رُبّما من السهولة! اختلاقُ أشكالٍ أو إشعالُ حَربٍ، أما الصعوبة! تكمن في التحكم بمَساراتها ومآلاتها، ولتداول المسألة من المُفترَض وضعُها بسياقاتها التاريخية والجغرافية، وباختصار البحث في الكشف عن أَسّ المُشكلة والحلول المُناسبة.
أما الخوّض بصفقات حيتان النفط، بسُبُلِ أفاعي الالتفاف على العقوبات، بانتهاكات أمراء الحرب، بالمُعارضة أو بالموالاة، لغير التوّثيق أو المُحاكمة، إنما تَحريفٌ لِمَسار البحث وتبديدٌ للوقت، كونها نتائج لا مُسبّبات، أما الحكمة! تكون بنجاعة البرامج السياسية والخُطط الخمسينية، خدمةً للصالح العام لا لطَيّفٍ بعينِهِ.
لمناقشة الأزمة السورية، من الأهميّة العوّدة لسبعينيات القرن الماضي، ولتحويل أهالي مدينة إدلب احتفال استقبال الفريق حافظ الأسد لمظاهرة استنكارٍ، في أول زيارة له إليها، رداً على اعتقال رفاقه بالقيادة القطرية لحزب البعث في انقلابٍ أبيض عام 1970م، بهدف تصحيح العلاقة بين السلطة والشعب، كما جاء في بيان تَسنُمِه مَنصِبَ رئاسة البلاد.
بمعزل عن رأينا عمّا حدث في إدلب، وفي مقرّ القيادة القطرية لحزب البعث بدمشق، كأنما زيارة إدلب كانت بالونة اختبار، وقد جاء أول رَدّة فعلٍ على ما حدث، بإبعاد طريق اللاذقية – حلب الرئيسي أميالاً عنها، فيما كان يمرّ من وسطها؛ سبقه انشطارٌ بحزب البعث إلى جَناحيّ بغداد ودمشق، إيذاناً ببدء مرحلة صراعٍ لكسر العَظم، وليس لشدّ الحبل أو للَيّ الأذرُعِ، كما اتّضح فيما بعد.
مع أن الانقلاب لم يكن الأول من نوعه ودمشقُ كانت مَسرحاً لعديد الانقلابات العسكريّة المُماثلة، بعد جلاء فرنسا عن البلاد بلا مُبالاة!، مسألةٌ تدعو للتأمّل، أما تبعاتها تبدو مازالت حاضرة، بكل حَدَثٍ ومُنعطَف.
بالأحداث الدامية لمدينتيّ حماه وحلب، التي أطلقت شَرارتها الأولى “الطليعة المقاتلة لجماعة إخوان المسلمين” بتأييدٍ من جَناح بغداد لحزب البعث، والرَدّ العنيف للنظام، على ما وصفَها بالمؤامرة كما بالأزمة الحالية… ما أبدت الأطراف المتقاتلة من أحقاد، وما ارتكبت من جرائم، كأنما ذاك الصراع بات قَابَ قَوّسيّن أو أدنى من التناحُر.
أَسُّ الأزمات مُنذُ فَجر التاريخ لدى العَرب، لا في سوريا وحَسبِ، بالذهنيّة القَبَليّة المَبنيّة على الاعتقاد بِسموّ الحَسَبِ والنَسَبِ، بقُدسيّةُ المُعتّقَد والمَذهَب، بمركزية القرار والاستقطاب، بأحقيّة الزعامة واستغباء الآخر، وكذلك بالجَّهل والتَخلّف.
أما! المكونات المتعايشة معهم، ما عليّها سوى الانخراط بتلك الإمبراطورية العَنجهية، طوعاً أو كراهية، وإلا! مصيرها الإقصاء والتهميش… ذهنية لا تَنمّ إلا عن تَعصُبٍ وجَهالة وازدواجية معايير ليس إلاّ.
التبرير لنظامٍ عمّا ارتكب من جرائم موثقة بأدلة ومُدرجة ضمن جرائم الإبادة الجماعية، ومعاداة نظامٍ عربي آخر، على أساس الانتماء أو الاشتباه، إنما عصبية مذهبية سياسية، لا دفاعاً عن جهة بعينها، وجلّ الأنظمة الاستبدادية بشرقنا المُعتّر والمُعذّب، ضالعةٌ بالإجرام مِن أذُنيّها لأخَمَصِ القَدَمَين.
أما الإشكالية الجَدليّة في الحالة السورية، برفض الأكثريّة لحُكم الأقليّات بالمُطلَق، واعتقاد الأقليّة الحاكمة، أنّ إطلاق الحريات العامة تُشكل خطراً على كيانها، أقلُّها الارتماء بشَرَكِ تشكيلات القاعدة والتنظيمات الإسلاموية الإرهابية، رغم أنّ التاريخ لا يعود للوراء، لكن! طَرفيّ الصِراعِ سَيّانَ بالذُهنيّة وبالممارسات، والتي تخطت جُلّ المحظورات، خلال الأزمة السورية الحالية، مما يستوجب إعادة النظر بالكثير من الثوابت.
وعلى الجانب الآخر للمَسألة! حالةُ اغترابٍ يُعانيها كُلّ مواطنٍ، بسبب فشل الحكومات السورية المُتعاقبة، على دَفّة الحُكم بالبلاد، برفع مُعدلات التنمية أو بتنفيذ المهام الوطنية المُلقاة على عاتقها وعلى مَرّ التاريخ.
حكومات خسرت اللواء السليب، خَسِرت فلسطين ولتحريرها خَسِرت هَضَبة الجولان، وتسببت في أزمات البلاد وحربها، فاحتلّت عفرين وكري سبي/تل أبيض وسري كانية/رأس العين، وخرجت عن سيطرتها مناطق شاسعة وحقول النفط من رُميلان إلى كراتشوك، ومن العُمَرِ للتَيّمِ، مع حقل كونِكو للغاز.
ما من انتصارٍ عسكري لطرف في معمعان محنتنا، لا مِن حَلٍ سياسيٍ مُنتظر، نهاية الثأر ضياع البلد، أما الحلّ! استبدال أزيز الرصاص بلغة الحوار، بالعودة إلى الشرعية الدولية، وللقرار الأممي رقم /2254/، ودستور يضمن حقوق كافة المكوّنات والأطياف، ونظامُ حُكمٍ برلماني تعددي لا مركزي، فلا دولة مواطنة متساوية، وتبقى ناقصة ومُشوّهة دون إقرار كل الأطياف والأطراف.
خلاصة القول! ذواتنا سببُ جُلّ أزماتنا، أما اليدُّ الطولى! برسم السياسات الاستراتيجية للقوى العظمى في العالم، أما الصراعات البينيّة فالأساس والأعمدة أوابد الخلافة الراشدية، اتخذت شكل صراعات متعددة الجوانب بالأهداف وبالوسائل.
* جريدة الوحـدة – العدد /340/- 06 كانون الثاني 2022م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).