القسم العاممختارات

إسماعيل عُمــر: داعية السلم والحوار (2)

إعداد: أسرة التحرير

مجلة الحوار- العدد /80/- السنة 29- 2022م

اسماعيل عمر

الوطنُ يجب أن يكون للجميع حتى يكون الجميعُ للوطن، والمواطن الكردي يجب أن يكون كردياً بقدر ما هو سوري، لا كما يريد له دعاة التمييز أن يكون معرباً مجرداً من خصوصيته القومية، أو كردياً محروماً من حقوقه الوطنية، ليصلَ الحرمانُ حتى إلى حق الجنسية!

××××××××

 أجرى الصحفي السيد عارف جابو حواراً معه لمعرفة وجهة نظر وموقف أحد الأطراف الكردية المشاركة في إعلان دمشق من خلال التحالف الديمقراطي الكردي في سورية من مسودة قانون الأحزاب التي طرحتها قيادة حزب البعث، بالإضافة إلى توضيح وجهة النظر الكردية تجاه بعض ما ورد في إعلان دمشق، وفيما يلي نص الحوار:

س1- بعد سنواتٍ من الانتظار والمناقشة والمطالبة والوعود والإشاعات التي أطلقتها الحكومة والأوساط الأخرى، أصدرت قيادة حزب البعث مسودة لمشروع قانون الأحزاب في سورية. كيف تقرؤون هذا المشروع، وما هي ملاحظاتكم عليه كحزب كردي عضو في التحالف الديمقراطي الكردي وفي إعلان دمشق؟

ج1- رغم مطالبة مختلف القوى الوطنية في البلاد السلطة من أجل الإقدام على بعض الإصلاحات المطلوبة، ومنها إصدار قانون عصري لتنظيم عمل الأحزاب، إلا أن تلك المطالبة كانت محاطة دوماً بنوع من اليأس، نظراً للطبيعة الإقصائية لحزب البعث الحاكم، الذي لا يؤمن بالتعددية السياسية ولا بالتعددية القومية، وهذا ما تؤكّده المنطلقات النظرية لهذا الحزب، لكنه يحاول دائماً إيهامَ البسطاء بأن وجود الجبهة الوطنية التقدمية القائمة يعبّرُعن تعدديةٍ سياسية، في حين أنه من خلال تلك الجبهة غيّرَ دوره من (حزب واحد إلى حزب قائد)، بعد أن ولّى فيه زمن سياسة الجبهة الواحدة، مثلما ولّتْ سياسة الحزب الواحد، واعتقدُ حتى مجرد إصدار قانون لعمل الأحزاب على الطريقة البعثية الواردة في المسودة التي قدمتها شعبة حزب البعث في مجلس الشعب، لا يتفقُ مع تلك العقلية الاقصائية التي ينتهجُها حزب البعث، لكنه يحاولُ في هذه الظروف أن يوحيَ بإمكانية تطبيق إصلاحاتٍ سياسية، ومنها إمكانية إصدار قانون الأحزاب.

من جهةٍ أخرى، ليس من المعقول أن يَصدرَ قانونُ الأحزاب عن حزبٍ معين، مهما كانت طبيعته ودوره، أي أن المبدأ غير مقبول، حيث يطرح حزب البعث نفسه فوق القانون ويعمل على إصدار قانون لعمل الأحزاب، يفصله على مقاسه الخاص، ويطلب من الآخرين التقيّد به!.

ومن هنا فإن القوى الوطنية المؤسسة والمتضامنة والمنضمة لإعلان دمشق، والتي طالما طالبت السلطة بإجراء إصلاحاتٍ سياسية، ومنها سنُّ قانونٍ لعمل الأحزاب، قررتْ من خلال وثيقة الإعلان العمل من أجل إنجاز التغيير الديمقراطي السلمي بمعزلٍ عن السلطة، ولذلك فهي لم تعدْ معنيةً بمسودة هذا القانون.

س2- المشروع لا يسمح بتأسيس أحزابٍ على أسس دينية أو قومية أو مناطقية، أي انه لن يسمح للأحزاب المعارضة الحالية ولاسيما الإخوان المسلمين والأحزاب الكردية للعمل بشكل علني وشرعي، هل سترضخ هذه الأحزاب للقانون وتلتزم به، وبالتالي ستحل نفسها وتنضم إلى أحزاب أخرى تؤسس بموجب القانون الجديد، أم إنكم ستستمرون كما أنتم، وبالتالي سيتم تقنين أي شرعنه القمع والمنع الحكومي القائم؟

ج2- إن مسودة القانون لا تعبّر عن حقيقة ومبدأ تنظيم الأحزاب، المتعارف عليه ديمقراطياً، بل ترمي إلى منعها، بمعنى آخر، فإن القانون على هذا الأساس يشرعنُ حالة طوارئ، وهذا المنعُ وعدم السماح لا يشمل فقط الأحزاب الدينية الإسلامية والقومية الكردية، بل يشمل كل من يريد أن يعمل خارج هيمنة حزب البعث، وبعيداً عن أهداف ما يسميها بثورة الثامن من آذار.. ومن التناقضات الواردة في تلك المسودة أن حزب البعث هو حزب قومي، ورغم ذلك فهو لا يخضع لنفس المعايير!

ومن هنا فإن الرضوخَ لهذا القانون، وبشروطه المجحفة البعيدة عن مستلزمات وشروط أي قانون حضاري، أمرٌ غيرُ وارد، فأحزاب الحركة الكردية عموماً وُجدتْ كحالةٍ غير قانونية، من الناحية الرسمية، في ظل غياب قانون الأحزاب، باعتبارها ممثلة لإرادة الشعب الكردي في سوريا والمعبّرة عن تطلعاته وآماله القومية، وإن الالتزام بمثل هذا القانون، والتخلي عن النشاط الحزبي، يعني التنكر للوجود القومي الكردي وبالتالي إلغاء الشرعية عن أي حزب كردي.

ومن جهةٍ ثانية فإننا، كحزب كرديٍ، وأعتقد أن بقية الأحزاب الكردية أيضاً، ستكونُ مستعدة لتحمل تبعاتِ تطبيق هذا القانون، وسنظلّ نواصل النضالَ من أجل تأمين الاعتراف أولاً بالوجود التاريخي للشعب الكردي في سوريا كثاني قومية في البلاد، والإقرار بشرعية حركته الوطنية، وتنظيم عمل أطرافها من خلال إقرار قانون عصري مـستقبلاً.

س3- إذا كنتم لا تقبلون بهذا المشروع، هل لديكم البديل، اي هل ستطرحون مشروعكم كحزب أو كتحالف أنتم عضو فيه، او حتى أطراف إعلان دمشق الذي يضم أحزابا كردية، وعربية، وآشورية بالإضافة إلى الشخصيات السياسية والثقافية المستقلة المعارضة، أي باختصار: إذا كانت المعارضة ترفض مشروع قانون الحكومة، ما هو بديلها، أين مشروعها؟

ج3- لأن هذا الموضوع لا يهمُّ فقط حزبنا أو أي حزب بمفرده، فإنه نوقش في اجتماع الهــيئة العامة لإعلان دمشق، وتم تشكيلُ لجنةٍ مكوّنة من مجموعة من الحقوقييـــن لفضــح ما جاء في تـــلك المسودة، وصياغة مشروع قانون يعبّرُ عن حق جميع مكونات الشعب السوري السياسية والقومــــية والدينية والاجتماعية في التعبير عن طموحاتها وآرائها، وتكوين أحزابٍ خاصة بها.

س4- جاء في إعلان دمشق: إيجاد حل عادل للقضية الكردية في سورية، لا شك ان هذا يشكل خطوة متقدمة في مواقف بعض الأطراف العربية التي كانت حتى الأمس القريب لا تقرُ بوجود مشكلةٍ كردية في سورية يجب حلها، ولكن ما جاء في الإعلان بشأن القضية الكردية في سورية لا يلبي طموحات الشعب الكردي، وقلتم في لقاء سابق لكم: ان لكل طرف بما فيها الكردي ملاحظاته التي لم يتمكن الإعلان من تضمينها، ما هي الملاحظات التي لم يتمكن الطرف الكردي من إدراجها في الإعلان، وما هي العوائق او الأطراف التي حالت دون ذلك؟

ج4- الإعلان يعتبرُ بمثابة عنوانٍ لمرحلةٍ اسمها: العمل من أجل التغيير الديمقراطـــي السلمي، وأن مضمون الوثيقة الصادرة عنه عبارة عن مجموعة مبادئ عامة، يمكن الانطلاق منها إلى التفاصيل والبرامج، ولذلك فإن الهدف من الصيغة المتعلقة بالقضية الكردية هو مجرد الاعتراف بوجود هذه القضية، باعتبارها قضية الشعب الكردي، والإقرار بضرورة حلها ديمقراطياً وبشكل عادل.

وانطلاقاً من هذا الفهم فإن جميع الأحزاب الكردية، داخل الإعلان وخارجه، تقر صيغة (إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا)، لكن يبقى الالتباس في التفاصيل التي وردتْ لشرح تلك الصيغة، وهي (بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية…)، فإنها جاءت صيغة توافقية، أرادت منها القوى غير الكردية أن تكون ضمانة للوحدة الوطنية، أما الجانب الكردي فقد أكّد على عبارة (بما يضمن) بدلاً من (بما يتحدد) لكي يؤكد بأن تلك الحقوق لا تعني جميع مستلزمات الحل الديمقراطي للقضية الكردية، بل جزءاً منها.

ومن هنا، فإن ما أخذت على هذه الصيغة، من ملاحظات، هي أنها غير واضحة، لكنها في نفس الوقت لا تنتقصُ من حقوق الشعب الكردي.

وبهذه المناسبة فإن فهمنا لمستلزمات الحل الديمقراطي للقضية الكردية التي وردتْ في إعلان دمشق، سوف نسعى لبلورته من خلال (رؤية سياسية موحدة)، يتم مناقشتها الآن بين التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية، وسوف تعرض تلك الرؤية بعد إقرارها على الأحزاب الكردية الأخرى خارج الإطارين المذكورين للمناقشة، عندئذٍ لن يكون من حق أي طرف كردي تفسير تلك الصيغة بالشكل الذي يخدم مصلحته الحزبية الضيقة.

س5- أصدرت اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق بيانا توضيحيا بتاريخ 31/1/2006، إن التمعن في هذا البيان، يبين لنا مدى تماهي موقف أطراف الإعلان مع مواقف السلطة، ولاسيما فيما يتعلق بالموقف من القوى الخارجية والضغوطات التي تمارس على سورية لإخضاعها لقرارات الشرعية الدولية من جهة، ومن جهة أخرى التشديد على عروبة سورية وكونها جزءا عضويا من الأمة العربية، والتغيير الديمقراطي سيمكنها من القيام بكل ما يترتب على انتمائها العروبي من مهام وقضايا قومية. ألا يشكل هذا نسفا لمرونة وديمقراطية خطاب الإعلان النسبية؟ ثم ألا يتناقض هذا مع برامج الأحزاب الكردية ومنها حزبكم، فكيف يوقع الطرف الكردي (التحالف والجبهة الكرديين) على هكذا توضيح ويقبل به؟

ج5- قبل أن أعلق على البيان التوضيحي، أريد أن أتوقف قليلاً عند ردود الأفعال لدى الجانب العربي على وثيقة إعلان دمشق، التي وصفتْ من قبل البعض بأنها مقتبسة من الدستور العراقي الجديد، وأنها أفرطت بعروبة سوريا، وإنها تشرّع الاستقواء بالخارج، كما وصفت من قبل البعض بأنها أعطت الخصوصية الوحيدة للقضية الكردية فقط، أو أن الأخوان المسلمين فرضوا على الإعلان منطلقاتهم الأيديولوجية، وبالمقابل أتهم الإعلان عند بعض الأحزاب الكردية بأنه ساومَ على حقوق الشعب الكردي.

