المواطنين من قبل الإرهابيين والتكفيريين “داعش وأخواتها”، حيث تم تدمير وتخريب معظم الصوامع ومستودعات الحبوب ومحالج الأقطان وسرقة محتوياتها ونهب كافة موجوداتها من قطع ومعدات وآليات وأثاث، وبفضل انتصارات “قوات سورية الديمقراطية وYPG و YPJ المدعومة من التحالف الدولي بقيادة ولايات المتحدة الأمريكية على أعتى قوة إرهابية عالمية المتمثلة بداعش وأخواتها في آخر جيب من جيوبها في بلدة باغوز بدير الزور، فبدأت خلاياها النائمة هنا وهناك القيام بالأعمال الإجرامية من اغتيالات وتفجيرات وإحراق محاصيل الفلاحين والمزارعين لموسم 2018 – 2019، في كافة مناطق شمال وشرق سوريا بهدف محاربتهم اقتصادياً لزعزعة الثقة بين مكونات هذه المناطق وأيضاً بمثابة رسالة لهذه المكونات مفادها بأن هذه الإدارة لا تسطيع أن تأمن لكم الأمن والأمان والاستقرار، ولكن بفضل وعي وتكاتف ووحدة مكونات هذه المناطق أفشلت جميع مخططاتهم التآمرية ضدهم. لذا يجب البحث بكافة السبل والوسائل من أجل دعم هذا القطاع الحيوي كونه أصبح يمر في واقع مرير يهدد المجتمع من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وهنا لا بد من التأكيد بأن المجتمع السوري لن يتعافى مالم يتعافى اقتصاده، كون الاقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على السياسات الصائبة والصحيحة التي تدفع قطاعات واسعة من المجتمع إلى المشاركة في عملية البناء والازدهار والتنمية ذات المنتوج الفردي والجماعي.
وعند انتهاء العمليات العسكرية على كامل الأراضي السورية، وإيجاد بيئة ملائمة وحل سياسي لكافة قضايا الشعب السوري يمكن البدء في إعادة أعمار ما خربته الحرب الظالمة كون سوريا تملك مقومات التنوع الاستثماري، وكذلك الكادر البشري، بالإضافة إلى موقعها الحيوي، بالتالي هي قابلة للعودة في ظل شروط سياسية وأمنية مغايرة، بعيدًا عن الواقع الفساد والمحسوبية، والاحتكار الحصري.
لذلك، يبدو جلياً إن تحقيق السلام والاستقرار مرتبطاً بعملية التوازن في المصالح الدولية على كامل جغرافيا المنطقة، مما يوحي بأن تحقيق الاستقرار الاقتصادي أيضاً لن يجد سبيله إلى التطبيق في الوقت القريب، نستنتج مما سبق بأن الوضع السوري سيتجه تدريجياً إلى تغيير خرائط سياسية جديدة في المنطقة بشكل عام.