بكل أسف، هذه هي صورة «مدعي الثورة» وصورة جماعاتها المسلّحة ومتزعميها الذين انحرفوا بعيداً عن المسار الوطني والديمقراطي، عكس ما كان الشعب السوري – بكل مكوناته – يريده، الذي لطالما كانت مطالبه واضحة في الحرية والكرامة.
لكنّ واقع الحال بعد كل هذه المآسي التي تعرّض لها السوريون مغاير تماماً لتلك البدايات وشعاراتها التي خرجوا بها.
واقعٌ يكشف حجم التشويه والنفاق الذي يمارسه «الائتلاف السوري» وجهات معارضة أخرى وجماعات «الجيش الحرّ» المسلّحة وتنظيمات إرهابية باسم «الثورة والدين» وادعاء تمثيل السوريين، حتى أصبحوا الوجه الأكثر سوءاً من النظام الاستبدادي القمعي، لذلك لابد لنا أن نقف عند جملة الأسباب والعوامل التي أدت الى هذا الانحطاط وهذا الانحراف.
أولها: يأتي من شدة النظام وسطوته التي ساهمت بشكل أساسي في بروز هذه النزاعات والنزعات وتفشيها كالنار في الهشيم، والتي أثمرت في بروز كل هذه الحركات والجماعات المسلّحة المتطرفة والمرتزقة، المرتبطة بتنظيم القاعدة وحركات الإسلام السياسي وبالمشروع الإخواني الذي يتماه مع نزعات العنف والإرهاب والسعي للاستيلاء على السلطة باسم «الدين والشريعة».
ثانيها: لم تتوانى أطراف إقليمية هي الأخرى عن دعم وتشكيل هكذا تنظيمات وحركات إسلامية بغية استخدامها لاحقاً في مشاريعها السياسية هنا وهناك؛ فكانت تركيا هي أولى تلك البوابات العاملة في هذا الاتجاه، لصالح أجنداتها الخاصة والمتمثلة بالمشروع الأردوغاني العنصري تجاه القضية الكردية والتحول الديمقراطي العام في سوريا، حيث هنا تتلاقى الخيوط السياسية للجانب التركي مع الخيوط السياسية للنظام السوري، وخاصة في جانبيهما الأمني والاستخباراتي، تمهيداً لمراحل أعلى من العمل لاحقاً، لا سيّما في المجال السياسي.
إن هذا التداخل فيما بين الجانب الداخلي والخارجي، إلى جانب حالة الضعف الكبيرة في حجم الوعي السياسي والتنظيمي لدى المعارضة، قد ولّدت هذه الأجسام والهياكل المشوّهة والمتناحرة فيما بينها بسبب الخلاف على الغنائم والسرقات والأموال ونطاقات النفوذ، حيث نجدها تمارس مختلف الانتهاكات والجرائم بحق المدنيين، خاصةً في المناطق الكردية «عفرين، سري كانيه/رأس العين، كريه سبي/تل أبيض» منذ أن احتلتها القوات التركية و برعايتها، التي مازالت تعمل وفق منهج عنصري بغية جرّ أبناء الوطن الواحد إلى أتون صراعٍ داخلي مقيت مستمر، ولتطبيق سياسة التغيير الديمغرافي في هذه المناطق من ناحية أخرى.
إن كثرة الجماعات المسلّحة بمسميات مختلفة، وتفرّقها وعدم انضباطها العسكري والسياسي، وولائها للخارج، قد وضعتها في حالةٍ أقرب ما تكون إلى حالة العصابات والمرتزقة، بحكم ابتعادها عن القيم الوطنية والإنسانية وحالة الصراع والتناحر فيما بينها بشكل دائم إلّا إذا تدخل المايسترو التركي الذي يمسك بدوره بكل قواعد اللعبة ويضرب عدة أهداف بآنٍ واحد.
إنّ امتهان فصائل/جماعات ما يسمى بـ»الجيش الحرّ» بكل مسمياتها لأعمال النهب والسلب والقتل والاغتصاب وغيره، إلى جانب حالة الفوضى والفلتان في مناطق سيطرتها، قد افقدتها مبررات البقاء وادعاء تمثيل مصالح الشعب أو ما يسمى بـ»الثورة»، وما ذلك إلّا زيفٌ و نفاق لحقوق ومطالب الشعب السوري بكل مكوناته.
فإذا كان الشعب السوري مصرّ على تغيير واقعه نحو الأفضل وتحقيق أهدافه في الحرية والكرامة ولو نسبياً، لا بد أن يلفظ تلك الهياكل العاهات وراياتها المشوّهة ويبدأ من جديد.
* جريدة الوحـدة – العدد /341/- 15 آذار 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).