شخصيات كوردية: الأميرة روشن، الأيقونة البدرخانية… (30) عاماً على رحيلها (1909 – 1992)
كونى ره ش
مجلة الحوار – العدد /80/ – السنة 29- 2022م
كثيرون منا سمعوا أو عرفوا أو قرؤوا شيئاً مما ألفته أو ترجمته (الأميرة روشن بدرخان)، والتي للأسف لم تنل ما تستحقه من تقدير، على الرغم من كونها المرأة الكوردية الأولى التي كتبت بالكوردية اللاتينية بمجلة (هاوار/ 1932م) بدمشق، إلى جانب زوجها الأمير جلادت بدرخان أو ابن عمها الأمير الدكتور كاميران بدرخان، وجكرخوين، وأوصمان صبري وفطاحل الشعراء والكتاب واللغويين من كوردستان الجنوبية مثل: توفيق وهبي، وهفندي صوري، وبيروت، وكوران… بالإضافة إلى كتبها المؤلفة والمترجمة ونشاطاتها المختلفة في دمشق كرمز من رموز الثقافة الكوردية، وبالتالي كشهيدة القلم والمعرفة… واليوم؛ 1 حزيران 2022م، بمناسبة مرور 30 عاماً على رحيلها، تعالوا نتذكرها بالفخر والكبرياء.
مما يؤسف له لم تجر لها ولغاية اليوم حفلة تأبين أو ذكرى، وما قمت به من تأبين متواضع، بمساعدة زملائي في مدينة القامشلي يوم 11/7/1992م، بمناسبة مرور/40/ يوماً على وفاتها، لا يتعدى حدود محبيها من الكورد في سوريا ومدينة القامشلي بالتحديد.. (خوفاً من الاجهزة الأمنية، كتبت على ورقة التأبين مدينة بانياس، حيث سكن الاميرة روشن بدرخان).
أقول هذا كون الأميرة روشن بدرخان أكبر من ذلك التأبين المتواضع. واليوم، من حقها أن تقوم وزارة الثقافة في حكومة إقليم كوردستان العراق، بإقامة مهرجان لذكراها، وان تمنحها في هذه الذكرى وسام الاستحقاق ولو بعد وفاتها، وتسمية أحد المدارس أو الشوارع في هولير العاصمة باسمها.
من هي الأميرة روشن بدرخان؟
إنها من سلالة أمراء البدرخانيين (الآزيزية)، المشهورة في كوردستان ومنطقة الشرق الأوسط، وواحدة من طلائع وأقطاب الثقافة الكوردية، والتي كانت تتكلم بلغة (الأمير بدرخان) مع ولديها الأميرة سينم خان والأمير جمشيد رغم الهجرة القسرية والبعد عن كوردستان… كون المتبقين من البدرخانيين نسوا لغتهم الأم، حيث يتكلمون بلغات أخرى متعددة مثل (أحمد ونجله علي بدرخان)، اللذين يعتبران من بين أشهر نجوم الإخراج السينمائي في القاهرة، وعائلة (والي) التي تعيش في مصر مدينة (الفيوم). ومن ناحية أخرى هناك البدرخانيون الذين يعيشون في تركيا حيث أرغموا على تغيير لقبهم وحمل لقب (جنار) بدلاً من (بدرخان)، إضافة إلى بدرخانيين آخر يحملون لقب (كوتاى). رغم أن الأميرة روشن بدرخان كانت قد بلغت /83/ عاماً، كان يقف المرء مدهوشاً أمام ذاكرتها الحية، ونباهتها وفراستها وإخلاصها للغتها القومية وفي تعاملها مع الوطنيين من أبناء جلدتها.
ولدت المرحومة يوم (11 تموز 1909م) في مدينة قيصري التركية، حينها كان والدها (الأمير صالح بدرخان) منفياً هناك، وهي بدرخانية أماً وأباً، أمضت أربع سنوات من سني طفولتها في استانبول. وفي عام 1913م، نفي الأتراك البدرخانيين مرة أخرى إلى مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، حينها اضطرت إلى الاستقرار في دمشق، برفقة والدها الأمير صالح وأعمامها مثل يوسف بدرخان.
ووالدها هو الأمير محمد صالح بدرخان، من مواليد مدينة اللاذقية 1874م، درس المرحلة الابتدائية في اللاذقية والمتوسطة في إستانبول ودمشق.. تزوج من السيدة (سامية)، إبنة خاله بدري باشا بدرخان الذي كان متصرفاً على حوران السورية.. حينها رافق خاله بدري باشا وعمل معه فترة من الزمن في حوران. وفي عام 1900م، أصدر في القاهرة صحيفة (أوميد). بسبب مواقفه المناهضة للسلطان عبد الحميد اعتقل عدة مرات ونفي إلى جزيرة (رودوس) اليونانية. في عام 1908م، بعد المشروطية رجع إلى إستانبول، وبدأ بنشر الكثير من المقالات في الصحف الكردية آنذاك مثل: كردستان ويكبون وروزي كرد وهتاوي كرد.. الخ. في عام 1909م تم نفيه إلى مدينة قيصري التركية، وفيها رزقه الله بابنته (روشن)، التي نحن بصدد ترجمتها.. توفي الأمير محمد صالح بدرخان عام 1915م، في دمشق.
درست الأميرة روشن بدرخان في مدارس دمشق حتى أكملت دراستها في دار المعلمات عام 1923م، حيث كانت من أوائل المعلمات السوريات، وقد عملت فترة من الزمن في شرق الأردن وفي مدينة عمان والكرك ما بين عامي 1925م – 1928م، وفي عام 1928م عادت إلى دمشق ودرست اللغة الفرنسية في مدرسة (اللاييك) الفرنسية وبعدها عينت معلمة في مدارس دمشق مثل مدرسة (خولة بنت الأزور) ومديرة لمدرسة (ليلى الأخيلية)، وفي عام 1934م انتسبت إلى جمعية (الاتحاد النسائي السوري) ومثلت سوريا في مؤتمر القاهرة عام 1944م، وفي عام 1947م عملت في الإذاعة السورية حيث كانت تروي قصصاً وحكايات في ركن الأطفال، ولها العديد من القصص والمحاضرات أذيعت ونشرت في الصحف والمجلات المختلفة. وفي عام 1935م تزوجت من ابن عمها الأمير جلادت بدرخان الباحث والعالم اللغوي، بعد إن تم طلاقها من زوجها الأول عمر مالك حمدي، وخلفت منه ابنة هي (أسيمة خان)، عام 1931م، تزوجت بـ (زهير علي آغا زلفو)، وعاشت معه في دمشق والقاهرة، وكانت تتكلم الكوردية بطلاقة وتردد دائماً: (أنا ربيبة الأمير جلادت بدرخان..) وهكذا أمضت الأميرة روشن بدرخان سبعة عشر عاماً مع الأمير جلادت بدرخان، لغاية وفاة الأمير جلادت بدرخان يوم 15 تموز 1951م في بئر القدر بقرية هيجانة القريبة من دمشق، مخلفة منه ابنة هي سينم خان 21/03/ 1938م، وابن هو جمشيد من مواليد دمشق 9/11/ 1939م. والذي أكمل دراسته في الطب بألمانيا وتوفي يوم 10/12/1999م في البرازيل وتم دفنه في ألمانيا، مدينة كوبلنز.
وعقب وفاة الأمير جلادت أصبحت الأميرة روشن سكنى للآلام والهموم، وفريسة للمتاعب وخاصة بعد أن ذهب الأمير جمشيد إلى ألمانيا لمتابعة دراسته الجامعية في الطب عام 1958م وزواج الأميرة سينم خان بالأستاذ صلاح سعد الله عام1961م، ورغم المشقة مشت في الطريق الذي سلكه ابن عمها الأمير جلادت بدرخان. ففي عام 1955م ساهمت مع مجموعة من المثقفين الكورد في دمشق بتأسيس (جمعية إحياء الثقافة الكوردية: أنجومن)، ومنهم عثمان صبري، ودكتور نوري ديرسمي، وعبد الحميد حاج درويش وغيرهم… وفي عام 1956م شاركت إلى جانب الدكتور نوري ديرسمي، وحسن هشيار وآخرين في حلب ودمشق بتأسيس جمعية (المعرفة والتعاون الكوردي)، وبواسطة الأميرة روشن وصداقتها المتينة بالصحافي اللبناني (يوسف ملك)، صديق العائلة البدرخانية، توطدت علاقات الجمعية مع حزب (ايوكا) اليوناني المناهض للعنصرية. وفي عام 1957م نتيجة نشاطات الجمعية، كانت الأميرة روشن بدرخان الكوردية الوحيدة التي ذهبت إلى اليونان لتمثل شعبها الكوردي في مؤتمر (مكافحة الاستعمار والعنصرية).