وبغضّ النظر عن تلك الاتهامات ومدى صحتها، فقد تضمن الإعلانُ بعضَ المواضيع والفقرات غير الواضحة مثل المنظومة العربية- الإسلام دين الأغلبية- العلاقة بين الداخل والخارج- مفهوم التغيير الوطني الديمقراطي ومدى تلازمه بموافقة وتعاون السلطة أم لا.

وبناءً على حاجة بعض تلك الفقرات للتوضيح أقر، في اجتماع الهيئة العامة للإعلان، صدور بيان توضيحي، لكن مسودة البيان التي وضعت ونوقشتْ في الاجتماع الثاني للهيئة رفضت باعتبارها جاءت على شكل بيان تعديلي وليس توضيحي، ولذلك تم تأجيل الموضوع إلى الاجتماع القادم للهيئة. لكن ممثلي بعض الأطراف أصروا على إصدار البيان باسم اللجنة المؤقتة (المصغرة) المنبثقة عن الهيئة العامة. وذلك من خلال تضمين ملاحظة واحدة فقط من الملاحظات التي أبداها الجانب الكردي وهي إضافة: عبارة (بما لا يتناقض مع ما ورد في إعلان دمشق من حقوق القوميات الأخرى وخاصة القومية الكردية…). ولذلك فقد تحفّظنا عليه بشدة في اجتماع المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي الذي عقد في أوائل شباط الماضي.. وكذلك في الاجتماع الموسع للهيئة القيادية لحزبنا، واعتبرناه خروجاً على المبادئ الأساسية لوثيقة إعلان دمشق، وأبلغنا هذا التحفظ للجنة المؤقتة للإعلان، وبذلك فإننا الآن غير معنيين به والعمل بمضمونه.

س6- إذا كانت سورية العربية ستقوم بواجباتها القومية بحكم انتمائها العضوي الى الأمة العربية، فهل ستقر أطراف إعلان دمشق للأكراد بالقيام بواجباتهم القومية تجاه أبناء جلدتهم في الأجزاء الأخرى من كردستان كونهم جزءا من الأمة الكردية المجزأة بين سورية وتركية وإيران والعراق؟

ج6- إن قيامنا بواجباتنا القومية تجاه أبناء الشعب الكردي في بقية أجزاء كردستان، انطلاقاً من احترام خصوصية كل جزء، لا يخضعُ لموافقة أحدٍ، ونحن نتفقُ مع بقية أطراف إعلان دمشق في حدود كل ما من شأنه إحداث التغيير الديمقراطي المطلوب وصيانة وحدة البلاد، وأن تضامننا مع نضال شعبنا الكردي في تلك الأجزاء لا يتعارضُ مع مبادئ وثيقة الإعلان، ولا أعتقد أن الأطراف الأخرى تمانع في ذلك.

س7- من الملاحظ ان الطرف الكردي لم يعد يشارك بفعالية في نشاطات الإعلان، أي أن عضويته مجمدة او شبه مجمدة، فهل سيكون هذا التجميد بداية لانسحابٍ مستقبلي من الإعلان وتوديعِ أطرافه ليقتصر على الأطراف العربية فقط؟

ج7- أولاً: إن بطء العمل في الإعلان لا يعودُ إلى تراجع فعالية الطرف الكردي، إنما لطبيعة العمل المشترك، الذي يحتاج للتوافق بين عدد كبير من الأطياف والألوان المكوّنة للمعارضة السورية، كما يعود إلى ضعف ثقافة العمل المشترك ونقص الخبرة في هذا المجال، بشكل عام، حيث لم تشهد الساحة السورية عملاً بهذا التنوع منذ قرابة ستين عاماً.

ثانياً: ليس من الحكمة الانسحاب من الإعلان دون أن تكون هناك أسباب موجبة، تتعلق بثوابت الحركة الكردية، وتمس جوهر القضية الكردية الوطني الديمقراطي القومي، فالقضية الكردية قضية ديمقراطية، وهذا يعني أن النضال من اجل تحقيق أهدافها يتحدد بالنضال الديمقراطي السلمي، والعمل على توسيع دائرة الأصدقاء والمؤيدين والمتضامنين معها والمناضلين من أجلها، ولذلك، فقد كنا نبحثُ على الدوام عن طاولة للحوار والتلاقي مع مختلف القوى الوطنية السورية لتعريفها بعدالة القضية الكردية، باعتبارها قضية أرض وشعب، ونظراً لعدم توفر شروط وإمكانات مثل ذلك التلاقي، فقد لجأنا سابقاً لأساليب أخرى لمخاطبة الشارع العربي، مثلما حصل في تشرين الأول 1992 عندما أصدر حزبنا، قبل الوحدة، ملصقاً يخاطب فيه تلك القوى من على الجدران، واعتقل بموجبه العديد من الرفاق. ومقارنة بمثل تلك الأساليب فقد وفّر إعلان دمشق طاولة كبيرة للحوار والتلاقي، يجب عدم التخلي عنها، لكن، بالمقابل يجب عدم التفريط بالحقوق الأساسية لشعبنا الكردي، ونعتقد أن الزمن والحوار المتواصل، بالترافق مع وحدة الموقف الكردي، كفيلٌ بمساعدتنا في إقناع تلك القوى الوطنية التي وافقت بعضُها على إدراج الصيغة المتعلقة بالقضية الكردية لمجرد إرضاء الطرف الكردي، كما سيساعدنا ذلك في رفع مستوى تفهم تلك القوى لعدالة قضيتنا الوطنية القومية الديمقراطية.

س8- ان الوضع الحالي للحركة الوطنية الكردية وما تعانيه من تشتت وضعف لا يسرُّ أحدا سواء أحزابا أو أفرادا، ولتجاوز هذه الحالة تم تأسيس لجنة مشتركة من قيادة التحالف والجبهة الكرديين، وان هناك محادثات لتبني برنامج سياسي مشترك منذ مدة، ولكن إلى الآن لم يخرج شيء إلى العلن، إلى أين وصلت هذه المحادثات، وهل يحتاج الأمر إلى كل هذه المدة، ما هي العوائق التي تحول دون الوصول إلى اتفاق؟ إذا تم توحيد البرنامج السياسي للإطارين، ما هو المبرر لوجودهما، فهل الشكليات تكفي لتكون عائقا لبقاء الإطارين وعدم توحدهما في إطار واحد يكون أكثر ايجابية وفاعلية؟

ج8- أكررُ مرة أخرى بان كلاً من التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية، هما الآن بصدد مناقشة مسودة باسم (رؤية سياسية موحدة) الهدف منها توحيد الخطاب السياسي الكردي ليس فقط تجاه المعارضة السورية، أو شرح مستلزمات صيغة الحل الديمقراطي العادل للقضية الكردية التي وردتْ في إعلان دمشق، بل كذلك لتوحيد موقف الحركة في المؤتمرات المقرر انعقادها في الخارج، ولتكون بمثابة برنامج سياسي لإطار أوسع، تعيقه حالياً الإشكالات التنظيمية والمصالح الحزبية، قبل أن تعيقه البرامج السياسية. كما ستتم الاستفادة من تلك الرؤية أثناء صياغة البرنامج السياسي الذي سوف يقدمه (المجلس الوطني المؤقت) الذي يزمع إعلان دمشق تشكيله الآن، إلى المؤتمر الوطني العام السوري المقرر في أجندة الإعلان.

س9- من اجل توحيد الصف الكردي وتجاوز حال الضعف والتشتت طرح حزبكم فكرة او دعوة من اجل عقد مؤتمر كردي عام يضم جميع الأطراف منظمات وأفراد، والمؤتمر الأخير للحزب الذي انعقد العام الماضي اتخذ قرارا بضرورة عقد هذا المؤتمر، إلى أين وصل هذا المشروع وما هي الخطوات العملية التي قمتم بها في هذا الإطار، أم انه مجرد مشروع كباقي المشاريع التي تطرحها الأحزاب الكردية وتنشغل بها فترة ثم يتم نسيانها ليطرح مشروع آخر، وهكذا نرى مشروعا بعد آخر دون تنفيذ أي منه، أي أنها حبر على ورق وفقط لإشغال الناس بها؟ وفي نفس الإطار هناك محادثات وحدوية بين حزبكم والحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي) بشقيه، إلى أين وصلت هذه المحادثات وما هي الخطوات التي خَطًوْتُموها في هذا الاتجاه؟

ج9- إنّ عقد مؤتمرٍ وطني كردي عام في سوريا سيظل مطلوباً مهما طال الزمن، لأن الهدفَ منه هو تأمينُ مرجعيةٍ كردية، ولما كان المقصود بقوام وملاك هذا المؤتمر هو مجموع ممثلي الأحزاب الكردية بالإضافة إلى المستقلين من الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرهم، فإن الحلقة الأولى من المشروع هي وحدة وتلاقي كل التنظيمات الكردية لتتفق على آلية اختيار المستقلين، كحلقة ثانية، ولهذا فإننا نسعى في البداية لتأطير تلك التنظيمات، ونعتبر كلاً من التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية مقدمتين للإطار المنشود، ونعمل بالتعاون مع الأطراف الأخرى على توحيد الإطارين في إطارٍ أوسع.

وبهذه المناسبة فقد عرضنا على الجبهة الديمقراطية الكردية، من خلال التحالف، تشكيل مجلس عام للإطارين على غرار المجلس العام للتحالف الذي يضم 12 عضواً من الحزبين و13 عضواً من المستقلين وذلك في إطار التمهيد لمشروع المؤتمر الوطني الكردي العام.

أما بالنسبة للوحدة التنظيمية، فإن قرارات مؤتمرنا الخامس تشجع عليها مع مختلف الأطراف، وعلى ضوء تلك القرارات فقد تم تبليغ كل من طرفي (البارتي) بإرادة رفاقنا لإجراء حوار وحدوي تشرف عليه القيادة، ويمهد له بتطوير علاقات التعاون والتنسيق في مختلف المناطق.

س10- بعد أيام قليلة الذكرى الثانية لانتفاضة 12 آذار، ماذا تقولون بهذه المناسبة، وكيف ستحيون هذه الذكرى، هل هناك نشاطات معينة ستقومون بها؟

ج10- نحن نعتبر أن 12 آذار كان موعداً لفتنة أرادت منها السياسة الشوفينية تحطيم إرادة شعبنا ووضع حدٍ لتصاعد وتيرته النضالية، وقد تجلتْ تلك الفتنة أو المؤامرة في الشعارات الاستفزازية التي أطلقتها بعضُ العناصر المندسة بين جماهير نادي الفتوة في شوارع القامشلي وملعبها، كما تجلت في القتل المتعمد الذي أقدمت عليه قوات الأمن السورية بإيعازٍ مباشر من المحافظ (سليم كبول)، كذلك في السرعة التي قام بها فرع حزب البعث في الحسكة بتسليح البعثيين العرب فقط، وتكليفهم بمهمة القتل والإرهاب ونهب ممتلكات المواطنين الأكراد في كل من رأس العين والحسكة.

ومن هنا فإن المناسبة تعنينا كحركة مطلوبٌ منها حماية شعبنا الكردي من التآمر الشوفيني وصيانة كرامته وتأمين حقوقه القومية المشروعة. ولذلك فقد رأينا في التحالف والجبهة دعوة جماهير شعبنا الكردي إلى الحداد العام لمدة خمس دقائق يوم 12 آذار، وذلك استنكاراً لتلك المؤامرة وتضامناً مع الشهداء وتأكيداً على مطلب شعبنا بضرورة محاسبة المسئولين عنها. كما تقرر تنفيذُ اعتصامٍ في دمشق للتأكيد على مسؤولية السلطة، ونقل معاناة شعبنا إلى الرأي العام الوطني، وسوف تعرض تلك النشاطات على بقية الأحزاب الكردية.

