وفق مؤشر الفساد لعام 2023م لدى منظمة الشفافية الدولية، سوريا من الدول الأكثر فساداً في العالم، تحتل المرتبة 178 من أصل 180 دولة، وبطبيعة الحال الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ليست بمنأى عن هذه الآفة الخطيرة، في ظلّ عوامل موضوعية عديدة ضاغطة، من حروب وحصار نسبي وأعباء أمنية واقتصادية وخدمية كبيرة وتدني الإنتاج لأسباب مختلفة وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار… ولكن لابدّ لنا من التركيز على العوامل الذاتية التي تؤسس الأرضيات لنمو الفساد وانتشاره، فكان حريٌ بالإدارة الذاتية بعد عشر سنوات من تأسيسها أن تكون نموذجاً مميزاً في سوريا، من حيث الشفافية والنزاهة وأسس الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والانتخابات وغيرها؛ ولكنها لا تزال تُدار بالعقلية العسكرية – الفردية، ويهيمن عليها الإيديولوجية الحزبية، رغم تأسيس الهياكل والمجالس ومشاركة ممثلين عن المكونات وأحزاب سياسية، بالإضافة إلى إصدار القوانين والعقد الاجتماعي الجديد مؤخراً.
الإدارة على الصعيد السياسي ونمطية الحكم، تخضع لما يشبه نظام الحزب الواحد الشمولي، ولم تنبثق بَعد عن انتخابات شاملة ديمقراطية حقيقية، وبالتالي فئات مجتمعية واسعة من الكوادر المهنية وأصحاب الشهادات والأكاديميين تبتعد عن المشاركة في أعمال الإدارة، فيتسع المجال أمام الانتهازيين والوصوليين وضعيفي الخبرة والغير مختصين.
ونظراً لتداخل عمل السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وضعف أداء المجلس التشريعي ودوره الرقابي على السلطات التنفيذية يتغلغل الفساد إلى المؤسسات، ولعدم تطبيق قانون العاملين يظهر أيضاً في مسائل تعيينات الموظفين وعدم التكافؤ بينهم وغبن أصحاب الشهادات والخبرات أحياناً من حيث الرواتب؛ وهناك مجالس موازية للمحاكم في هيكلية القضاء الذي لم يتبوأ بَعد مكانته ودوره الكامل في فض النزاعات وتحقيق العدالة، وليس بمنأى عن حالات فساد مستورة.
كما أنّ مصادر وارادات الموازنة العامة وأوجه الصرف، غير معلنة بشكلٍ شفّاف، ولا تخضع لرقابة رسمية مركزية، خاصةً في مجال النفط، ولا يتوفر «بنك مركزي» رسمي يحفظ المال العام.
وهناك مجال للمحسوبيات والولاءات الحزبية وحتى العائلية والعشائرية أحياناً، في تحقيق مصالح شخصية ونيل فرص العمل وغيره من المنافع على حساب الغير؛ وكذلك يتمّ إرضاء شخصيات أو عائلات أو مجموعات عشائرية أو جماعات مسلّحة أو عشرات الأحزاب والمنظمات التي تشكلت حديثاً بالمال والمزايا لغايات سياسية ولأجل كسب الولاءات، وفي مجال الإعلام هناك صرف غير مبرر أحياناً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، في مجال المناقصات والمشاريع، هناك حالات فساد وسوء تنفيذ، ورشاوى وهدر وضعف خبرات، لا سيّما لدى تكليف موظفين غير اختصاصين وغير مؤهلين في لجان إجراء العقود والإشراف أو في متابعة المشاريع التي تنفذها بعض المنظمات المساعدة.
تمتلك الإدارة حجماً هائلاً من السيارات والآليات التي تُصرف عليها أموالاً طائلة، ويعتريها الهدر والفساد بأوجهٍ عديدة.
في عمليات توزيع المازوت على محطات الوقود والمنازل والمشاريع المختلفة، ولضعف الرقابة الداخلية، هناك سرقات مختلفة.
شبكات تهريب البشر والمواد الغذائية والمحروقات وغيرها من وإلى مناطق الإدارة نشطة، وتتورط فيها عناصرها من مدنيين وأمنيين.
ومن جانبٍ آخر، تشوب عمل الإدارة نواقص عديدة، مثل ضعف الرقابة التموينية وبالتالي اختلاف الأسعار وارتفاعها وتدني جودة المواد، تراجع زراعة القطن بشكلٍ حاد وغياب الدعم عنها، عدم شراء محصولي القطن والذرة الصفراء هذا العام، تأخر توزيع المازوت على المزارعين عن أوقات الحاجة الماسّة وقلة كمياته، وتأخر دفع فواتير القمح هذا العام خلق مشكلة لدى المزارعين في معرض دفع ديونهم ومستحقاتهم وأجور الحصاد والعمالة.
توجيه النقد للإدارة الذاتية وإبراز السلبيات والنواقص في سياقات مناسبة، عملٌ صائب لأجل تقويمها وتخليصها من الآفات، وحمايتها وتطويرها، بما يخدم الشعب والوطن.
وإنّ حقيقة تكالب قوى وأذرع محلية وإقليمية متحاملة لضرب الإدارة الذاتية القائمة وهدمها عبر تناغم سياسات معادية وأخطبوط إعلامي متعدد الألسن والمشارب تزامناً مع تصاعد واستمرار استهداف المرافق الحيوية (محطات المياه والطاقة… الخ) وحياة مسؤولين في الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية عبر طائرات مسيّرة تركية لا تعفي الصمت واللامبالاة حيال أوجه السلبيات والفساد، بقدر ما يُشكل ويجب أن يُشكل دافعاً لمزيدٍ من اليقظة والحذر.
* جريدة الوحـدة – العدد /344/- 18 كانون الأول 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).