وأيضاً نتيجة فعاليات الجمعية، أرسل البروفيسور قناتى كوردو في عام 1956م رسالة إلى أعضاء الجمعية يقول فيها: (أيها الاخوة! أشكر لكم نضالكم.. مهما كانت الصعوبات تعيق طريقكم، يجب عليكم أن ترفعوا عالياً اسم كوردستان في كل نشرة ومجلة وصحيفة، صغيرة كانت أم كبيرة. نحن في القرن العشرين، قرن التقدم العلمي والذرة، فالشعوب التي لا تطالب بحريتها اليوم تذوب وتضمحل بسرعة، إن لم يبك الطفل لا ترضعه والدته رغم حنانها..).
عن مجلة الحوار عدد:21/ 1998م.
ولها اسم بارز في كتاب (الكاتبات السوريات: 1892-1987م) للمؤلفان: مروان المصري ومحمد علي علاني، حيث خصصا لها صفحة كاملة عن سيرة حياتها وأعمالها الأدبية باعتبارها من الكاتبات السوريات الأوائل.
وبالإضافة إلى لغتها الأم – الكوردية – كانت المرحومة تجيد اللغات التالية: العربية والفرنسية والتركية والإنكليزية مع بعض الإلمام بالألمانية.
ومما يعرف عنها هو بروزها في مجال الترجمة من الكوردية والتركية إلى اللغة العربية، إضافة إلى التأليف ولغاية اليوم الأخير من حياتها، كانت تمارس هذه المهنة المقدسة وكانت تقوم بترجمة وتأليف وإعداد لم تكتمل مثل: جلادت بدرخان كما عرفته (تأليف) والعوامل الحقيقية لسقوط أدرنة (ترجمة) ومذكرات روشن بدرخان.
وهذه قائمة بأسماء بعض كتبها المترجمة والمؤلفة:
1- مذكرات معلمة أو عصفورة السياج: تأليف رشاد بك نوري: في ثلاثة أجزاء، ترجمة 1954م.
2- غرامي وآلامي: تأليف مكرم كامل، ترجمة 1953م.
3- مذكرات امرأة: تأليف كوزيدا صبري، ترجمة 1953م، طبعة ثانية دمشق1996م.
4- رسالة الشعب الكوردي للشاعر كوران: ترجمة 1954م.
5- صفحات من الأدب الكوردي: تأليف 1954م.
6- مذكراتي: صالح بدرخان: ترجمة 1991م.
7- رسالة إلى الغازي مصطفى كمال باشا: للأمير جلادت بدرخان، ترجمة 1990م.
8 – الرد على الكوسموبوليتيه: تأليف محمود حسن شنوي، ترجمة.
9 – الأمير بدرخان: لمؤلفه لطفي، ترجمة.
10 – نظرة إلى التاريخ العثماني: د. نوري ديرسمي، ترجمة.
(هذا المقال الهام كتبها د. نوري ديرسمي بمناسبة العيد العاشر لإعلان الجمهورية التركية 1933م، بمثابة مقدمة لكتاب الأمير جلادت بدرخان (رسالة إلى الغازي مصطفى كمال باشا). لاحقاً نشرها الكاتب دلاور زنكي في مجلة الحوار، العدد المزدوج:9-10/1995م، والمقال 16 صفحة.
