القسم العاممختارات

أوهام المناطق الآمنة بسوريا …

لورين وولف*

عندما تتسلق سلسلة الجبال المجاورة لقرية «سريبرينيتشا» الواقعة، أقصى شرق جمهورية البوسنة والهرسك، سوف تقع على غابات تختلط فيها أشجار السنديان والبلوط والتنّوب وبقية أنواع الصنوبريات. هذه هي البيئة الخضراء التي لجأت إليها «فاطمة دوتبازيتش كليمبيتش»، الناشطة البريطانية التي تطوعت للمساهمة في الأعمال الإنسانية عام 1995 عندما استطاعت النجاة من المذبحة المروّعة التي كانت تحدث قريباً من القرية. وهي تروي لنا تلك القصة المؤلمة فتقول: «عندما كنا نتسلق الجبال، لم نكن ندري مَن بقي من السكان على قيد الحياة، ومَن وقع في الأسر، وما الذي يحدث لأي إنسان. لقد كان شبح الموت يخيّم على القرية كلها. وكنا نشاهد الدماء والأعضاء البشرية المنفصلة عن أجسادها تتناثر في كل مكان».

وعرفت فاطمة فيما بعد أن أكثر من 8 آلاف مسلم بوسني، بينهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم. أما الفتيات فكنّ يتعرضن للاغتصاب قبل قتلهن. وكان كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة داخل ما يسمى «المنطقة الآمنة»!

وكانت «سريبرينيتشا» واحدة فحسب من «ست مناطق آمنة» مشابهة أقيمت في البوسنة عام 1993. ومنذ بداية إنشائها، وصف الخبراء في شؤون البلقان تلك الخطة بأنها ليست إلا «مهزلة»، وأوضحوا أن تلك «المناطق الآمنة» ليست سوى معسكرات لحشر النازحين، والذين تعرضوا خلال ذلك لمجاعة قاسية جرّاء عدم تموينهم بالمساعدات، وكانت التجمعات مكتظة بنازحين عُزّل من السلاح، ويفتقدون الحماية. وقال ضابط أميركي ضمن قوات حفظ السلام التابعة لـ«الناتو» في حديث مع صحيفة «نيويورك تايمز»، إن تلك القوات لم تكن سوى جمهور من المتفرجين على المذبحة. وعندما طلب أمين عام الأمم المتحدة، بطرس غالي، إرسال 37 ألفاً من قوات حفظ السلام لحماية ما تبقى من البوسنيين داخل «المناطق الآمنة»، لم يوافق مجلس الأمن إلا على إرسال 7600 جندي، وهي قوة أضعف بكثير من أن تتمكن من إيقاف المذبحة.

وسبق أن أقيمت «مناطق آمنة» مشابهة في العراق عام 1991، وفي رواندا عام 1994، لكن أياً منها لم يحقق الهدف المطلوب باتفاق آراء الخبراء. والآن، نحن أمام فكرة مشابهة بإقامة مثل تلك المناطق في سوريا بعد أن بدأت إدارة ترامب بتسويقها مؤخراً.

وفي شهر يناير الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه «عازم عزماً أكيداً على إقامة مناطق آمنة في سوريا». وهي خطة رأى فيها بعض مستشاريه طريقة سهلة لاحتواء عدد أكبر من النازحين للتخفيف من أعداد اللاجئين إلى الولايات المتحدة استناداً إلى المبدأ القائل: (لو بقي السوريون «آمنين» داخل وطنهم، فلا حاجة بهم للقدوم إلينا). وبعد ذلك، وبتاريخ 22 مارس، قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون، إن الولايات المتحدة تعتزم إنشاء «مناطق مستقرة مؤقتة» في سوريا.

وتحدث «كريس بويان»، الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، عن الوضع في سوريا، وقال: «إنه هشّ للغاية، وليس من السهل إقامة مناطق آمنة هناك». وشرح قوله هذا بالإشارة إلى أن ذلك يحتاج لتأمين خدمات أساسية، مثل الماء والغذاء وأنظمة الصرف الصحي والرعاية الصحية، وكلها من الموارد والخدمات التي دمرت الحربُ بنياتها التحتية الأساسية. ورغم أن «بويان» مهتم جداً بأي خطة يمكن أن تساهم بإنقاذ حياة النازحين، فقد أشار إلى أن الوضع في أماكن الصراع في سوريا يمكن أن يكون «خطيراً للغاية»، وإلى أن أي وضع قائم على الأرض يمكن أن يتغير بين لحظة وأخرى. ووضح هذه النقطة أكثر عندما قال: «خلال فترة قصيرة جداً من الزمن، يمكن للأماكن التي توصف بأنها آمنة أن تتحول إلى مناطق خطيرة».

وعلينا أن نتذكر أن سوريا هي المكان الذي أصبحت فيه قواعد الحرب وقوانينها مؤجلة حتى إشعار آخر. ودليل ذلك أن عربات الصليب الأحمر والمستشفيات والصحفيين أصبحت كلها أهدافاً لبعض القوات المتحاربة. ويكون من العسير أن نتخيل كيف يمكن خلق منطقة لإيواء النازحين داخل سوريا بحيث لا يمكن لأحد أن يعتدي عليها.

وإذا رفض النظام السوري الموافقة على إنشاء مثل هذه المناطق، فسوف تكون هناك حاجة لقرار من مجلس الأمن لفرضها بالقوة، وهذا ما لن توافق عليه روسيا والصين. وفي عام 2015، قال أنتونيو غوتيريس الذي كان يرأس وكالة الأمم الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، وهو الآن الأمين العام للأمم المتحدة: «إن الأوضاع المعقدة في سوريا تجعل من الصعب جداً إقامة منطقة يمكن وصفها بأنها آمنة تماماً، ويمكنها أن تسهّل مهمتنا».

وقال «بيل فريليك» مدير برنامج حماية حقوق اللاجئين في منظمة حقوق الإنسان: «يبدو أننا بصدد نوع من التفكير الواهم وغير الواقعي عندما نرى الرئيس ترامب وهو يعرض فكرته ويرددها في مناسبات عديدة، وقد قذف بها مؤخراً إلى أيدي كبار العسكريين حتى يرى كيف يمكنهم تنفيذ هذه الخطة الناقصة».

كاتبة وصحفية أميركية حائزة جائزة «فرانك أوكبيرج» عام 2012

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس”

الاتحاد الاماراتية – الأربعاء 12 أبريل 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى