تبقى عملية حماية الهوية الذاتية من أشدّ العمليات التاريخية صعوبةً وتعقيداً بحكم الاضطراب المستمرّ للأحداث والمعطيات، وقد تبقى عملية قاصرة لطالما بقيت تتأثر بشكل كبير بالهويات الأخرى الطاغية، وقد تصل بها أحياناً إلى حالة من حالات الضياع والانحلال إذا ما بقيت تابعة لفترة طويلة، عندها تكون عملية التراكم الثقافي والسياسي قد فقدت دورها ووظيفتها وحمايتها الذاتية، مما يفتح المجال واسعاً أمام سطوة الهويات الأخرى التي لطالما كانت مستفيدة من وجود هكذا خلل وضعف قائم، حتى إذا ما أسقطنا من حساباتنا نزعات القوة والسيطرة الكامنة في أدنى حالاتها إن وجدت لديهم.
بدون أدنى شك، قد تعرّضت الشخصية السياسية والثقافية الكردية لمراحل وحالات انقطاع عديدة أثّرت بشكل سلبي وكبير عليها، ولم تتمكن خلالها أن تراكم شخصيتها بشكل كامل، نتيجة الظروف القاهرة الناتجة عن جملة الصراعات والسياسات لدى السلطات الحاكمة في عموم المنطقة؛ ومع استمرار تعرّضها لتلك الأوضاع والضغوط القاهرة قد بقيت في حالة توتر وقلق دائمين، لعدم تمكّنها من العيش وفق بيئة آمنة ومستقرة كغيرها من الشخصيات التاريخية الأخرى.
على غرار باقي الهويات القومية في المنطقة التي أخذت أدواراً بارزة على مسرح الأحداث الكبرى، لم تتوانى الشخصية الكردية أبداً عن سعيها المتواصل للظهور والارتقاء، رغم التعقيدات والضغوط السائدة، لأنه حقٌ طبيعي لها، لا يمكن لأي طرف من الأطراف أن يتجاوزه أو يلغيه؛ لذلك يتزايد حجم الأعباء والمسؤوليات على العامل والفاعل الكردي، حتى تدفعه أكثر إلى زيادة انتاج الطاقة والقوة اللازمة، بغية البقاء والاستمرار، حتى تبقى كلّ تلك المحاولات والجهود المبذولة بقصد تدجين الشخصية الكردية وتغيير مورثاتها في مختبرات الإقصاء والتهميش مجرد عبث ووصفات فاشلة حتى لأقوى الجهات مهما امتلكت من قوانين وفيزياء العنصرية؛ وهنا تكمن الخطورة الكبيرة، لأنه قد تقع وتبرز حالات ونسخ مؤقتة تتمثل في واقع التشويه والتدجين خدمةً لمصالح وسياسات الهويات السائدة والحاكمة.
إذاً المسؤولية الكبرى تقع على عاتق العامل والفاعل الذاتي، أن يحافظ ويجدد هويته بشكل مستمرّ من كل عمليات التشويه والتدجين التي تقع عليها من دعاة النهب والسلب التاريخي، بمراكمة المعرفة الثقافية والسياسية بشكل دائم.
————-
* جريدة “الوحـدة” – العدد /346/ – 1 شباط 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).