سمعنا كلاماً جميلاً، وخطابات منمّقة، وإطلاق للوعود والآمال، وشاهدنا صوراً تذكارية وابتسامات متبادلة، ضمن ترتيبات دقيقة من استقبال وجدول أعمال ووداع… التقى القادة العرب في قمةٍ «غير عادية» بكنف أعتى الأنظمة العربية، استثنائية على حدِّ قولهم، في أواخر عقدٍ ونيف من التيه والتقلبات والأزمات والمحن في أغلبية ما تسمى بالبلدان العربية.
بفتح أبواب التطبيع مع النظام السوري وإعادة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، تم تحريك وجه المياه- الملف السوري شبه الراكد، ولكن هل بالإمكان الغوص في الأعماق وتحريكها وتصفيتها رويداً رويداً من الأوحال-المآسي والأزمات المركبة المتراكمة؟!
حظي الحضور السوري باهتمام سياسي وإعلامي واسع، وأبدت الدول العربية في قمة «جدّة» وقبلها في اجتماع وزراء الخارجية بالقاهرة التزامها بالحفاظ على «سيادة سوريا، ووحدة أراضيها، واستقرارها وسلامتها الإقليمية»! ألم تكن لهذه المفردات قيمةً حينما اتخذت قرار تعليق عضوية سوريا في تشرين الثاني 2011م، بل وساهم العديد من الدول العربية في غرف عسكرية- لوجستية وأغدقت البلاد بالسلاح والمجاهدين الإرهابيين وبالمال السياسي، لاهثةً وراء صيدٍ ثمين ولكن «الصيدة فلتت»!
هل من معنى لسيادة البلاد ووحدتها واستقرارها وسلامتها، فيما تجثم على أراضيها أربعة جيوش وميليشيات أجنبية وتنظيم داعش، عدا عن الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية وجماعات المعارضة المسلّحة، وثرواتها تُستغل وتُبدد وتُسرق هنا وهناك، ونزيف الدّم والدّمار متواصل، والنزوح والتهجير قائم، ومختلف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تُرتكب يومياً أمام أعين الجميع؟!
«إطلاق دورٍ عربي قيادي في جهود حلّ الأزمة السورية» و «تهيئة الظروف الملائمة الرامية إلى تحريك مسار التسوية السياسية الشاملة في سوريا، لمعالجة جميع تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية…» و «اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حلّ الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم /2254/…»… أمور ينظر إليها معظم أبناء الشعب السوري بإيجابية، على أمل تخفيف معاناتهم ووضع حدٍ لعذاباتهم.
سوريا تمرّ بـ«لحظة فارقة» على حدّ قول غير بيدرسون عشية قمة «جدّة»، والكرة الآن في ملعب النظام السوري، لينحو عن غروره وخياره الأمني- العسكري، ويتحرك نحو التسوية واتخاذ خطوات جدّية، بدءًا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والكشف عن مصير المفقودين وتوفير بيئة آمنة وكريمة للعودة الطوعية للاجئين والنازحين إلى ديارهم، وفتح المعابر وإيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها على نحوٍ متوازن وعادل، بالإضافة إلى إعطاء فسحةٍ للحريات ومحاربة الفساد بدلاً عن فرض المزيد من القيود على مختلف فئات الشعب وملاحقة النشطاء وعن تحصيل الأتاوى الباهظة إلى جانب الضرائب من الصناعيين والتجّار والمزارعين ومختلف الأنشطة الاقتصادية… الخ؛ كونه المسؤول الأول ولازال عن ما آلت إليه الأوضاع في البلاد منذ تفجُّر أزمتها، والمتولي لزمام السلطة الرسمية في البلاد.
لم تعد تنفع الحجج ونظريات المؤامرة الكونية والاستئثار بالسلطة باسم «الثورة» و «قلب العروبة النابض» و «مواجهة الإرهاب»، وإطلاق أحكام التخوين جزافاً على الآخر المختلف، دون الولوج إلى أساس الأزمة وتفكيك جذورها، فلابد لحكومة دمشق أن تتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية وتقوم بواجباتها.
لقد سمعنا «جعجعةً»، هل نرى طحيناً؟!
* جريدة الوحـدة – العدد /342/- 31 أيار 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).