القسم العاممختارات

أردوغان يُهدد الكُـرد و « قسد »… ويحمي إرهابيي النصرة وداعش

الافتتاحية*

بغرورٍ وتكبر، ألقى خطابه الطويل في الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أقل ما يقال عنه بالمتشنج، وهو يُطلق النصائح والاشتراطات والتهديدات، متحدثاً عن مينمار وقبرص وليبيا وجنوب القوقاز وكشمير ونيوزيلندا وأفغانستان وفلسطين وإسرائيل وسوريا وقضايا خاشقجي ومرسي واللاجئين وحوض البحر الأبيض المتوسط، وعن هيكلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، متغنٍ بالسعي لتحقيق العدالة والسلام والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومعاتباً المجتمع الدولي أنه لا يجد حلاً لقضايا الإرهاب والفقر!!!… دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة عن أزمات بلاده، من اقتصادية وسياسية وحقوقية، وقمع الكُـرد الذين يتجاوز عددهم /20/ مليوناً ولا يزالوا يعانون اضطهاداً قومياً ومن سياساتٍ عنصرية، وقمع الحريات وملاحقة الصحفيين والكتّاب والأكاديميين ومئات الألوف من المواطنين بتهم مختلفة، وإقالة رؤساء بلديات كُـرد منتخبين.

تباكى رجب طيب أردوغان على أحوال اللاجئين ورفع صورة الطفل الغريق آلان الكردي، وهو الذي أعاد قسراً الآلاف من اللاجئين السوريين إلى إدلب وعفرين، بل ويلعب بملفهم في صفقاته مع الغير. 

تحدث بهتاناً عن محاربة بلاده لتنظيم داعش، وأن (تركيا هي الدولة الوحيدة التي ألحقت ضرراً جاداً وكبيراً بهذا التنظيم الإرهابي، وتعمل على تحديد حركة عناصره)، في وقتٍ تُنشر فيه مئات التقارير الإعلامية والدراسات عن علاقة دائرته المقربة بداعش وصفقات شرائها للنفط منه بأبخس الأسعار وتحقيق مرابح بمليارات الدولارات، وكذلك عبور آلاف عناصره من أراضي تركيا، وتَنَقل المئات من كوادر داعش المعتقين في مناطق نفوذها السورية، وهم يعملون ويتحركون بحرية.

لم يَقُل كيف سيعالج أزمات بلاده الداخلية وعلاقاتها المتوترة مع الكثير من الدول، وحتى مع لبنان الصغيرة والمسالمة، نتيجة الإخفاقات الكبيرة التي أصابت سياساته الداخلية والخارجية، فوضعه السياسي يزداد ضعفاً في تركيا، إذ خسر انتخابات بلديات مدنٍ كبيرة، وترك صفوف حزبه ما يربو المليون عضواً، ليلتحقوا بقادة سابقين أساسيين تم إبعادهم من قبل أردوغان.

دعا للقضاء على قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وتوطين مليوني لاجئ سوري في منطقةٍ بعمق /30/ كم و طول /480/كم وهو يرفع خريطةً لمناطق شمال وشرق سوريا، تُبين  نواياه العدوانية في إحداث تغيير ديموغرافي واسع على غرار عفرين، وتهجير ملايين من سكانها الأصليين، في تناقض واضحٍ لما قاله عن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية- بعرض مصورات- وعن حرصه على مناطق إدلب وعدم تعريضها لحربٍ محتملة وبالتالي هجرة الملايين من الناس، رغم سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة) وحراس الدين والإسلامي التركستاني عليها، تلك التنظيمات المدرجة على لوائح الإرهاب العالمي.

يُركز أردوغان وحزبه الحاكم جُلَّ سياساته نحو العداء للوجود والدور الكردي في سوريا، فلا يستسيغ نجاح تجربة الإدارة الذاتية واهتمام التحالف الدولي المناهض للإرهاب بها، ودعمه المتواصل لقوات سوريا الديمقراطية التي أسقطت الدولة الإسلامية المزعومة، والتي انبهر ببطولاتها معظم شعوب وقادة العالم عدا حزب العدالة والتنمية- AKP وتنظيمات الإخوان المسلمين العالمي والإسلام السياسي عموماً.

لا ينفك أردوغان وطاقم حكمه عن إطلاق التهديدات ضد الكُـرد و»قسد»، مستهترين بمبادئ الحوار وحسن الجوار وجملة الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، ومتكئين على معارضةٍ سورية وميليشياتٍ مرتزقة مسلوبة الإرادة والقرار، وعلى جملة فتاوى وبيانات المجلس الإسلامي السوري وتنظيم الإخوان المسلمين وغيرهما من الموالين للسلطان الجديد؛ وبدعوى حماية الأمن القومي التركي، رغم أن الحدود التركية من كوباني إلى ديريك وعين ديوار محمية من الطرفين إلى حدٍ أقصى، ولم تُطلق رصاصةٌ واحدة من طرف قوات «قسد» التي التزمت بتنفيذ ما يخصها من تفاهمات الآلية الأمنية وعملت على إنجاحها مع القوات الأمريكية.

الجيش التركي يواصل تحضيراته وتحشداته العسكرية قبالة الشريط الحدودي مع شمال الجزيرة السورية، لطالما قال أردوغان «إما أن يُدفنوا تحت التراب أو يَقبلوا بالذل»، وهو يعلن عن القيام بهجومٍ وشيك، دون أن يحترم تفاهماته مع أمريكا حول تنفيذ الآلية الأمنية لحماية الحدود، أو أنه سيعتدي على سيادة دولةٍ مجاورة، وسيتسبب بكارثة إنسانية جديدة على ملايين من البشر، وسيُفلت العقال لعشرة آلاف من عناصر داعش المسجونين لدى «قسد» ولخلايا داعش النائمة ولحوالي /70/ ألفٍ من أفراد عوائل داعشية مقيمين في مخيم الهول.

إن معطيات الحاضر والمستقبل المنظور لا تفيد بأنها تخدم نجاح توجهات تركيا العدوانية التوسعية حيال جوارها أو محيطها لإقليمي، وإن كبح جماحها يتوقف أولاً وأساساً على تكاتف جميع قوى أبناء مكونات وشعوب المنطقة لتعزيز إرادة وقدرات العمل لأداء واجب وحق الدفاع عن النفس، من أجل حماية مناطقنا التي تعيش حالة أمان واستقرار ملحوظين وتشهد في ظلها نهوضاً مجتمعياً وعمرانياً لا يروق لقوى التكفير والتمييز العنصري ضد الكُـرد.

* جريدة الوحـدة – العدد 312 – أيلول 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى