تبين لاحقاً، بغية إنجاز أي وظيفة وطنية تستهدف بناءً حقيقياً وهياكل جديدة لابد من توفر بعضٍ من تلك الشروط والعوامل الذاتية التي بدونها لا يمكن لأي طرف من الأطراف العمل والبناء بمفرده، مهما كان يملك من النوايا ومقومات الإدارة؛ الثورة السورية التي سقطت وهي ما تزال فكرةً، بحكم ما تعرضت لها من تشوهات وانحرافات، قد جلبت هي الأخرى إلى جانب أجهزة الحكم الكثير والكثير من المعاناة والويلات لكل السوريين، حيث ساهمت بشكل فعّال في تصدّر المشروع الديني المتزمت للحراك السلمي ومن ثم تحوّله باتجاه الحراك العنفي، فأدت إلى انتكاسة كبرى لآمال وطموحات عموم السوريين بمشروع وطني ديمقراطي تعددي.
إنّ عملية بناء عوامل الوحدة الوطنية لا يمكن لها أن تتم فقط عبر طرح بعضٍ من تلك الشعارات والمصطلحات الثورية هنا أو بممارسة السلطة وفق منطق القوة أو القمع هناك، حيث أنّ هذه العملية لا يمكن لها أن تنضج إلّا عبر أجواء ومناخات الحوار والتواصل والتوافق. لا يمكن لها أن تتم إلّا عبر مشاركة فعلية في بناء سياسات وبرامج ضمن إطار الدولة ومؤسساتها بشكل ديمقراطي ودستوري بعيداً عن منطق الإقصاء والتهميش ومنظومات الفساد.
إنّ ما آلت إليه الأوضاع والحراك الجماهيري منذ لحظة اندلاع تلك الاحتجاجات، السّلمية حينها، وانحراف مساراتها لاحقاً، تؤكد على تلك الحقيقة وعلى الفشل الشبه التّام في بناء تلك البنية التحتية للوحدة الوطنية على أقل تقدير في جانبها الثقافي والإنساني، وما دونها من الجوانب السياسية والفكرية العميقة والمعقّدة أساساً التي ما زالت متلازمة مع الحالة الوطنية دون حلّ إلى الآن، حيث نرى ونلاحظ حجم تلك الصراعات والانقسامات فيما بين قطبي «السلطة» وما تسمى بـ”المعارضة” من ناحية، والذي يعكس بدوره إلى حجم ومستوى الثقافة الوطنية وتدنيها لدى أغلب هذه القوى المتصارعة من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل من عملية بناء مشروعٍ وطني جامع مهمةً في غاية الصعوبة والإنجاز في ظل هكذا مستوى من الخطاب السياسي ولغة حوار سائدة التي قد تصل في شدتها ليس إلى الإبعاد فقط لا بل قد تدعو إلى حد الإقصاء والإلغاء كلياً من المشهد السياسي المأزوم أصلاً؛ إن بقي هذا التنافر والتناحر فيما بين القوى السياسية /السلطة، المعارضة، الإدارة الذاتية…الخ/ قائماً سوف يؤسس لمشاكل وأزمات قادمة لا نهاية لها، حيث تقع المسؤولية مرّة أخرى على عاتق مما بقي من القوى السياسية الديمقراطية والفعاليات الوطنية الغيّورة بتجديد وتفعيل قواهم الذاتية عبر فتح باب الحوارات والتفاهمات بعيداً عن الأجندة والتداخلات الخارجية، خاصةً في ظل انتفاء شبه كامل لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي الإيجابي لصالح إنهاء هذه الأزمة وملفها المركون جانباً منذ سنوات، وكذلك الانعدام شبه التام لأي خيارات أخرى، سوى الركون لمنطق الحوار والتواصل والتوافق الذي قد بات يشكل خط الدفاع الأخير المتبقي لدينا بعيداً عن التشدد والاستبداد والعنصرية.
* جريدة الوحـدة – العدد /342/- 31 أيار 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).