مجلة الحوار- العدد /82/- السنة 30 – 2023م
تعتبر جغرافية كردستان واحدة من أكثر الجغرافيات تنوعاً نتيجة المساحة الجغرافية الكبيرة والخصائص الطبوغرافية والمساحات الجبلية الهائلة التي تنمو فيها مختلف أنواع الأشجار البريّة ومئات أنواع النباتات المختلفة بالإضافة إلى وفرة المياه وغزارة الأمطار والثلوج. تمتاز أراضيها بوفرة السهول، الوديان، التلال والمرتفعات، الجبال والسلاسل الجبلية، فضلا عن احتوائها على مجموعة من القمم الشــاهقة، بالإضافة الى احتوائها على العديد من الثروات المعدنية كالنفط، الغاز ومعادن أخرى، إضافة إلى منتوجاتها الزراعية والحيوانية الذي يشكل عماد الاقتصاد الكردي الريفي.
لمحة موجزة عن أصل شجرة الزيتون البري
تعد شجرة الزيتون البرّي إحدى الأشجار دائمة الخضرة وتكون أكثر مقاومة للجفاف والنار والأملاح، كما أنها تتكيف مع جميع أنواع التربة، خاصة الباردة وجيّدة التصريف.
أما حول أصلها، فقد ضاع أصل شجرة الزيتون مع مرور الوقت، حيث تزامن وتداخل مع توسع حضارات البحر الأبيض المتوسط التي حكمت على مدى قرون، ورسمت مصير البشرية وتركت بصماتها على الثقافة الإنسانية. تم العثور على متحجرات أوراق الزيتون في رواسب البليوسين في مونغاردينو بإيطاليا. وتم اكتشاف بقايا متحجرة في طبقات تعود إلى العصر الحجري القديم في ريلا في شمال إفريقيا، كما تم اكتشاف بقايا أشجار الزيتون البرية وأنويتها في حفريات من العصر الحجري النحاسي والعصر البرونزي في إسبانيا. لذلك يعود وجود شجرة الزيتون إلى الألفية الثانية عشرة قبل الميلاد.
تعود أصول شجرة الزيتون البرية إلى آسيا الصغرى ومن ضمنها منطقة شمال كردستان حيث تتواجد بكثرة وتشكل غابات كثيفة. والظاهر أنها انتقلت من سوريا إلى اليونان عبر الأناضول (دي كاندول، 1883)، على الرغم من أن الفرضيات الأخرى تشير أن أصلها يعود إلى مصر السفلى أو النوبة أو إثيوبيا أو جبال الأطلس أو في أجزاء من أوروبا. ولهذا السبب: «يعتبر كاروسو أن الموطن الأصلي لشجرة الزيتون هو حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله وأن آسيا الصغرى هي مسقط رأس شجرة الزيتون المزروعة منذ حوالي ستة آلاف عام». أما الآشوريون والبابليون فهما الوحيدتان من الحضارات القديمة اللتان لم تعرفا شيئًا عن شجرة الزيتون. وتعتبر المنطقة الممتدة من جنوب القوقاز إلى الهضبة الايرانية ومن ضمنها الأجزاء الشمالية من كردستان وجبال زاغروس، وكذلك سواحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا وفلسطين، المنطقة الأصلية لشجرة الزيتون (بحسب المجلس الدولي للزيتون)
مناطق نمو الزيتون البرّي في كردستان
– عفرين
في العصر الحالي انتشرت زراعة شجرة الزيتون في كامل شمال منطقة عفرين بمساحات هائلة، وتشتهر المنطقة بشجرة الزيتون المباركة وزيتها المعروف عالمياً. تحتل منطقة عفرين المرتبة الأولى على مستوى سوريا بكمية الانتاج والتصدير. وتشكل منتجات شجرة الزيتون العمود الفقري لاقتصاد منطقة جبل الكورد – عفرين.
أما بخصوص أشجار الزيتون البرّي فقد كانت منتشرة في عموم المنطقة وقد أجريتُ بحوث ميدانية لدراستها، ولكن نتيجة عمليات الرعي الجائر وقطع أشجار الغابات، وأشجار الزيتون في فترة الحرب العالمية الأولى من قبل الاحتلال العثماني تم إبادة كامل غابات جبل ليلون على سبيل مثال لا الحصر.
