إقالة رؤساء بلديات ثلاث مدن كردية في تركيا، تنديدٌ شعبي وسياسيالوحـدة*
قبيل إجراء الانتخابات البلدية في تركيا،31 آذار 2019، وعد أردوغان الناخبين والمرشحين، بإقالة من هم على ارتباط بـ (الإرهاب) وإن فازوا بأصوات المواطنين، وقد نفذ وعده بإصدار وزارة داخليته قراراً في 19 آب بإقالة رؤساء بلديات ثلاث مدن كردية- جنوب شرق البلاد، وهم: (أحمد ترك- ماردين، عدنان سلجوق مزراكلي – آمد «ديار بكر»، بديعة أوزغوكجه- وان) وكف يدهم عن العمل وتعيين وصاة- موظفين حكوميين بدلاً عنهم. وحسب الوزارة أن الشرطة اعتقلت /418/ مواطناً تتهمهم بالاتصال مع (حزب العمال الكردستاني). وكانت الحكومة التركية قد أقالت /94/ رئيس بلدية منتخبون في الدورة السابقة، عام 2016، في إطار ضغطها على حزب الشعوب الديمقراطي HDP والحراك الكردي عامةً.
وقد خرجت تظاهرات جماهيرية متواصلة بعد إصدار قرار الإقالة في المدن الثلاث، ولا زالت هناك أنشطة جماهيرية، إلا أن الأمن والشرطة تعاملت معها بالقمع والعنف واعتقلت البعض من النشطاء والصحفيين والمحامين، وسط إدانة شعبية واسعة في الوسط الكردي والديمقراطي بشكل عام داخل تركيا؛ وحسب منظمة حقوق الإنسان التركية أعداد المعتقلين تجاوز الألف إلى جانب انتهاك حريات التعبير عن الرأي وحق التظاهر.
وعلى المستوى الداخلي… وصف حزب الشعوب الديمقراطي HDP في بيان خاص قرار الإقالة بأنه «انقلاب سياسي جديد وواضح»، معتبراً إياه خطوة معادية للإرادة السياسية للشعب الكردي»، وأنها ممارسة فاشية وضربة للديمقراطية. كما ندد سيزاي تميلي- الرئيس المشترك للحزب بقرار العزل، وقال في مقابلة مقتضبة مع «العربية نت» إن: «تصرف الإدارة الحكومية بهذه الطريقة هو انقلابٌ على الديمقراطية، وعزل رؤساء بلدياتنا يمثل هجوماً واضحاً على القيم الأساسية للديمقراطية وقانون الإدارة المحلية الّذي يحمي خيارات الشعب وإرادته».
وانتقد القرار أيضاً كل من عبد الله غول الرئيس التركي السابق، وأحمد داود أوغلو- رئيس الحكومة الأسبق، واعتبراه مخالفةً للديمقراطية، ولا يساهم في السلم الاجتماعي.
وكذلك رئيس بلدية استنبول أكرم إمام أوغلو- المعارض انتقد القرار، وقال في تغريدةٍ على حسابه: « من غير المقبول تجاهل إرادة الشعب وإقالة رؤساء بلديات منتخبين»؛ حيث زار مع زوجته ووفد مرافق مدينة ديار بكر، في 31 آب، والتقى بالرؤساء المقالين، مبدياً تضامنه معهم، وقال: «أحضرت تحيات 16 مليون من سكان إسطنبول»، متوعداً بمواصلة العمل على صون الديمقراطية وسيادة القانون وصنع السلام. وزار أوغلو أيضاً ضريح المحامي الشهيد طاهر آلجي، رئيس نقابة المحامين في دياربكر والناشط من أجل الحقوق الكردية الذي اغتيل في 28 تشرين الثاني 2015 وسط المدينة.
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس قالت في واشنطن، 22 آب: «إقصاء المسؤولين المنتخبين من قبل حكومة تركيا بموظفين من الحكومة أمر بالغ الخطورة و مقلق جداً. نأمل أن نرى تركيا تحل المسألة بما يتوافق مع الديمقراطية، ونشجع على اتباع نهج أوسع فيما يتعلق بالتعامل مع الشعب الكردي».
مايا كوسيجانيتش المتحدثة باسم لجنة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أعربت يوم الأثنبن 19 آب عن قلق الاتحاد حيال خطة الإقالة وقالت إنها تلحق الضرر بالديمقراطية في تركيا، مشيرةً إلى أن تركيا لا تحترم رأي الناخبين؛ حيث أن دول الاتحاد الأوربي تتهم أنقرة منذ سنوات بمخالفة معايير كوبنهاغن للانضمام إلى الاتحاد، وتسجل عليها قمع المعارضين وانتهاك حقوق الإنسان والتضييق على حريات الرأي والتعبير.
وحسب وكالة أنباء الفرات، 20 آ، فإن اندرس كنيب رئيس مجلس البلديات والأقاليم الأوروبية أصدر بياناً كتابياً، أعرب فيه عن قلقهم حيال استيلاء الحكومة التركية على البلديات الثلاث، مؤكداً: «هذه الممارسة تثير مخاوف حول تنمية الديمقراطية المحلية بطريقة جيدة».
أما منظمة هيومن رايتس ووتش فقالت من جانبها عبر بيان نشرته يوم الثلاثاء 20 آب، إن قرار حكومة أردوغان ينتهك بشكل صارخ حقوق الناخبين ويعيق الديمقراطية المحلية. وذكر المدير التنسيقي للمنظمة في أوروبا وآسيا، هيو ويليامسون: «إن تشويه سمعة رؤساء البلديات من خلال الزعم بوجود صلات غامضة بينهم وبين الإرهاب، يحرم الأكراد من ممثليهم، كما يعرض كل الملتزمين بالديمقراطية في تركيا للخطر».
وخلال مؤتمر صحفي عقدوه في استنبول، يوم الخميس 29 آب، اعتبر الرؤساء الثلاثة خطوة إقالتهم من مناصبهم بـ «الانقلاب السياسي»، مؤكدين أنهم سيرفعون شكاوى أمام الفضاء احتجاجاً على قرار الإقالة التعسفي؛ بينما في يوم الأربعاء 28 آب، التقوا في العاصمة أنقرة مع ممثلي دول الاتحاد الأوربي والسفارتين السويسرية والنروجية، وقالوا أنهم لن يقبلوا بهذا الانقلاب، وسينقلون شكواهم إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، إضافةً إلى مواصلة النضال الديمقراطي المشروع؛ حيث أفاد الممثلون أنهم سيتابعون الموضوع عن كثب.
وعن تقييم الحالة وتداعياتها ومآلاتها، نُشر الكثير من المقالات والتحليلات وأجرت وسائل إعلام مختلفة الكثير من الحوارات، إذ أكد الكاتب جنكيز أكتار في مقال له، نُشر في موقع أحوال تركيا، 22 آب، على أن الإدارات المحلية في تركيا لا تزال تحت سيطرة الحكومة المركزية، بموجب موادٍ صارمة من الدستور، والتي تمنح الحكومة صلاحية الوصاية الإدارية، بحيث لا تترك لرؤساء البلديات مجالا للتحرك بحرية من دون موافقة الحكومة وموظفيها المحليين الممثَّلين بالمُحافظ أو من ينوب عنه.
ونوه أكتار إلى صدور مرسوم رئاسي برقم 17 يقضي بربط ميزانية جميع المؤسسات والمنظمات الإدارية التي كانت خارج الميزانية العامة، بما في ذلك البلديات، بوزارة الخزانة والمالية، وهذا يعني أن البلديات التي انتقلت إلى سلطة المعارضين ستعاني كثيرا من معالجة الحطام المالي الذي خلّفته الإدارات السابقة.
وأضاف أكتار: «إذا أخذنا بالاعتبار أنه – نظام أردوغان- يفسر (الإرهاب) على حسب هواه، فسندرك أن مفهوم الإدارة المحلية أصبح فارغا عن مضمونه ولا يعني شيئاً في ظل الأوضاع والممارسات الحالية»، و «هناك قوانين كافية لفتح الباب أمام نظام أردوغان حتى يقيل أيَّ رئيس بلدية عن منصبه بذرائع واهية».
وخلص إلى القول: «لكن هذه العمليات نسفت ذلك البصيص من الأمل، لتستبعد التوجه نحو حل سلمي للقضية الكردية التي لم تزل تستنزف طاقاتِ أطراف القضية من جميع النواحي».