القسم العاممختارات

الحرب الأوكرانية بديلاً عن جبهة عالمية لمكافحة الفساد

د. آزاد أحمد علي*

تفاقم خطر الفساد على كل المجتمعات لدرجة أن ارتفعت صيحات شخصيات وازنة في العالم الحرّ لمواجهة هذا العدو المتجدد، عدو قديم ومعاصر، متوحش، يفتك بالمجتمعات على المستويين المحلي والعالمي؛ الفساد (corporation) بات غولاً يهدد الأمم والشعوب بالفقر والانحلال.

لقد بات الفساد ظاهرة عالمية ملاصقة للحكم غير الرشيد، ومتربط بالمنظومات الحاكمة بشكل عضوي، لدرجة باتا مترابطان ومتداخلان وشديدي التداخل بصرف النظر عن درجة مشروعية نظم الحكم المحلية والمركزية. فالنخب الحاكمة في جميع البلدان دون استثناء، والاستثناء فقط في درجاته ونوعيته، تمارس الفساد أو تسهل له الدروب.

وعلى اعتبار أن نخب الفساد الحاكمة متعاونون لنشر الفساد والافساد، هم مستثمروها والمستفيدون الأوائل منها، لذلك تطلبت مواجهة الظاهرة تكوين وتشكيل جبهة عالمية لمكافحة الفساد، جبهة مدنية وشعبية على مستوى شاهق من الوعي والتجربة. على الرغم من أن الأمم المتحدة اهتمت بموضوع الفساد بعقد مؤتمرات وتخصيص يوم 9 ديسمبر / كانون أول من كل سنة يوماً لمكافحة الفساد. وكذلك يدعي البنك الدولي أيضاً بأنه يكافح الفساد عبر نشاطات معلنة، إلاّ أنّ مكافحة الفساد لم يعد ممكناً إلا من خلال تضافر جهود جبّارة على المستويات الحكومية المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الأممية التابعة للأمم المتحدة، وذلك بقيادة شخصيات عالمية فاعلة؛ لترسيخ وتوجيه بوصلة العمل نحو مسار ربط مكافحة الفساد بدعم وتعزيز ونشر الديمقراطية في العالم.

هذا ما دعا إليه العديد من الأكاديميين والنخب الثقافية والسياسية النظيفة، وعملوا من أجل تنسيق الجهود. ولكن الحرب في أوكرانيا وعملية التحشيد الغربي – في إطار حلف الناتو، والتهويل بقرب حرب عالمية قوضت هذه الجهود نسبياً، لدرجة هنالك من يشكّ في أن الحرب الأوكرانية جاءت لتغطي على هذه الجهود في أحد أوجهها ووظائفها المتعددة. فهل الحرب في أوكرانيا هي حرب المافيات الحاكمة؟! حرب للتغطية على تفشي ظاهرة الفساد عالمياً؟ وهل للثنائي (بوتين – ترامب) من جهة و (زيلينسكي – بايدن) من جهة أخرى دور في اشتعال هذه الحرب للتغطية على عمل شبكة الفساد العالمي الحاكمة. وهل كانت أوكرانيا فقط بيئة للفساد في شرقي أوربا، أم أن الاتحاد الأوربي اضطر لحجز المعونات عن المجرّ بسبب تفشي الفساد في حكومتها؟ هل سيأتي يوم ويطلق على هذه الحرب، معركة السلطات الفاسدة، وحرب الامتيازات وسرقة خيرات الشعوب بطريقة مستجدة ومبتكرة. خاصةً أنّ الفساد قد استفحل بعد الحرب الأوكرانية في مجال نقل وتسويق الطاقة؟

أسئلة من الصعب الإجابة عليها وإعطائها حقها من البحث والتدقيق.

لذلك تظلّ حجّة الداعين لتأسيس جبهة عالمية لمكافحة الفساد قوية، حجتهم في أنهم يعدون ظاهرة الفساد أسوأ من الاحتكار، وكذلك من الرأسمالية حتى غير الليبرالية منها؛ بمعنى هي أسوأ أشكال الاستغلال للأفراد والمجتمعات عبر التاريخ، لأنها عمليات نهب واحتيال صريحة وكبرى…

مع ذلك أفترض أن النخب الواعية في العالم ستتجه لتأسيس هذه الجبهة – التيار لتقف أمام تغوّل الفساد واجتياحه للعالم بطوله وعرضه، لأن خطر الفساد مادي ومعنوي – أخلاقي ومهني، فهي في الجوهر تقويض لمنظومة القيم المدنية والحضارية وحتى الدينية التقليدية.

* جريدة الوحـدة – العدد /339/- 01 تشرين الثاني 2022م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى