إذا كان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 (2015) أمل السوريين في الخلاص من واقعهم المزري المتهالك، فيما يبدي جميع الأطراف السورية التزامهم به – ولو نظرياً، وهو متداول على لسان كلّ المعنيين والمهتمين بالشأن السوري، باعتباره مفتاح الحلّ السوري المنتظر! لاسيّما وأنّ القرار ينطلق من أشدّ القلق إزاء استمرار معاناة الشعب السوري، وتدهور الحالة الإنسانية الأليمة التي لا تقبل الإنكار والتسويف والتسييس!
يطلب القرار الامتثال للقانون الدولي، ويدعو جميع الأطراف لاتخاذ كلّ الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وإلى أن تتيح فوراً للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السّريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سورية ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيّما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي وتوضيح مصير المفقودين، لا سيّما النساء والأطفال؛ ويؤكد الحاجة الماسّة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة… إلى ما هنالك من قضايا وقف إطلاق النار والانتقال السياسي وغيره في ثنايا القرار.
لنتساءل: أين تقف مختلف الأطراف السورية أمام هذه المعادلة؟! خاصةً وأنّ الشّعب السوري في أوجّ محنته!
إضافةً إلى كلّ الضغوطات الداخلية والخارجية، لم يكن الزلزال المروع الذي ضرب البلاد وخلق أزمةً إنسانية جديدة، كافياً لتحريك الضمائر والحسّ الإنساني والوطني لدى أصحاب القرار في «النظام» و «المعارضة الموالية لأنقرة» و «هيئة تحرير الشام» ليجنحوا نحو الخير للناس والتخفيف من معاناتهم وتضميد جراح البلد ولو قليلاً.
الجهات الثلاثة استمرّت في إغلاق المعابر أمام تنقل المدنيين والبضائع، فلم تُتيح المجال للنازحين والمُهجّرين قسراً والمرضى والمصابين والطلاّب والطالبات، قبل الزلزال وبعده، للتنقل في رغبةٍ بالعودة إلى الديار أو للقاء الأحبة أو لتلقي العلاج والشفاء من الأمراض أو لأجل التعليم والدراسة أو لإعادة ممتلكات مسلوبة أو لتحصيل رواتب تقاعدية… إلى ما هنالك من قضاء مصالح مختلفة ومتبادلة ومتداخلة بين كافة المناطق والمكونات السورية المتألمة المجروحة والمنكوبة!
حكومة الائتلاف – مصطفى المؤقتة بأوامر من الميت التركي منعت دخول قافلة مساعدات مرسلة من إدارة شرق الفرات الذاتية وأخريات منتظرات في معبرِ شرقي، في وقتٍ هي فيه بأضعف الإمكانات والناس ضعفاء محتاجين، وتلفُّ المساعدات المقدّمة إلى مناطق سيطرة ميليشياتها/عفرين خاصةً السرقات والعشوائية والتوزيع غير العادل!
حكومة دمشق أخّرت دخول المساعدات المرسلة إليها من شرق الفرات، وتسلب قسماً من تلك المرسلة إلى مناطق الإدارة الذاتية (الشهباء والشيخ مقصود والأشرفية- حلب) لقاء السماح بمرورها، كما رفعت من إتاواتها على بضائع شركات الشحن من الشمال إلى مدينة حلب عبر نقطة «التايهة» والمنتظرة منذ شهور؛ كما خزّنت آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والخيم الآتية من الخارج في مستودعاتها تحت «أعين أمنية ساهرة»! إلّا القليل الذي تم توزيعه عبر المحسوبيات والأزلام وبعض الدوائر الرسمية، في وقتٍ ارتفعت فيه الأسعار وآجار المنازل مجدداً بسبب الزلزال!… وعلى سبيل الذكر، منذ احتلال عفرين في 2018م، سلطات النظام السوري الأمنية تمنع المواطنين المسجّلين في قيود منطقة عفرين ونواحيها – القادمين منها ومن منطقة الشهباء- من الدخول بشكلٍ مباشر إلى مدينة حلب، وتمنع نقل جثامين المتوفين منهم في المدنية إلى خارج مناطق سيطرتها.
أما حكومة الإنقاذ الجولانية فلم تسمح هي الأخرى بدخول قافلة مساعدات أممية إلى محافظة إدلب، كانت معدّة بالتنسيق مع دمشق، في وقتٍ تتكدس فيه الخيم على أراضي إمارتها الإسلامية! والفقر والجوع متفشٍ فيها!
لم تَحن قلوب سلطات تلك الحكومات التي طال الدمّار مناطقها والفاجعة ألمّت بشعوبها أن تفرج عن المحتجزين تعسفياً وتكشف عن مصير المفقودين في زنازين سجونها، ولا أن تحرق قوائم «المطلوبين أمنياً» على خلفيات سياسية، أو تعلن عن مبادرات إنسانية ووطنية…!!!
بكلّ ألم، لا تلوح في الأفق أية بادرة لتنفيذ القرار ذاك! ولكن لا نفقد الأمل!
* جريدة الوحـدة – العدد /341/- 15 آذار 2023م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).