إثر الإعلان عن نبأ رحيل الأميرة (روشن بدرخان) إلى العالم الآخر، تقاذفتني أمواج الأسى والحزن العميق، واسترجعت في الحال ما كان بيننا من صور لقاءات ود ووعود ومشاريع عمل مشتركة وتذكرت آخر لقاء بيننا يوم 16 أيار 1992م في دارها الكائنة في مدينة بانياس الساحلية، عندما كنا نتجاذب أطراف الحديث حول استعدادها لزيارة القامشلي ومشاركتها لنا في إحياء (الذكرى الحادية والأربعين لوفاة الأمير جلادت بدرخان) يوم 15 تموز 1992م، وكذلك القيام بإجراء احتفال كبير بمناسبة (الذكرى المئوية الأولى لولادة الأمير جلادت بدرخان) والتي صادفت يوم 26 نيسان 1993م، وقمت بإحيائها مع مجموعة من زملائي في سد مزكفت… ولكن يبدو أن الأميرة روشن بدرخان كانت موعودة مع شخص آخر، أهم منا جميعاً، يهمها أمره في عالم آخر هو (الأمير جلادت بدرخان)، حيث رغبت أن تلتقي روحها مع روحه في مقبرة واحدة وهي مقبرة الشيخ خالد النقشبندي في حي الكورد بدمشق.
وهكذا كان رحيلها عن عالمنا في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين (1 حزيران 1992م) وكان روحها الطاهرة والمتلهفة لروح الأمير جلادت، كانت تبتغي أن تزف إليها بشرى، انتظرتها طويلاً، وهي هذا الاهتمام المتنامي به من قبل من يعتبرون أنفسهم (تلاميذه الحواريين) ويعتبرونه قدوة لهم، وما يؤكد ذلك – كما في وصيتها – هو إصرارها على أن تدفن في تلك المقبرة إلى جانب الأمير (بدرخان الكبير: 1802 – 1868م) وحفيده الأمير جلادت في دمشق.
وبعد وفاة الأميرة روشن بدرخان آلت عبْ مسؤولية آل بدرخان إلى الأميرة سينم خان، المقيمة حالياً في هولير العاصمة الكوردية وأملنا بها كبير، ونتمنى لها دوام الصحة. واليوم الأنظار تتجه نحو الأمير الدكتور كورد بدرخان، نجل الأمير الدكتور جمشيد بدرخان وحفيد الأمير جلادت والأميرة روشن بدرخان.
ولاحقاً، حصلت الأميرة (سينم خان بدرخان) على وسام الشرف الفرنسي، بمرسوم جمهوري فرنسي صدر في 18/6/2013م وبتوقيع الرئيس الفرنسي. فهي بحكم انتمائها العائلي وزواجها من الكاتب الكوردي صلاح سعد الله لم تكن أبداً بعيدة عن عالم الفكر والكتابة، كما أن اعتزازها بقوميتها لا حدود له. فلم يكن غريبا اذاً أن تواصل على درب أجدادها. ففي حزيران 2013م، قامت الحكومة الفرنسية بمنحها وسام الشرف الوطني الفرنسي برتبة فارس، خلال حفل تم تنظيمه في باريس، لتكون بذلك أول امرأة كوردية تحصل هكذا وسام. وهي المؤتمنة على أرشيف عائلتها وتسعى جاهدة لحفظه ونشره حتى يستفيد منه الجميع وتبقى ذاكرة أمراء بوتان حية.
والوسام يمنح سنوياً لـ75 شخصية. وأنشأ من قبل نابيلون بونابرت في العام 1802م، هذه أول مرة تحصل شخصية كوردية على هذا الوسام. والوسام يحمل توقيع رئيس الجمهورية الفرنسية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسي.
ويجدر بالذكر أيضا أن هذا الوسام الفرنسي يسمى وسام جوقة الشرف الوطني وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا وينقسم الى خمسة رتب هي:
* رتبة فارس: Chevalier
* رتبة ضابط: Officier
* رتبة قائد: Commandeur
* رتبة قائد عظيم: Grand Officier
* رتبة الصليب الأكبر: Grand’Croix.
أخيراً أشكر الأميرة سينم خان بدرخان والأستاذ مؤيد طيب رئيس دار نشر (سبي ريز)، على ما أولياني من ثقة بإسنادهما إلى كتابة مقدمة تعريفية بالأميرة روشن بدرخان، لكتابها الموسومة بـ (مذكرات امرأة) ولهما مني جزيل الشكر.
القامشلي 1/6/2022