تنتشر أشجار الزيتون البري في جبل ليلون عند قرية الغزاوية وشيح الدير وهي بأعداد قليلة جداً، على العموم هذه الأشجار البرية ليس سوى دليل على أن المنطقة هي إحدى المناطق الأصلية لشجرة الزيتون البرية، بالإضافة إلى ذلك، من الملاحظ أنه تنتشر في عموم المنطقة المعاصرُ الحجرية الرومانية، وهذه أهم الدلائل التي تؤكد على الوجود التاريخي لشجرة الزيتون في المنطقة. يذكر الشيخ كامل الغزي (1853-1933) في كتابه: «يوجد الآن في جبل ليلون (من جبال عفرين) الكثير من أصول شجر الزيتون الذي له فروع ضئيلة لا يزيد ارتفاعها على قدر قامة الإنسان، وهي غير مثمرة وفي هذا الجبل أيضاً أطلال معاصر لعصر زيت الزيتون، وأحواض منقورة في الصخر لإحراز الزيت، مما يدل على أن هذا الجبل كان وطنا للزيتون مدة عصور طويلة، أما الآن فإنه إذا غرس فيه شيء من هذا الشجر، نبت وطالت فروعه لكنه لا يكاد يبلغ حد الإثمار إلا وتطرقه آفة البرد فيصقع وييبس» (الغزي،1923، ص44).
في سنة 2007 شاركت بعثة اسبانية من جامعة برشلونة بالتعاون مع خبراء من وزارة الزراعة السورية لإجراء مجموعة بحوث علمية ميدانية حول أشجار الزيتون البري المنتشرة في ناحية راجو، وبعد فترة طويلة من البحوث والدراسات أعدّت البعثة تقريراً عن عملها. وأقامت ندوة تعريفية كبيرة في المركز الثقافي في عفرين. حضرت هذه الندوة وتوصلت البعثة الى النتائج التالية:
1- تعتبر الأشجار الموجودة والمعمّرة منها هي صنف الزيتون البري (Olea oleaster).
2- توصلت البعثة إلى أن ناحية راجو هي إحدى الأماكن الاصلية لشجرة الزيتون البري.
– جنوب كردستان
تنتشر شجرة الزيتون البري في سلسلة جبال حفتاتين أقصى شمال منطقة زاخو وفي جبل خانتور الذي هو أمتداد طبيعي لجبل جودي، ويفصل بينهم نهر هيزل. توجد أيضاً حول أطرف قرية سناط في القمم الجبلية. ولكن نتيجة الحروب العدوانية على الشعب الكردي والرعي الجائر والتحطيب لم يبقَ من تلك الأشجار سوى أعداد قليلة جداً.
– تحديد خصائص الزيتون البري في جنوب كردستان وعفرين
– توجد أوراق شجرة الزيتون البري على شكل مستطيل وتكون بيضاوية قليلًا، ولها لون أخضر رمادي من الجانب العلوي وتأتي بلون أفتح من الجانب السفلي.
– تحتوي شجرة الزيتون البري على أزهار بلون أبيض وهي صغيرة جدًا مرتبة على شكل مجموعات، كما أن للزهور نسيج يشبه الريش.
– تقوم شجرة الزيتون البري بإنتاج ثمار زيتون صغيرة الحجم وشكلها بيضوي أو كروي ويكون طولها 2 سنتيمتر تقريبًا، وتحتوي الثمرة على بذرة كبيرة.
– تقوم شجرة الزيتون البري بالتفتح بعد أربع سنوات من زرعها، وتبدأ عادةً بإنتاج ثمار الزيتون بعد 15 عامًا من زراعتها.
– يختلف لون ثمرة شجرة الزيتون البري على حسب درجة نضوجها، إذ أن الثمرة غير الناضجة تكون ذات لون أخضر، أما الثمرة الناضجة فلها لون أرجواني داكن مائل إلى أسود.
-تعيش أشجار الزيتون البري من 300 إلى 600 سنة تقريبًا، وقد تبقى بعض الأشجار على قيد الحياة لمدة 2000 عام مع استمرارية إنتاج ثمار الزيتون.
– ينمو الزيتون البري في الشمس أو في الظل شريطة أن تكون التربة جيدة التصريف كونه شديد التحمل للجفاف ولا يحتاج إلى سقي طوال السنة، تكفي الأمطار لسقايته، ومن الممكن أن تتسبب حبوب اللقاح بحدوث حساسية خفيفة.
——–
المراجع:
1- الموقع الرسمي للمجلس الدولي للزيتون (IOC).
2- كامل الغزي (1853-1933): نهر الذهب في تاريخ حلب، الجزء الأول – الطبعة الأولى 1342هـ / 1923م – المطبعة المارونية – حلب.