اليوم تُظلم عفرين من جديد وأكثر من ذي قبل، خصوصاً في ظل استمرار حصارها المزمن ترافقاً مع إقدام سلطات تركيا على بناء سور على طول حدودها مع المنطقة، إلى جانب محاولات مستميتة لغلق الدائرة من حولها كلياً وعزلها عن الداخل السوري، سواءً من خلال تفاهمات ومساومات مع روسيا وإيران أو من خلال أعوانها وأبواقها من بقايا (معارضة استنبول) ضمن حملة تحشيد واسعة النطاق أو من خلال تحريك المجموعات الإرهابية التي تأتمر بأمرها (تلوينات القاعدة وبقايا داعش..)، كل ذلك بحجة أن عفرين تهدد (أمن تركيا القومي) …!
عفرين بقراها وبلداتها وعشرات الآلاف من القادمين إليها من مختلف المدن السورية ونزلاء مخيم النازحين (روباريا) المقام على أطرافها… جميع هؤلاء معاً لا يتجاوز عددهم قاطني إحدى ضواحي استنبول أو أنقرة، ومع ذلك يردد مسؤولو الدولة التركية ذات الخمسة والثمانين مليوناً، العضو في حلف الناتو، صاحبة ترتيب عالمي في عديد الجيش وسلم الاقتصاد والمصالح ما يردده الرئيس التركي نفسه من أن عفرين تهدد أمن بلادهم القومي…! لا بل ويريد السيد أردوغان أن يصدقه شعبه والعالم ويتضامنوا معه! فهل عفرين كبيرة بهذا الحجم؟ مهمة لهذه الدرجة، خطيرة إلى هذا الحد؟؟ هل باتت عفرين شوكة في حلق وأعين كثيرين؟!
إذا كان قيام أبناء وبنات عفرين بحماية قراهم وبلداتهم من استباحة المجموعات التكفيرية لها إرهاباً؟! إذا كانت إدارة أمور الناس المعيشية من تأمين غذاء ودواء ومياه شرب، زراعة الزيتون والقمح وسقاية بساتين الفاكهة والخضار… إذا كان هذا هو التهديد لأمن تركيا القومي؟! حينها عفرين فعلاً تهدد.
إذا كان ولع أبناء وبنات عفرين بالتحصيل العلمي، افتتاح مدارس وجامعة ومعاهد في الوقت الذي يتعرض فيه معظم المدن السورية المجاورة لغزوات الجاهلية، إذا كان تعلم الأطفال في المدارس بلغتهم الأم وتداول الناس بلغتهم دون خوف في الدوائر والأسواق والتجمعات … إذا كان حضورهم في ميادين السياسة والثقافة تهديداً هو المقصود بالتهديد… فإنها أيضاً تهدد.
عفرين تبحث لأبنائها عن أمان، ولها حقها وجاهزيتها دفاعاً عن سكانها حتى آخر رمق، لكنها لا تهدد أمن أحد، وأبناء عفرين منذ بداية الأزمة السورية أوصلوا رسائل طمأنة إلى الحكومة التركية عن طريق قائممقامية و ولاة المدن المجاورة لها (الريحانية وغازي عنتاب…) مفادها أن أبناء المنطقة سيحافظون على سلامة وضع الحدود الدولية وحسن الجيرة كما كانت قبل الأزمة، وأن تركيا تبقى جارة كبيرة ينتظر منها السوريون وأبناء عفرين ضمناً عوناً إنسانياً واحتراماً متبادل.
الحشد العسكري التركي في مناطق من الشمال السوري وخاصةً على تخوم عفرين (قلعة سمعان، دارة عزة، شيخ بركات، آطمة…) هو احتلالٌ يُشكل عدواناً سافراً يرمي من خلاله إلى ضرب الحضور الكردي وكذلك إلى تبرير أطماعها في نفوذ مستدام على كامل المنطقة من غربي الفرات حتى الحدود الإدارية لشمال محافظة اللاذقية في الساحل السوري وجعل حلب المدينة بين فكي كماشتها (الباب شرقاً و إدلب غرباً)… النوايا العدوانية للحكومة التركية باتت مفضوحة للقاصي والداني، وحشدها الإعلامي بات ممجوجاً ومملاً، لكن المؤذي أن تتردد أصداؤه في جوار عفرين لدى البعض من شركاء الأمس والغد.
* جريدة الوحـدة – العدد /291/ – تشرين أول 2017 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)