على نقيض مبدأ حسن الجوار واحترامٍ متبادل بين الدول وفق الأعراف والقوانين المرعية المتعارف عليها، دأبت تركيا الجارة على مواصلة أدوارها المريبة في الداخل السوري، لتصب مزيداً من الزيت على نار أزمته، عبر رعايتها ودعمها لتشكيلات المعارضة المسلحة ومختلف جماعات الإسلام السياسي، بما فيها شبكات داعش والقاعدة، وتُزيد الأمور تعقيداً، حيث يشير المشهد السوري بمعطياته الميدانية وتجاذباته الإقليمية والدولية المتجددة، بأن لا وجود لحل سياسي سلمي في القريب العاجل، وكأن لا اتعاظ أو اكتراث بحصيلة دروس وعِبَر معارك الحرب في وعلى سوريا على امتداد نيفٍ وسبعة أعوام مضت، وما نجم عنها من مآسي وفظائع، لتعود من جديد عوامل دفعٍ نحو مزيد من التوتر، ونشوب معارك دموية أخرى بفعل انخفاض مستوى التفاهمات الروسية – الأمريكية على الصعيد الدولي، خصوصاً تلك المتصلة بملف إيران النووي والعقوبات، ومسألة شرق أوكرانيا، وصولاً إلى أوضاع غزة ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى مدينة القدس التي لطالما شكلت قضية شائكة في مسارات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، جذبت وتجذب معها اهتمامات شعوب ودول العالم الإسلامي، الذي تسعى تركيا بقوة لقيادة دفته عبر خطاب ديني وسياسات شعبوية، طمعاً في التوسُّع خارج حدودها الدولية، تجلَّت في أكثر من محطة ومناسبة، كان أخطرها الاقدام على تجيير واستنفار قرابة تسعين ألف جامع بهدف تعبئة جموع المصلين، خاصة إبان صلاة أيام الجمع في الأرياف وكبريات مدن تركيا، رافقته مهرجانات خطابية حاشدة في ساحات وملاعب، تصدَّرها حضور لافت لكبار مسؤولي الدولة والحكومة، ومعهم أشهر المغنين وبعض رموز فن التمثيل، لتتزاحم جموع المصفقين، ويعلو خطاب الدعوة إلى الجهاد لغزو عفرين، التي تهدد (الأمن القومي لتركيا) كما زعموا،… حيث تزامن هذا النفير شبه العام في الداخل التركي مع أوسع تحريك لقطعات الجيش والقوات المسلحة صوب الحدود السورية – التركية جنوباً مع منطقة عفرين، لتدخلها وسط قصفٍ جوي وبري لم يسبق له مثيل، شاركت فيه أصناف عدة من الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، حققت بسط احتلالها العسكري لكامل المنطقة، فالشروع مباشرة بإحداث تغيير ديموغرافي لها، وذلك بإسكانٍ شبه قسري لمهجَّري الغوطة الدمشقية وأماكن أخرى من الداخل السوري فيها، وسد أبواب وفرص العمل أمام أهلها الكُـرد، مع الاستمرار في تأليب الرأي العام العربي ضدهم، وتصويرهم بمثابة أعداء الله والأمة (كفار مرتدين، انفصاليين، إرهابيين، لايريدون الخير لتركيا المسلمة… الخ) ليُصدِّق ويتوهَّمَ البعض من السوريين والفلسطينيين بأن تركيا بسياساتها وسلوكها هذا، تشكل سندهم التاريخي المخلص في إحقاق حقوقهم… علماً أنها تزرع الكراهية، ماضيةً في لعبة المتاجرة بالدين ووعود شق الطريق إلى القدس ( التي تمرّ عبر غزو عفرين) لضرب الكُـرد أينما وجدوا، وإضافة عقدة جديدة للأزمة السورية كي تطول أكثر فأكثر.
* جريدة الوحـدة – العدد /296/ – أيار 2018 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)