نحو 7500 حالة اختطاف واعتقال تعسفي.. وأكثر من 2300 انتهاك آخر بحق الحجر والشجر
سياسة تركية ممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي.. وتخريب للإرث الحضاري وطمس للتاريخ السوري
المرصد السوري لحقوق الإنسان
“إحدى القرى الاستيطانية في عفرين”
تحل اليوم الذكرى السنوية الرابعة لـ “كارثة عفرين”، كارثة تمثلت بسيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لحكومة أردوغان على مدينة عفرين والنواحي التابعة لها بريف حلب الشمالي الغربي، بعد عملية عسكرية سُميت تجاوزاً بـ “غصن الزيتون”، بدأت في كانون الثاني/يناير من العام 2018 وأفضت إلى احتلال القوات التركية للمنطقة في 18 آذار/مارس من العام ذاته.
4 سنوات بالتمام والكمال مضت ومسلسل الأزمات الإنسانية والانتهاكات والفلتان الأمني يتفاقم شيئًا فشيئًا، فلا يكاد يمر يوماً بدون انتهاك أو استهداف أو تفجير وما إلى ذلك من حوادث، بدوره يواصل المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ اليوم الأول للعملية العسكرية التركية برفقة فصائل “غصن الزيتون” وحتى يومنا هذا، العمل على رصد وتوثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل هؤلاء بحق البشر والحجر والشجر، عبر أخبار وتقارير يومية تتحدث عن المأساة والكارثة الإنسانية بحق الأهالي وممتلكاتها وخيرات عفرين.
ليست مجرد أرقام…
دفع الاحتلال التركي لعفرين وريفها مئات الآلاف من أهلها -أي أكثر من 310 آلاف “بنسبة 56%” من الأهالي إلى النزوح والهروب من بطش الجماعات المسلحة الموالية لتركيا، بينما لم تسلم ممتلكاتهم من انتهاكات الفصائل الموالية لأنقرة، ومن اختار المكوث بعفرين من أبنائها رافضاً للتهجير، طالته يد الظلم والتنكيل والاعتقال وعانى شتى أنواع الانتهاكات، فعمليات الاعتقال مستمرة، والخطف بهدف الفدية متواصل، ومصادرة المواسم قائمة، والاستيلاء على المنازل والمحال والسيارات بات خبراً يومياً، وذلك في إطار قانون الغابة الذي تشرف عليه حكومة أنقرة، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى دفع من تبقى من أهالي المنطقة للخروج من مناطقهم بغية استكمال عملية التغيير الديمغرافي التي تسعى لها تركيا.
ووثق المرصد السوري استشهاد 639 مواطن كردي في عفرين بينهم 95 طفل و86 مواطنة في انفجار عبوات وسيارات مفخخة وتحت التعذيب على يد فصائل عملية “غصن الزيتون”، وفي القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التركي، وفي إعدامات طالت عدة مواطنين في منطقة عفرين، وذلك منذ الـ 20 من كانون الثاني / يناير من العام 2018 وحتى يومنا هذا.
كما وثق المرصد السوري منذ السيطرة التركية على عفرين وحتى مساء 17 آذار/مارس 2022، اختطاف واعتقال أكثر من 7497 من كورد عفرين، من بينهم 1300 لا يزالون قيد الاعتقال، فيما أفرج عن البقية بعد دفع معظمهم فدية مالية باهضة، تفرضها فصائل “الجيش الوطني” التابعة والموالية لأنقرة.
في حين تشير إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى توطين أكثر من 4180 عائلة من محافظات سورية أخرى في عفرين، بعد أن هُجروا أيضاً من مختلف المحافظات وأجبروا على النزوح، وذلك في إطار التغيير الديمغرافي من قبل الحكومة التركية، بعد الاتفاقات الروسية-التركية التي أفضت إلى تسليم عفرين للأتراك مقابل سيطرة النظام على الغوطة الشرقية، ولطالما حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من السياسة التركية الممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي في عفرين منذ احتلالها عقب تهجير أكثر من نصف أهلها، وتوطين آلاف العوائل فيها، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً.
انتهاكات بحق الحجر والشجر…
إلى جانب حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان على مدار 4 سنوات من الاحتلال التركي لعفرين، أكثر من 2318 انتهاك بأشكال عدة، توزعت على النحو التالي:
– 647 عملية استيلاء على منازل ومحال تجارية في عفرين والنواحي التابعة لها، من قبل عناصر وقيادات الفصائل الموالية للحكومة التركية، حيث تعود ملكية هذه العقارات لمهجرين من المنطقة بفعل عملية “غصن الزيتون” بالإضافة لمواطنين رفضوا التهجير.
– 364 عملية استيلاء على أراضي زراعية تعود ملكيتها لأهالي عفرين والنواحي التابعة لها.
– 202 حالة بيع لمنازل مهجرين كانت الفصائل قد استولت عليها بقوة السلاح، حيث تتم عملية البيع بأسعار زهيدة وبالدولار الأميركي تحديداً.
– 385 عملية “فرض إتاوة” من قبل الفصائل والمجالس المحلية على المدنيين، مقابل السماح لهم بزراعة أراضيهم وجني محصولها، وتتمثل تلك الإتاوات بدفع الأهالي لمبالغ مادية بالدولار الأميركي والليرة التركية، أو نسبة من أرباح المحصول أو كمية منه.
– 720 عملية قطع للأشجار المثمرة من قبل فصائل الجيش الوطني شملت قطع آلاف الأشجار المثمرة إن لم يكن عشرات الآلاف منها، لبيعها واستخدامها كوسيلة للتدفئة.
تخريب وطمس للتاريخ السوري
تتميّز عفرين بمواقعها الأثرية التي تعود إلى عصور مختلفة، وأبرزها مدينة “النبي هوري” وتبعد عن مدينة عفرين نحو 23 كلم، كما تضم “قلعة سمعان” الواقعة جنوب المدينة على بعد 20 كيلومترًا في القسم الجنوبي الشرقي، وتضم كنيسة مار سمعان التي كانت من أكبر كنائس العالم، إضافة إلى مناطق “جبل شيخ بركات” وجبل “برصايا”، ومدينة عين دارا الأثرية التي تتكون من آثار ومعبد يحتوي على تماثيل مختلفة، وغيرها من المواقع الآثرية، التي تعمد الفصائل الموالية للحكومة التركية على تجريفها وتخريبها وطمس هويتها والعبث بالتاريخ السوري ككل على مرأى ومسمع الأتراك وضلوع المخابرات التركية بذلك أيضاً.
ويذكر المرصد السوري بعضاً من الانتهاكات بحق التاريخ السوري في عفرين على مدار 4 سنوات من الاحتلال التركي لها، فقد تم سرقة قطع أثرية كثيرة جرى العثور عليها في موقع النبي هوري أو(سيروس) أو(قورش) والتي تعود إلى عدة حضارات أقدمها من الفترة الهلنستية عام 280 ق.م، و تجريف وتخريب كل من تل مرانيا في ناحية شيخ الحديد وتل لاق الأثري في ناحية شران وتل شوربة الأثري بناحية معبطلي وتل برج عبدالو الأثري، ومحيط “المدرج الروماني” عند قلعة النبي هوري في ناحية شران بريف عفرين، وتل عقرب بقرية جلمة وتل شيخ عبد الرحمن بناحية جنديرس وتل دودي الأثري في قرية ميدانكي بناحية شران وتل مرساوا وتل عين ديبة الاثري بمدينة عفرين، وموقع بئر الجوز الأثري بناحية معبطلي وتل قره تبه بناحية شران، وتل قه وقه بناحية راجو وتل حلوبية بمدينة عفرين وتل فراق والذي يقع بالقرب ناحية جنديرس بالقرب من نهر عفرين وغيرها الكثير من المواقع، وذلك بحثًا عن اللقى الأثرية والكنوز بهدف تهريبها وبيعها خارج سورية.
4 سنوات على احتلال القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها لعفرين وريفها، ولايزال المجتمع الدولي يلتزم الصمت حول الانتهاكات اليومية التي تجري في مناطق ما يعرف بـ “غصن الزيتون”، والتي ترتكبها الفصائل بحق أهالي وسكان عفرين وممتلكاتها، في مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان دون رادع يكبح جماح الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها، رغم التحذيرات المتكررة من قبل المرصد السوري مما آلت إليه الأوضاع الإنسانية هناك.
وعلى ضوء ما سبق، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالبته للمجتمع الدولي بالتدخل الفوري والضغط على الحكومة التركية والفصائل السورية التابعة لها لوقف الانتهاكات في عفرين وإنهاء الاحتلال التركي لها وعودة المهجرين إليها.