×××××

وحول ضرورة تلاقي كلّ القوى الوطنية السورية المختلفة بالرأي والعمل المشترك ضمن إطار واحد جامع رغم اختلافاتها في بعض الآراء والمواقف، ونزولاً عند الهدف الأسمى ألا وهو التغيير الديمقراطي السلمي،

وفي مقابلةٍ له بتاريخ 19/11/2005 قال الأستاذ اسماعيل عمر:

يهدف الإعلانُ لإقامة نظامٍ وطني ديمقراطي, بعد أن فشلت كلُ المراهنات المعقودة على وعود السلطة بشأن الإصلاح المنشود وإصرارها على مواصلة النهج التسلطي الشمولي، ودفع البلاد نحو المواجهة مع المجتمع الدولي، نتيجة قراءاتها الخاطئة للتطورات الإقليمية المحيطة, مما تسببَ في عزل سوريا وفتح الثغرات أمام الضغوطات الخارجية التي عجزت السلطة عن مواجهتها، ومن هنا جاء إعلان دمشق لحشد وتنظيم طاقات المعارضة الداخلية للتصرف بمسؤولية من أجل استيعاب المعطيات الراهنة، وعدم ترك مصير الوطن مرهوناً بعاملي النظام و الخارج.

وبسبب تنوع وتعدد الجهات المشاركة في التأسيس وتباين انتماءاتها السياسية والقومية والدينية والاجتماعية، إضافة للجهات التي توجّه إليها الإعلان لمطالبتها بالانضمام والتضامن, كان من الطبيعي أن يحتكم المشاركون إلى التوافق في صياغته، لكي تجدَ جميعُ مكونات الشعب السوري السياسية والقومية وتياراته الفكرية وطبقاته الاجتماعية وفعالياته الثقافية والاقتصادية، مجالاً للمشاركة في عملية التغيير, وفرصة للتعبير عن مصالحها وتطلعاتها، أي أن الإعلان وافق بين قوى متباينة من حيث مصالحها ومواقفها، ليمثلَ بذلك قاسماً مشتركاً يمكن أن يجد فيه كل طرفٍ جزءاً هاماً مما يسعى إليه في الاعتراف المتبادل للجميع بالجميع، بعيداً عن إقصاء الآخرين.

ولذلك كان من الطبيعي أن تبقى، لكل مكوّنٍ أو طرف، ملاحظاتُه التي لم يتمكّن الإعلان من تضمينها، ولذلك نرى مثلاً أن العلمانيين لهم ملاحظات على بند (الإسلام دين الأغلبية) وبالمقابل فالإسلاميون لهم أيضاً ملاحظات… وفي الوقت الذي نحتفظ فيه، كحركة كردية، بملاحظاتنا الخاصة، فإن أطرافاً أخرى لها بالمقابل تحفظات على البند المتعلق بإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا. وأطرافاً ثالثة تعتبر الإعلان أفرط (بعروبة سوريا). وبالنهاية فإن الإعلان تمت صياغته بدقة نسبية، وإن ملاحظات الأطراف عليه، ستظل قابلة للمناقشة والحوار وصولاً إلى الصيغة الأفضل.

أما بالنسبة لآليات العمل، فإن اللجنة المؤقتة للإعلان وجّهتْ رسائلَ إلى الجهات التي أعلنت الانضمام لتسمية ممثليها، كما دعت الجهاتُ المتضامنة إلى الحوار لمناقشة آرائها تمهيداً للانضمام. لكي يتم بالتالي تشكيلُ هيئةٍ عامة من جميع المشاركين، تنبثقُ عنها لجنة متابعة في الداخل، إضافة إلى لجان فرعية في الخارج والمحافظات.

وسوف يكون من مهام الهيئة العامة وضعُ أجندة عمل وتحديد الوسائل النضالية الديمقراطية السلمية، كآلياتٍ معتمدة، والدعوة إلى مؤتمرٍ وطني تشاركُ فيه جميعُ القوى الطامحة للتغيير.

************

بتاريخ 19/4/2007، أجرت صحيفة JÎN (الحياة) لقاءً مع الأستاذ اسماعيل عمر بهدف التواصل والاستماع إلى مختلف الآراء لخلق أرضية حوارية حقيقية:

س1: لاسم حزبكم مدلولات وحدوية واضحة، وقطعتم أشواطاً جيدة في هذا الاتجاه. ترى، ما هو دوركم في المرحلة المقبلة تجاه إيجاد صيغ وحدوية جديدة؟

ج1- إن الوحدة ليست مجرد عملية تجميع حسابية لطاقاتِ الأطراف المتحدة، بل أنها كذلك تعبيرٌ عن مستوى الوعي والتطور الذي بلغته تلك الأطراف، وردٌ عملي على واقع التشتت، وقد أثبتت التجربة وجود علاقة عضوية بين الوحدة الداخلية للحزب الواحد وإرادة الوحدة مع الآخرين، وبمعنىً آخر، فإن من يحافظ على وحدة حزبه، سيكون حريصاً على وحدة الحركة، والعكس صحيح.

وقد رأينا في حزبنا، بعد تشخيصٍ دقيق لواقع حركتنا المنقسمة على نفسها، وبعد تقدير صحيحٍ لجسامة المسؤولية التي تفرضها قضيتنا، بتعقيداتها وخصوصيتها، حيث لا تزال الشوفينية تنكر على شعبنا وجودَه، وتتنكرُ لشرعية حركته الوطنية، وتحرمُه من كامل حقوقه القومية. إن أولى مستلزماتِ تلك المسؤولية، امتلاكُ القدرة الكافية لتحملها، وهذا يتطلبُ بدوره، أن نكون متحدين بالأشكال المتاحة، سواءً كانت اندماجية إذا توفرت الشروط اللازمة، أو نضاليةً وفق برامج الحد الأدنى المشترك، وفي الحالتين – ومع خصوصية كل حالة – هناك مجموعة من العوامل يجب أن تتوفر لإنجاح تجربة الوحدة، تأتي في مقدمتها وحدة الهدف، الذي يجب يتمحور في إبراز خصوصية القضية الكردية في سوريا التي ندينُ لها جميعاً بالوجود كأحزابٍ كردية، والتي يفترضُ أن يكون الإخلاصُ لها والنضال من أجلها، وترتيبُها في المقام الأول بين اهتماماتنا، مقياساً أساسياً لأي تقارب كردي. كما أن رفع مستوى الوعي، الذي يعني تحديد التناقض الأساسي مع الشوفينية والتعامل مع التباينات التي تميز العلاقة بين الأطراف الكردية على أنها ثانوية، والترفع عن المهاترات التي أساءتْ كثيراً لمصداقية الحركة. كلُّ ذلك، يمهدُ لأرضيةٍ صالحة لعملية الوحدة. ومن ضمن تلك العوامل كذلك، تعميقُ الشعور بالمسؤولية، التي تتطلب الاعتراف بجسامة مهامنا النضالية، وهو ما يدفعنا كذلك للاعتراف بضرورة التلاقي وتعزيز إرادة الوحدة لإنجاح مهمة التصدي لها والارتفاع إلى مستواها المطلوب. وبتوفير تلك العوامل وتجسيدها، فإن عملية الوحدة تتحقق على الأرض قبل أن تقرر على الورق.

إن الواقعَ يفرضُ الصيغة العملية والقابلة للاستمرار والصمود، حيث لا توجد صيغة محددة يمكن إسقاطها على كل حالة وحدوية، فالمطلوبُ هو اختيار الصيغة الصحيحة حسب مستوى ودرجة التقاطعات عند القضايا الأساسية المتعلقة بقضية شعبنا الكردي وأساليب النضال الملائمة لطبيعتها الوطنية الديمقراطية.

س2: على الرغم من التباينات الفكرية للفصائل التي تشكل منها حزب الوحدة، كيف تغلبتم على هذه التباينات؟ وهل حل الكل في بوتقة فكرية جديدة؟ حبذا لو أوضحتم ذلك.

ج2- إن بقاء التباينات حتى داخل الحزب الواحد أمرٌ طبيعي ودليلُ عافيةٍ، حيث يبقى قانون الوحدة والصراع ينظم عملية التطور. فليس المطلوب هو إزالة التباينات السياسية والفكرية بين الأعضاء، تلك التي لا تتعارضُ مع البرنامج السياسي والخطوط العريضة لتوجه الحزب وثوابته، بل إيجاد آلية لتنظيم عملية التفاعل والتعايش فيما بينها، وإقرار مبدأ احترام الرأي الآخر، الذي أفسحنا له مجالاً واسعاً ليعبرَ عن نفسه داخل الحزب ضمن نشرة داخلية سابقاً، لكنه الآن ينشر علناً في إعلام الحزب بأسماء أصحابه. كان الهدفُ من ذلك هو إعطاء فرصة للأقلية، وحتى للفرد الواحد، للتعبير والدفاع عن رأيه لعله يجد تفهماً من قبل الآخرين، ليتحولَ مستقبلاً – إذا أثبت صحته – إلى رأي الأغلبية، وليُصارَ إلى تبنيه من قبل الحزب في محافله المقررة.

س3: غالبية فصائل الحركة الوطنية الكردية في سوريا كانت تطرح شعار (الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية)، وفي الآونة الأخيرة، تغيرت المصطلحات والتعابير. ترى، هل الشعار الذي ترفعونه (الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكردي في إطار وحدة البلاد) يختلف عن مضمون الشعار القديم؟

ج3- المعروف أن الشعارات لا تستمد شرعيتها فقط من عدالتها، بل كذلك من إمكانات تطبيقها، وإن مصداقية الإخلاص لقضية ما، لا تكفي أن نضحي من أجلها، بل أن نوفر لها أيضاً المزيد من المؤيدين والأصدقاء، ولذلك، فإن الشعار يجب أن يكون موضوعياً وقابلاً للتطبيق حسب الظروف المشخصة  إذا أردنا له المناصرين، وبالتالي فرص التحقيق، فشعار (الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكردي في إطار وحدة البلاد) يجمعُ بين إقرار مبدأ النضال من أجل تمكين شعبنا من ممارسة حقوقه القومية التي تخضع طبيعتُها وحدودها للإمكانات المتاحة من جهةٍ، وبين قدرة حركتنا على إقناع الجماهير الوطنية السورية من خلال حركتها الديمقراطية  للتضامن معها من خلال التأكيد على صيانة الوحدة الوطنية، ومن المؤسف القول، أننا لم نوفقْ حتى الآن في تحقيق تقدمٍ ملموسٍ على هذا الصعيد، حيث لا تزالُ العديد من القوى الوطنية السورية تنظرُ إلى أطراف الحركة الكردية في سوريا على أساس أنها امتداداتٌ لمحاور كردستانية، وتحاولُ الاوساط الأمنية تكريسَ هذا التوجه بهدف تحويل اهتماماتِ شعبنا عن قضيته الأساسية نحو الخارج الكردستاني، لتشتيت طاقاته من جهة، والتشكيك في ولائه الوطني من جهة ثانية، والتهرب من معالجة حقوقه وطنياً من جهة ثالثة.

س4: إن كلمتَيْ «رفع» و «إزالة» لغةً، لهما معنيين مختلفين. وتم تثبيت الأولى في شعاركم وألغيت الثانية. ترى، هل ينصبان سياسياً في معين واحد؟ أم هناك اختلاف بينهما؟ حبذا لو بينتم ذلك.

ج4- إن اختيار المرادفات والتعابير الدقيقة والمعبرة في معانيها، أمرٌ هام جداً أثناء ممارسة النضال السياسي الديمقراطي السلمي، الذي يعتمدُ على اختيار أفضل السبل في تعريف الآخرين بعدالة القضية الكردية ومشروعية الحقوق القومية للشعب الكردي وينسجمُ مع أشكال النضال المتبعة. وعلى هذا الأساس، فإن كلمة (إزالة)، قد تعني ضرورة استخدام أساليب توحي بالعنف، الذي تتجنبه الحركة الكردية في سوريا عموماً، في حين أن كلمة (رفع) الاضطهاد، تكونُ أقربُ إلى طبيعة أهداف النضال السلمي والحوار الديمقراطي الذي تتبعه هذه الحركة.

س5: كما جاء في برنامج التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا (برنامج الحد الأدنى)، برأيكم، هل ما زال هذا البرنامج يشكلُ الصيغة المثلى كإطارٍ لوحدة الحركة الوطنية الكردية في سوريا وتوحيد خطابها السياسي؟

ج5- أفهمُ أن هذا السؤال يُقصَدُ به البرنامجُ السياسي للتحالف، وهو برأيي، لا يزال صالحاً للعمل، خاصة بعد أن تم تعديله على ضوء إحداث المجلس العام للتحالف. أما بالنسبة للتحالف، فهو إطار نضاليٌ أملتْهُ ضروراتٌ وحدوية ملحة في حينه، ولا تزال قائمةً، ويضمُّ جزءً هاماً من الأحزاب والمستقلين الأكراد، وهو رغم الصعوبات التي يعاني منها، والحملات التي يتعرض إليها،  لا يزال يحافظُ على استقلاليته وتمسكه بخصوصية النضال الوطني الكردي في سوريا، وعدم الانجرار نحو الصراعات الكردستانية، وأعتقدُ أن بإمكان التحالف إنجازَ المزيد من مهامه، بفضل سياسته المبدئية المرنة تجاه الفصائل الكردية الأخرى، وخاصة الجبهة الديمقراطية الكردية، وسيظلُّ الصيغةَ المثلى إلى حين إيجاد بديلٍ أفضل، أي إطار أوسع، كما أعتقدُ أن العائق الأساسي في بناء ذاك  الإطار النضالي الأوسع والاكثر فاعلية، والمتمثل في إشكالية تماثل الأسماء، يمكن تجاوزه من خلال حوارٍ وطني كردي مباشرٍ تشاركُ فيه جميعُ الأحزاب الكردية، بما فيها المعنية بتلك الإشكالية.

لكن، في غياب هذا الإطار المنشود، يمكن، أيضا» القيام بأعمالٍ ونشاطاتٍ مشتركة، وتوحيد الموقف الوطني الكردي حيال المستجدات التي تتلاحق بسرعة على صعيد المنطقة المرشحة لتغيراتٍ هامة، قد تطالُ آثارُها بلدَنا سوريا التي تعنينا كحركةٍ وطنيةٍ كرديةٍ يُطلَبُ منها الاستعداد لمواجهتها.

س6: في خضم التغيرات الدولية المتسارعة، والعولمة التي أثرت على كافة مناحي الحياة، وفي مختلف الدول. كيف تقيمون تأثير هذه المتغيرات، ومدى تأثيرها على بلدنا سوريا، وانعكاس ذلك على شعبنا الكردي وحقوقه القومية؟

ج6- التغيرات الدولية كانت دائماً تؤثر على منطقة الشرق الأوسط بدولها وشعوبها، لكنها الآن أكثر عمقاً وتسارعاً، خاصة بعد أن برزت العولمة كظاهرة اقتصادية وسياسية وإعلامية وقانونية وثورة اتصالاتٍ وتكنولوجيا حديثة ساهمت بشكل فعالٍ في إحداث تغيراتٍ هامة ومتسارعة، شملت مختلف مناطق العالم التي باتت تتبادل التأثر والتأثير، وبرزتْ نتيجة لذلك العديد من القضايا المشتركة التي تهم البشرية عامة، وتستدعي معالجتها تعاوناً دولياً، مثل تلوث البيئة والتحولات المناخية والأوبئة المختلفة، ومحاربة الإرهاب وتجارة المخدرات، وهجرة اللاجئين وصيانة حقوق الإنسان.

ولما كانت سوريا لا تقعُ خارجَ الكرة الأرضية التي لفّتها رياح التغيير، فهي إذاً، كغيرها من دول العالم، سوف تجدُ ما يجب تغييره من ممارساتٍ وسياساتٍ عفا عليها الزمنُ، ومنها بالتأكيد قضية حقوق الإنسان، الذي لم تعد مسألة اضطهاده وحرمانه، بأي شكلٍ كان، شأناً داخلياً، خاصة بعد أن بدأت الدول المتقدمة تعاني من موجات الهجرة البشرية التي تجدُ دوافعَها في انتهاك حقوق الإنسان في البلدان النازفة، إضافةً للفقر، والحروب الأهلية وغيرها. ولا يعني ذلك أننا نراهنُ على هذا العامل الخارجي في توفير الأمن والاستقرار لشعبنا الكردي في سوريا، وتحريره من الاضطهاد، وتأمين حقوقه، وإنهاء حالة الاغتراب التي تميّز علاقته بوطنه سوريا، رغم أنه يعيشُ على أرضه ومناطقه التاريخية منذ القدم، بلْ أننا نريدُ من القيادة السياسية أن تسابقَ هذه المتغيراتِ وتعي أبعادَها ومستقبلَها، وتنصفَ شعبنا الكردي ليستعيد دوره الوطني ومكانه الصلبَ في جدار الوحدة الوطنية، بدلاً من أن يتشتت الكثيرون من أبنائه تائهين بحثاً عن وطن في أوروبا، التي تمنحُ هويات بلدانها للمهاجرين الكرد بشكل عام وللمجردين من جنسية وطنهم سوريا بشكل خاص! وهذه المفارقة، تدعو للأسف والقلق في آن واحدٍ.

لكننا مع ذلك واثقون من أن القوى الديمقراطية الغيورةَ على مصلحة هذا البلد تدركُ جيداً ما يدورُ حولها وفي العالم من تطوراتٍ لم تعدْ معها سياسة الإنكار المتعمد لوجود شعبٍ يستمدُ جذوره في المنطقة من قدم التاريخ، تصمدُ في مواجهة الحقائق التاريخية وسمات عصر التغيير.فتركيا مثلاً، أجبِرتْ أخيراً تحت ضغط المتغيرات الدولية وحاجتها لمسايرة الركب الحضاري ،من خلال محاولة الانضمام للاتحاد الأوروبي، أن تعترف عملياً بالوجود الكردي هناك، وتسمحَ بتداول اللغة الكردية في أجهزة الإعلام المختلفة، وتعليمها في مدارسَ خاصة، وأعتقد أن المثال التركي يحمل معاني بالغة الدلالة، ليس من الحكمة تجاهلُها في سوريا التي يشكل الأكراد 11% من سكانها.

س7: كلمة أخيرة نختتم بها هذا اللقاء؟

ج7- أشكرُ مجلة Jîn التي خرجتْ عن مألوف الإعلام الحزبي، لتفتح صفحاتها أمام الآخرين في مهمةٍ نبيلة، سوف يكون من شأن تواصلها وتعميمها، لتقتديَ بها إصداراتٌ أخرى، إشاعة الشفافية واحترام الرأي الآخر، وتوفير فرص البحث عن الحقيقة، والاهتداء للموقف الصحيح بعيداً عن القناعات المسبقة.

×××××

وبفضل جهوده وجهود الخيرين في اعلان دمشق، وفي الذكرى الرابعة والأربعين لتطبيق مشروع الإحصاء العنصري، أصدر إعلان دمشق البيان التالي تضامناً مع ضحاياه المعذبين: 

بيـــان

في الخامس من تشرين الأول الجاري، تحل الذكرى الرابعة والأربعون للإحصاء الاستثنائي الذي جرى في محافظة الحسكة عام 1962، وتم بموجبه حرمان الآلاف من المواطنين الكرد السوريين من حقهم الوطني في الجنسية، وبذلك أصبحوا إما مجردين من الجنسية أو مكتومين يعانون الأمرين في حياتهم وحياة عيالهم نتيجة سياسة الظلم والتمييز التي عوملوا بها. يتعرض هؤلاء للاضطهاد والعسف مرتين: مرة لأنهم سوريون كسائر المواطنين السوريين في دولة الاستبداد والفساد والقمع للحريات العامة، ومرة أخرى لأنهم كرد حرموا من حقهم في الجنسية وضحايا سياسة التمييز المستمرة.

إنه يوم مشئوم لأكثر من ربع مليون مواطن هم اليوم ضحايا ذلك الإحصاء الذي حول حياتهم إلى سلسلة من المآسي الاجتماعية والإنسانية، وحرمهم إمكانية التعلم والعمل والعيش الكريم بهوية وطنية هي حق لهم. إضافة لما يشكله من اعتداء صارخ على حقوقهم الطبيعية، فقد ولد لديهم الشعور بالغبن الذي يمكن أن ينعكس على الوحدة الوطنية للبلاد ويهددها بأفدح الأخطار، ويسيء إلى العلاقات الأخوية بين المواطنين السوريين عربا وأكراد.

إن استمرار النظام بتجاهل هذه المشكلة وامتناعه عن إيجاد حل عادل لها لا يؤدي إلا إلى تفاقمها. خاصة بعد أن صارت قضية وطنية لا تهم أصحابها بالذات ولا المواطنين الكرد فحس، إنما تهمُّ جميع الوطنيين السوريين الذين يحرصون على مستقبل سورية ووحدتها أرضاً وشعباً.

إن إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، والذي تشكل الحركة السياسية والاجتماعية الكردية جزءاً منه، وتعمل في إطار توافقاته من أجل التغيير: يعلن تضامنه التام مع ضحايا الإحصاء المذكور من المواطنين الكرد. ويناضل من أجل منحهم حقهم في المواطنة والحصول على الهوية السورية كسائر المواطنين السوريين، وإزالة الغبن وكل ما ترتب عليه من آثار الاضطهاد والتمييز البغيضين عنهم.

ويدعو جميع المواطنين السوريين للمشاركة في التجمع السلمي في ساحة السبع بحرات بدمشق بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة من يوم الخميس 5 / 10 / 2006، الذي دعت إليه الهيئة العامة للتحالف الديمقراطي الكردي في سورية والجبهة الديمقراطية الكردية في سورية للمطالبة بحق الجنسية للمجردين منها.

لا… لاستمرار سياسة العزل والاضطهاد والتمييز بين المواطنين.

نعم… لرد المظالم إلى أهلها ومنح الجنسية لمن حرموا منها.

نعم… للدولة الديمقراطية التي توفر الحريات العامة والحقوق المتساوية لجميع مواطنيها، وتضمن لهم سبل العيش الكريم فوق أرضهم.

4 / 10 / 2006

لجنة المتابعة والتنسيق

لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

****************

جانب من الجنازة الجماهيرية للمرحوم إسماعيل عمر بتاريخ 18 – 10 – 2010م

هذا، وبتاريخ 18/10/2010، ونتيجة تعرضهِ لجلطةٍ دماغية مفاجئةٍ، فارقَ اسماعيلُ عمر الحياةَ عن عمرٍ ناهز الـ 63 عاماً أمضاها في خدمة شعبه الكردي وفي خدمة وطنه سوريا، وبوفاتهِ، فقدتِ الحركةُ الوطنية الكردية في سوريا وعمومُ الحركة السياسية في البلاد شخصيةً فذةً، صاحبَ سياسةٍ متزنة ورؤيةٍ موضوعية، لطالما أوصى السوريين بمختلف ألوانهم وأطيافهم بالتعايش والتسامح، نابذاً سياسة الاستعلاء والاقصاء، داعياً إلى نظام حكمٍ ديمقراطي تعددي ينتفي فيه الظلم والاضطهاد والحرمان ويتمتع الجميعُ بالحرية والمساواة.

بموكبٍ جنائزي جماهيريٍّ مهيبٍ، ووري الثرى يوم 19/10/2010 في مقبرة قرية قره قوي، بكتْهُ الألوف من أبناء شعبه حزناً وألماً على رحيله، رحيلِ رجلٍ استطاع أن يكسبَ حبّ واحترام أبناء شعبه كرداً وعرباً وسرياناً، ذاك الذي سيبقى رمزاً للوطنية ويخلّده التاريخ كشخصية وطنيةٍ لم يبخلْ في العطاء لشعبه ووطنه حتى آخر يومٍ من حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى