في خطاب تاريخي، ألقي بيانه مساء الخميس 27 شباط 2025م من قبل لجنةٍ من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب زارته في سجن إمرالي، دعا عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكُـردستاني، وأشهر معتقل سياسي في العالم، حزبه إلى «إلقاء السلاح وحلّ نفسه»، واصفاً القرار بـ»المسؤولية التاريخية». لكن هذه الدعوة لم تُقابل بترحيبٍ شامل، بل أثارت سيلاً من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية ومآلاتها على القضية الكُـردية العالقة منذ عقود.
ضغوط تركية ونفوذ كردي متصاعد
جاء الخطاب في وقت تُصعّد أنقرة من حملاتها العسكرية والسياسية ضد المناطق الكُـردية في سوريا وفي إقليم كردستان العراق، وتمارس تضييقاً واسعاً على النشطاء ورؤساء البلديات الكُـرد داخل تركيا، وسط مخاوفها من تنامي النفوذ الكُـردي سياسياً وعسكرياً، وتوسّع مؤيدي وأصدقاء القضايا الكُـردية لدى المجتمع الدولي، حيث أنّ أنقرة ترهب من الصعود السياسي للحركات الكُـردية، وتحاول الهروب من الاستحقاقات التاريخية، عبر احتواء القضية الكُـردية في تركيا دون حلّ جذري.
لكنّ السؤال الأبرز: هل دعوة أوجلان هذه، هي نتاج ضغوط تركية مباشرة؟ أم أنها محاولة لفتح باب الحوار؟ البيان نفسه، فكري سردي، يخلو من التزامات ملموسة، ما يرجح كفة الشكوك حول تأثير أنقرة على أوجلان، المعتقل لديها منذ /26/ عاماً، والمبادرة بحاجة لخارطة طريق واضحة، تحظى بموافقة الطرفين.
لسنا طرفاً في الصراع التركي
في ردٍ واضح، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنها «غير معنية» بمبادرة أوجلان، مؤكدةً أنها «تنظيم سوري وُلد في ظروف الحرب»، وهدفها الدفاع عن السكان، لا مواجهة تركيا؛ حيث أنّ الوحدات الكُردية و قسد لم تطلق رصاصة باتجاه تركيا، بينما تستمر الأخيرة في قصف مناطق الإدارة الذاتية لأهداف عدوانية وتوسعية.
هنا يُطرح سؤال جوهري: كيف يمكن فصل مصير الكُـرد السوريين عن الصراع التركي-الكُـردستاني؟
رّحب مظلوم عبدي قائد «قسد» في منصة اكس بـ»الإعلان التاريخي من القائد عبدالله أوجلان»، و «هو فرصة لبناء السلام ومفتاح لفتح علاقات صحيحة وبناءة في المنطقة».
ولا يغيب عن النقاش توقيت إصدار البيان، الذي تزامن مع تصاعد العمليات التركية في سوريا، وعدم الثقة بحكومة أنقرة في منح الكُـرد حقوقهم، وأنها تسعى لإخراج الكُـرد من المعادلة السياسية في سوريا وتهميشهم وعدم الاعتراف بقضيتهم العادلة.
والسؤال الآخر: ما مصير القضية الكُـردية في تركيا، إذا تمّ حلّ حزب العمال الكُـردستاني؟
مقابل هذا الإجراء لابد من اتخاذ العديد من القرارات بخصوص مستقل أعضاء وقيادات الحزب لأجل ضمان حياتهم ومنحهم حرية العمل السياسي، بالإضافة إلى تغيير الدستور بما يضمن حقوق الكُـرد ولغتهم وحلّ قضاياهم على نحوٍ عادل، ورسم إطار قانوني، ولكن يبدو أن حكومة أنقرة تلهث منهكة نحو مصيرها المحتوم، ولا تنفعها الهروب من الحلّ التاريخي الذي بادر الزعيم عبد الله أوجلان إليه بندائه التاريخي.
حرية أوجلان وانقسامات متوقعة
أشار قادة الحزب في جبال قنديل إلى ضرورة إطلاق سراح أوجلان لينال حريته ويقود حزب العمال الكردستاني فعلياً ويدعو إلى عقد مؤتمر له حتى يتمّ تنفيذ مبادرته بخطى مرسومة؛ ولكن قد تؤدي دعوة أوجلان إلى شرخٍ داخل الحزب وبين الكُـرد عموماً، بين مؤيدٍ يرى فيها فرصةً للسلام، ومعارضٍ يعتبرها «تنازلاً بلا مقابل». لكن الأهم: هل ستحترم أنقرة مطالب الكُـرد لو تخلّوا عن السلاح؟ التاريخ يشير إلى أن تركيا دولة لا تجنح للسّلام إلّا إذا أُرغمت عليه، وهناك مَثَل يوناني يقول: إذا دعا التركي للسّلام فتأهب للحرب!
اليوم، تُترك الكرة في ملعب الكُـرد: هل يقبلون بمغامرة السّلام المجهولة؟ أم يصرّون على الكفاح حتى تحقيق حقوقهم؟ السؤال الأكبر يبقى معلقاً: هل يمكن حلّ قضية معقدة ببيانٍ من زعيم مسجون؟
ولكن بيان اللجنة التنفيذية للحزب في 1 آذار 2025م، حسم الجدل الكثير، إذ قالت: «نتفق مع مضمون الدعوة المذكورة بشكل مباشر ونعلن أننا سنلتزم بمتطلبات الدعوة وننفذها من جانبنا، ولكن مع ذلك، لا بدَّ من ضمان تحقيق الظروف السياسية الديمقراطية والأرضية القانونية أيضاً لضمان النجاح». وأعلنت وقف إطلاق النار اعتباراً من هذا التاريخ، وأنّ قواتها لن تقوم بتنفيذ عمليات مسلحة، ما لم تُشن الهجمات ضدها، وقالت: «كما أن تحقيق قضايا مثل وضع السلاح، لا يمكن أن تتم إلا بالقيادة العملية للقائد آبو». وأشارت إلى أنّ عقد مؤتمر الحزب ونجاحه بحاجة لقيادة عبد الله أوجلان شخصياً.
الوضع الحالي يشبه لعبة شطرنج سياسية، حيث تُحرك تركيا قطعها بذكاء، بينما يحاول الكُـرد الحفاظ على وجودهم في ساحةٍ مليئة بالألغام. لكن يبدو أن المعركة الحقيقية ليست على الأرض فحسب، بل في إثبات شرعية النضال الكُـردي أمام العالم وتصعيده.
————
* جريدة “الوحـدة” – العدد /347/ – 1 آذار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).