القسم العاممختارات

تحدّي الخراب

رئيس التحرير*

قلّما شهد العالم خراباً كهذا، قلّما حلّت اللعنة على أرض مسالمة كما حلت على سوريا وأهلها، لقد دمّر البلد، بات أنقاضاً وركاماً. لقد حل الخراب بالإنسان أولاً، بالقرى والمدن ثانياً، بالبيئة والاقتصاد والزراعة والطرق والعمران وباقي مناحي الحياة كتحصيل حاصل…
التحدّي الذي يواجه الإنسان السوري كبير، تحدٍ معقد ومركب، تحدٍّ يتركز في الاستمرار بالبقاء على قيد الحياة، تحدّ يتلخص في مقاومة ما لم يكن متوقعاً… لم يكن متوقعاً من القوى العالمية والدول المجاورة أن تنهش بالجسد السوري وتمزقه بهذا الشكل السافر، الفج والرهيب. لم يكن متوقعا أن تتصارع كبرى القوى العظمى على الأرض السورية وتنفخ فيها كل هذا الدمار والخراب لتحصد نتائج سياسية خاصة بأجنداتها وبتنافسها الدولي والإقليمي. لم يكن متوقعاً أن تتفجر قوى الشر داخل المجتمع السوري نفسه بهذا الشكل المخيف ليفترس بعضه بعضاً، وتمزقه إرباً إرباً… لم ولم يكن، ولكن… ما حصل قد حصل، فأنى السبيل إلى النجاة والخلاص؟ لا جرعة واضحة ومحددة ولا طريق من السهل سلوكه.
إن المصاعب أكبر من الإمكانيات المحدودة لمن تبقى داخل البلد، بل هي أكبر من كل التنبؤات والتوقعات. الخراب كبير يتجاوز كل القدرات والإمكانيات، وليس للنخبة من قدرة على لملمة الجراحات. فاللوحة ضبابية ولا حلول تلوح في الآفاق، ومع ذلك يظل الإنسان – المواطن السوري هو المعني بالمسألة، معني بالإجابة عن سؤال بسيط: وماذا بعد؟ هل بإمكاننا أن نستمر في المقاومة وإلى متى؟ هل بإمكاننا أن نلملم جراحاتنا وننقذ البقية الباقية من بلدنا ومجتمعاتنا؟ هل من سبيل لوقف هذا الخراب الجارف؟
ثمة الكثير لقوله أو اقتراحه، لكن جوهر المسألة يكمن في أن الخراب الروحي وانهيار القيم باتت الجبهة الأخطر استهدافاً في هذه الحرب اللعينة. لذلك حري بنا جميعا الهرولة باتجاه استنهاض القيم الإنسانية السامية من قاع المجتمعات وزواياه وإحيائها، لإعادة البناء وإعمار الأرواح والأنفس من جديد، فليس الخراب هو ما تم تخريبه فيزيائياً فحسب، بل يجب أولا ترميم ما تم تخريبه روحياً.
في سيرنا الصعب الطويل على درب (الحوار) نعيد المحاولة لاستنهاض الروح الثقافية المشتركة والقيم المثلى كالمحبة والاخوة والتعايش. نستمر في نبش الماضي – التاريخ، نتأمل النظر في الخرائب بحثاً عن جوهرة أو رقيم دوّن عليه سطر يمجد قيم احترام الانسان وحفظ حقوقه، لكي نستمر بالعمل لما فيه خير للبلاد وساكنيه.
هذا العدد إضافة جديدة، خطوة أخرى على طريق الحوار والتعايش، بانتظار جهودكم في تحدي الخراب بالبناء والمحبة والعمل الثقافي – المعرفي الجاد.
* افتتاحية مجلة الحوار – العدد /71/ – السنة 25 – 2018

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى