رغم كبر حجم المهام والجهود المبذولة في إجراء الانتخابات المحلية لمشروع فيديرالية شمال سوريا، والتي ستُبذل في المرحلة الثالثة منها، وكذلك مدى أهمية نجاحها في هذه المرحلة العصيبة، ولو نسبياً حسب تقديرات البعض، بحيث تُرفع القبعات لأولئك الذين لم يدخروا جهداً في سبيل إنجاحها… فلا ينبغي تسجيل هذه الخطوة كـ «براءة اختراع» مسجلة باسم أحد، بل هي نتاج حالة مجتمعية متقدمة وتضحيات شعبية جسام تفرض على الفائزين فيها الاستعداد لمرحلةٍ جديدة من تحمل مسؤوليات ومهام منتظرة، لا أن يُصابوا بداء الغرور والفوقية، أو ينتابهم شعورٌ بالضعف والتهميش، أفراداً كانوا أم قوائم كيانات.
وإذا كانت الانتصارات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في غاية الأهمية، خاصةً في دحرَّ الإرهاب، مع ضمان الأمان والاستقرار ولو نسبياً، بالتعاون مع قوات الأسايش، بالتالي تهيئة الأجواء وتسهيل عملية بناء مجالس الأقاليم الثلاثة (الجزيرة، الفرات، عفرين)… تبقى للسياسة وممارساتها السليمة بوجهٍ عام دورها الأساس، بعيداً عن نمطيات الحزب الواحد وطبائع الاستبداد وتبعات حالات الطوارئ في أحوالنا الاستثنائية، حيث لها مبرراتها أحياناً… فلابد من نبذ العقلية الفردية والعسكرية في مجالات الإدارة لصالح احترام دور المؤسسات والمجالس وتعزيز أشكال الإدارة الجماعية، إضافةً إلى وضع الانسان المناسب في المكان المناسب وترجيح اختيار الكفاءات.
لأجل حماية الإدارة وتطويرها، حماية الحالة المتقدمة في مناطق فيديرالية شمال سوريا وتطويرها، لابد للمجالس المنتخبة من العمل على تحصين الوضع الداخلي وتقوية الجانب الذاتي، عبر الاجتهاد في قراءة عناوين وتحديات الوقائع، والوقوف بجدية حيال الأخطاء والسلبيات، التقصيرات والنواقص، الإهمال واللامبالاة، ومعالجتها بروية ومثابرة، وفي مقدمتها تطويق الفساد وتعزيز إجراءات المحاسبة، إضافةً إلى تقديم أفضل الخدمات في مجالاتٍ عدة وممكنة.
من جهةٍ أخرى، تلك المواقف المستخفة أو المستهزئة أو الرافضة لتجربة فيديرالية شمال سوريا الفتية وانتخاباتها الأولية لم تجني سوى الخيبات وزرع حالات اليأس والعدمية في نفوس البعض، مع إطلاق الشعارات والأوهام، أبرزها تلك التي أُطلقت من النظامين التركي والسوري وأوساطٍ من المعارضة السورية، فرغم الرهانات وإطلاق الأحكام المسبقة على فشل الانتخابات ونشر دعايات مغرضة عنها، أثبتت الوقائع نجاحها بمعايير عدة.
إن القوى السياسية والفعاليات المجتمعية والثقافية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأداء دورها الميداني البناء وتعزيز حضورها الإيجابي في تطوير الحالة، ومن شأن تلافي الأخطاء والسلوكيات الفردية السلبية في إجراء الانتخابات أن تُشجع الصامتين والوسط اللامبالي على المشاركة فيها أيضاً.
* جريدة الوحـدة – العدد /292/ – تشرين ثاني 2017 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)