رحيل السياسي الكردي التركي المعروف تسليم تـوره ترجمة وإعداد: آرا حجي*
ولد تسليم توره في 8 حزيران عام 1939، ببلدة اكشاداغ – ولاية ملاتيا التركية، وأصبح عضواً في حزب عمال تركيا عام 1969, حيث عُرف بأحد أهم الأسماء بين السياسيين الأتراك، اليساريين منهم بشكل خاص.
انتُخب لرئاسة بلدية اكشاداغ عام 1965، وعمل في نفس الوقت رئيساً لتحرير جريدة محلية تعرف باسم «خشخاش»، كانت تصدر في ملاتيا.
حوكِم بسبب كتاباته، ووضع في سجن ملاتيا، بعد اعتقاله مع ستٍ من أصدقائه، بسبب توقيعهم على مقالة نُشرت عام 1969، وقد أُفرج عنه في أول جلسة محاكمة بعد ثلاثة أشهر. وفي نفس العام كان مرشحاً للانتخابات البرلمانية عن (الاشتراكي المستقل) في ملاتيا، إلا أنه سحب ترشيحه أثناء الانتخابات.
في عام 1971 شارك في تأسيس جيش تحرير شعب تركيا (THKP) مع دينيز غزميش ورفاقيهما الآخرين. وفي أيار 1971 وبعد تفكك ذاك التنظيم، عَبَر إلى سوريا بطرق غير شرعية، وأصبح على علاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية في دمشق، وبقي هناك مدة سنتين ونصف.
جمع أعماله الأيديولوجية في كتاب تحت عنوان «الوحدة في كفاح جيش تحرير شعب تركيا». وانتخب أميناً عاماً لحزب العمل الشيوعي التركي TKEP في مؤتمره الذي انعقد في 1 أيار 1980.
بعد الانقلاب العسكري في 12أيلول 1980 سافر إلى جانب الفلسطينيين.
وفي المدة التي عاشها خارج البلاد انضم إلى اجتماعات دولية في كل من صوفيا، بودابست، بيروت ودمشق، قدم لهذه الاجتماعات رسائل ومداخلات سياسية.
بعد عودته إلى تركيا اعتُقل باستنبول في 5 أيار 1993 ووضع في السجن، وأُفرج عنه في 11 أيلول 2001، أثناء فترة سجنه قام بتأليف كتابين وعشرات المقالات للمجلات والجرائد.
كُتبه هي (المنظمة الاشتراكية الرأسمالية) و(العولمة ونظام المجتمع الفردي)، وإذ فُتحت ضده دعاوى بسبب الكتب والمقالات التي كتبها، حيث عُوقب /11/ عقوبة بين غرامات مالية وسجن في محاكم استنبول لأمن الدولة، ولكن تم تأجيل تنفيذ العقوبات تأجيلاً شرطياً بقرار آنذاك.
خلال فترة سجنه كان له دور كعضو مؤسس لحزب (الاشتراكي الموحد القانوني)، وانضم إلى الانتخابات البرلمانية عام 1994 كمرشح عن مدينة غازي عنتاب بالاتفاق الذي أبرمه حزبه مع حزب الشعب الديمقراطي. وعلى الرغم من حصوله على أصوات كافية ليصبح نائباً، إلا أنه لم يستطع الدخول إلى البرلمان بسبب عدم حصول حزبه على الحد الأدنى والذي يقضي بتجاوز 10٪ من كامل الأصوات.
وكان عضواً مؤسساً لحزب التضامن والحرية في عام 1996 عندما كان سجيناً. وبعد إخلاء سبيله أكمل نهج وسياسة حزب التضامن و الحرية وانتُخب كمستشار (الأمين العام) في مؤتمر الحزب الذي انعقد عام 2002.
في هذه الفترة استمرت مقاضاته أمام محكمة استنبول الأولى لأمن الدولة، والتي أصدرت بحقه عقوبة بالسجن /22/ سنة في 22 شباط 2004، وبعدها قامت بتخفيف الحكم إلى /18/ سنة لحسن سلوكه. وقبل صدور الحكم ضده، ذهب توره إلى سويسرا وطلب اللجوء في 23 أيلول 2003، قُبل طلبه في 6 أيلول 2004، وبقي فيها إلى آخر يومٍ من حياته.
وداع تسليم توره الأخير
انتهت حياة تسليم توره كأحد الأسماء الطليعية لجيل الـ 1968، في مدينة برن السويسرية في 24 تشرين الثاني 2019، والذي كان يتعالج فيها من مرض السرطان. وأٌقيم له مراسم وداع لائقة بحضور المئات من محبيه في 26 تشرين الثاني، لينقل بعدها جثمانه إلى تركيا.
وأُقيمت للفقيد مراسم تشييع مهيبة بحضور الآلاف من رفاقه وأصدقائه ومحبيه، يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني، بمنطقة أوسكدار باستنبول، ضمن تكية السلطان كاراجا أحمد، وأُلقيت في وداعه العديد من الكلمات، إليكم مقتطفات من بعضها:
معزز توره ابنة الفقيد:
(لقد قضيت حياتي وأنا مشتاقة لوالدي، لم نجتمع، لم نكن سوية، لم نكن جنباً إلى جنب، دائما كانت حياة أبي غير شرعية أو في السجون… عاد إلى المناطق التي تسود فيها الفاشية في الوقت الحالي، في حين يجب أن تكون الديمقراطية هي المهيمنة هنا، سوف يضاعف الناجون كفاحهم وسيستريح والدي في سلام عندما يتم بناء الديمقراطية في هذه الأراضي… وأتقدم لكم جميعاً بالشكر الجزيل)
رئاسة حزب الشعوب الديمقراطي- سيزاي تمللي:
(لقد كان تسليم توره من أكبر ثوار ومناضلي جيل الـ68، أعزي عائلته وأصدقائه… الأصل هو تغيير التاريخ، فقد وجدت إمكانية العمل معه لفترة قصيرة جداً، لقد كان مثالاً لنا جميعاً بكفاحه المفعم بالأمل، كان رائداً للفكر الذي قضى على الفجوة بين الأجيال، شخصيته كانت تلتقي بالجديد وتوسعه وتحتل الصدارة في الصراع.
انحني باحترام لذكراه، لديمقراطية تركيا وللسلام. تماماً كما سار جيل الـ 68 بحركات كتفاً لكتف ضد الفاشية، نواصل اليوم محاربة الفاشية كتفاً لكتف. يجب علينا أن نعتني بهذا الميراث بغيرة، سنهدم الفاشية، سننهي الظلم، فليكن هذا وعدنا لمن رحلوا. يجب أن نأخذ كفاح الشعبين الكردي والتركي من أجل السلام والحرية إلى أبعد من ذلك بكثير.
والآن أقول لتنير الأضواء درب صديق ماهر تشايان، إبراهيم كايباكايا و دينيز غزميش.)
ومن بعد كلمة تمللي القيت كلمات من قبل آلبَر تاش عضو مجلس قيادة حزب التضامن والحريةODP، كلستان كلج المتحدثة باسم مؤتمر الشعوب الديمقراطية HDK، نوري غوناي الرئيس المشترك لبيوت الشعب، وآخرين، حيث أن جميع الكلمات أكدت على السير في درب الراحل ومواصلة كفاحه. وقد حضر التشييع أيضا الكثير من الجمعيات والمؤسسات.
بعد مراسم التأبين قام الآلاف بالسير إلى المقبرة خلف الجنازة، تتقدمهم لافتة كبيرة كُتب عليها شعار تسليم توره «المصانع، الحقول، القوة السياسية، كل شيء سوف يكون عملك» والذي رُدد على لسانهم، ليودعوا توره إلى مثواه الأخير بالهتافات والشعارات الأممية والقصائد والأغاني، حيث وُري الثرى بجانب ضريح صديق دربه سنان جمغيل Sînan Cemgîl في مقبرة تكية سلطان كاراجا أحمد، ورش على قبره حفنة من تراب قبري رفيقيه دنيز غزميش ويوسف أصلان في أنقرة اللذين أعدما عام 1972م.
وأرسل السياسي الشهير صلاح الدين دميرتاش المعتقل في سجن أدرينه التركي رسالة عزاء، فيما يلي نصها:
أتقدم بأحرّ التعازي لعائلة وجميع رفاق درب العزيز تسليم توره، أحد رواد النضال الثوري.
أشاركهم حزنهم وفخرهم بهذه الحياة الثورية المشرقة.
ميراثه، أحلامه ونضاله أمانة في أعناقنا.
ليكن طريقكم نيراً.
مع امتناني الدائم، أخي الكبير تسليم).
كما تقدَّم محي الدين شيخ آلي – سكرتير حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا بالعزاء إلى جميع أقرباء وأصدقاء ورفاق صديقه الراحل تسليم توره، عبر رسالةٍ بالكردية، مؤكداً على أن الفقيد كان معروفاً ومحباً للإنسان، مناهضاً للفاشية والعنصرية، مناضلاً من أجل الحرية والمساواة بإخلاص، محباً للغته الأم ومدافعاً عن الكادحين والشعوب، كما أشار إلى أنه على مدار /60/ عاماً، ودون تردد، في تركيا والشرق الأوسط والغربة، ضحى بحياته من أجل الدفاع عن قضايا السلم والإنسانية.