القسم العاممختارات

هجوم داعش على سجن الحسكة… إدانات واسعة له وإفشال مخططه

جريدة الوحـدة*

وفق تخطيط مسبق ومدروسٍ بإحكام، وعبر خلايا نائمة وقدوم عناصر من منطقتي سري كانيه/رأس العين و كري سبي/تل أبيض المحتلتين من تركيا، هاجم تنظيم داعش الإرهابي سجن غويران/الصناعة في مدينة الحسكة الذي كان يضم ما يقارب خمسة آلاف سجين من عناصره، وذلك بحدود الساعة السابعة مساء الخميس 20 كانون الثاني 2022م، حيث عمد المهاجمون إلى تفجير سيارة مفخخة عند البوابة الرئيسية للسجن وتفجير صهاريج محروقات بالقرب منه، وشنوا الهجوم من ثلاثة محاور مع تأمين السلاح لمن يتمكن الخروج من السجن، وفي ذات الوقت هاجم السجناء على العاملين فيه وحرّاسه وإدارته.

وقد خرج قسمٌ من السجناء ليتمركزوا في مباني مجاورة لجامعة الفرات مع بعض المهاجمين، بعد الحصول على السلاح.

من جهتها تحركت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والأمن الداخلي بشكلٍ سريع وطوّقت السجن ومحيطه والأحياء المحيطة به أيضاً، فاندلعت اشتباكات ساخنة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتدخلت أيضاً قوات التحالف الدولي بالطيران والمدرعات لمساندة «قسد» والأمن؛ جراء ذلك نزحت آلاف الأسر من سكّان حيي غويران والزهور في المدينة نحو الأحياء الآمنة.

إعلان السيطرة على السجن

في مؤتمرٍ صحفي، عقدته قيادة «قسد»، يوم الإثنين 31 كانون الثاني 2022م، تم إعلان السيطرة على السجن واستسلام عناصر داعش والانتهاء من نقل السجناء إلى مواقع أخرى.

وأضافت «قسد»: لو كُتِبَ لهذا الهجوم النَّجاح، لكان مخطّطهم مواصلة هجومهم على حيّي «غويران، والزّهور» وكذلك بعض مؤسّسات الإدارة الذّاتيّة المدنيّة والعسكريّة في المنطقة… ومن أجل ألا يلحق الأذى والضرر بأرواح ومنازل المواطنين في الحسكة، وكذلك لحماية الأطفال (أشبال الخلافة) المتواجدين في السِّجن، ولأنَّ مرتزقة «داعش» استخدموهم «كدروع بشريّة»، لهذين السببين تحرّكت قوّاتنا بحساسيّة عالية وتحلّت بصبرٍ طويلٍ وأناةٍ حيال التَّعامل مع الأوضاع، وهذا ما جعل العمليّة تأخذ وقتاً إضافيّاً.

وأوضحت، إنَّ مسؤوليّة الدّولة التركيّة في الهجوم وفي استمرار وجود داعش، هي الأكبر، لأنَّ هجمات تركيا على شمال وشرقي سوريّا، وتهديداتها الدّائمة لها، تمنح داعش القوّة المعنويّة، وإنّ منطقتي سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض الأكثر أمناً وحمايةً له، ليلتقط أنفاسه مجدّداً ويُدرب عناصره ويهيّئ الأرضيّة ليعيد تنظيم صفوفه.

وحول حصيلة تلك الأحداث كشفت «قسد» أن «داعش» عمد إلى تصفية /77/ من العاملين في مؤسسات السجن والحرّاس بشكلٍ وحشي، وفي الاشتباكات والمعارك خارج السِّجن خلال سبعة أيّام، سقط ضحايا قتلى /40/ من مقاتليها و /4/ مواطنين، ليصل أعداد الشهداء إلى /121/ شخصاً؛ فيما قُتل /374/ من عناصر داعش. إلى جانب أضرار مادية كبيرة في المباني والبنى التحتية والآليات، عدا الخسائر المادية العسكرية.

ولكن اشتباكات متفرقة أخرى وقعت مع عناصر داعش المتبقية، بعد هذا الإعلان، إلى أن انتهت وتم تمشيط أحياء الحسكة وتنظيفها من فلول داعش وتمكين الأهالي النازحين من العودة إلى منازلها.

إدانة الهجوم

معظم الأحزاب والقوى السياسية الكردية والمقرّبة من الإدارة الذاتية- شمال شرقي سوريا أدانت هجوم داعش على السجن ودعت للوقوف إلى جانب «قسد» والأمن الداخلي وحماية المدنيين، من بينها حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا الذي قال في بيان خاص بتاريخ 23/1/2022م: إنّ هذه العملية المخطط لها بعناية من قبل التنظيم الإرهابي لم تأتِ من فراغٍ، بل تقفُ وراءَها جهاتٌ إقليمية وداخلية متطرفة حاقدة، وتستهدفُ في جوهرها السّلمَ الأهلي الذي تنعمُ به مناطقُ الإدارة الذاتية، ولإثارة الفوضى والقلاقل وزعزعة الاستقرار وضرب حالة الوئام المجتمعي، لتبرير التدخلات الخارجية.

ودعا «الوحـدة» أبناء المنطقة الوقوف خلف «قسد» التي تحفظ الأمنَ والأمان، ودعا المجتمعَ الدولي وفي المقدمة منه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي إلى «إيجاد حلٍّ عاجلٍ لقضية معتقلي داعش في السجون وعوائلهم في مخيم الهول بمناطق الإدارة الذاتية، عبر تسريع عملية محاكمتهم وإعادة غيرُ السوريين منهم إلى بلدانهم».

ومن جهته دان مجلس سوريا الديمقراطية هجوم داعش والاعتداءات التركية المتكررة، وأكّد في بيان بتاريخ 24/1/2022م على أنّ تهديد داعش لم ينتهي، وخطره يزداد، وهذا يحتاج لتعاون دولي أكثر من السابق، وطالب بـ»استثناء المنطقة من العقوبات ودعمها اقتصادياً، وتوفير إمكانيات تأهيل البنية التحتية، لتوفير فرص العمل للناس وإبعادهم عن الفكر التكفيري»، وبـ»التعامل بجدية أكثر مع ملف الإرهاب بدءًا من تقديمهم للمحاكمات وانتهاء بعمليات إعادة التأهيل».

ودعا المجلس الأمم المتحدة إلى «تركيز اهتمامها على إنهاء الحصار عن مناطق شمال وشرق سوريا، من خلال فتح معبر رسمي لإيصال المساعدات الانسانية بنسبة مخصصة للمنطقة».

وعلى الصعيد الدولي، دانت واشنطن الهجوم، وأثنت الخارجية الأمريكية في بيان لها، في 23/1/2022م، على قوات سوريا الديمقراطية لاستجابتها السريعة والتزامها المستمرّ بالقتال ضد داعش في شمال شرق سوريا.

وقالت الخارجية إن الهجوم يسلط «الضوء على أهمية التحالف الدولي لهزيمة داعش وضرورة تمويله بالكامل لتحسين الاحتجاز الآمن والإنساني لمقاتلي داعش، بما في ذلك تعزيز أمن مراكز الاحتجاز»، «كما يؤكد الهجوم الحاجة الملحة على إعادة البلدان لمواطنيها المحتجزين في الشمال الشرقي من سوريا، وأن تعيد تأهيلهم وإدماجهم، وأن تحاكمهم حسب الاقتضاء».

وأكّد التحالف الدولي المناهض لداعش في بيان رسمي بتاريخ 23 كانون الثاني 2022م على أن الهجمات اليائسة لداعش تجعله أضعفاً، وأوضحت أن قوات سوريا الديمقراطية ردت فوراً على التهديد، ونفذت عمليات متواصلة بمساندة التحالف، حتى تمكنت من احتواء التهديد.

وقال اللواء جون برينان قائد قوات المهام المشتركة للتحالف: «يقف التحالف إلى جانب شركائنا في قوات سوريا الديمقراطية الذين قاتلوا بشجاعة وتصميم في الحسكة. إنّ هذه المشكلة هي ليست داخل هذه المدينة فقط، بل هي مشكلة عالمية تتطلب تضافر جهود العديد من الدول لتطوير حل دائم طويل الأمد».

الخارجية السورية تدين «قسد»

في بيان رسمي بتاريخ 22 كانون الثاني 2022م، دانت وزارة الخارجية السورية ما سمته «أعمالاً ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» تقترفها «القوات الأمريكية وميليشيات (قسد)»، بحجة أن «عصابات (داعش) و(قسد)» ارتكبت «مجازر بحق المدنيين وتدميراً هائلاً في البنى التحتية بمحافظة الحسكة»، علماً أن الضحايا في صفوف المدنيين لم تتجاوز الأربعة وكان نزوح المدنيين بسبب إرهاب داعش والقسم الأكبر منهم تم تأمينهم من قبل الإدارة الذاتية

ومن جهتها ردت الإدارة الذاتية على بيان الخارجية السورية هذا، عبر بيان لدائرة العلاقات الخارجية، ودانت فيه تصريحات الخارجية ووصفتها بالغير مسؤولة وأنها مضحكة ومثيرة للسخرية، وأنها شحن معنوي كبير لداعش.

الدفاع الروسية حذّرت

حذّرت وزارة الدفاع الروسية من أن إشراك القوات الجوية الأمريكية في عمليات القضاء على الإرهابيين الفارين من سجن في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا قد يؤدي إلى مقتل مدنيين.

وقال نائب مدير مركز حميميم التابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء أوليغ جورافليوف، في بيان صدر عنه مساء الجمعة 21/1/2022م: «من المرجح بدرجة كبيرة أن استخدام وسائل الاستهداف الجوية سيؤدي إلى تدمير منشآت للبنية التحتية للمدينة وسقوط ضحايا بين السكان المدنيين».

دون أن تبدي روسيا إدانتها لهجوم داعش أو تقف إلى جانب «قسد» في دحره، ونسيت أن طيرانها الحربي قد دمّرت ولا زال مناطق واسعة من سوريا في مشاركة عمليات الجيش السوري ضد المعارضة المسلّحة.

مجلس الأمن عقد جلسة خاصة

بناءً على دعوة للوفد الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة مساء الخميس 27/1/2022م، حول الوضع في شمال شرق سوريا، في ظل تباين المواقف بين أمريكا وروسيا وغيرهما؛ لكن وكيل الأمين العام ورئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فرونكوف استهل الجلسة بالتعبير عن القلق البالغ حيال الهجوم الذي شنه داعش على السجن، وقال: إن هذا الحادث الأخير يدل على الحاجة الملحة لبذل جهود دولية متضافرة لمعالجة قضية السجون والمخيمات في شمال شرق سوريا التي تحتجز مقاتلي داعش المشتبه بهم والأفراد الذين ينظر إليهم على أنهم على صلة بالتنظيم، بما في ذلك الأطفال، بطريقة فعالة ومستدامة.

الائتلاف السوري- الإخواني يتباكى

في تصريحٍ رسمي لدائرة الإعلام والاتصال، بتاريخ 26 كانون الثاني 2022م، تباكى الائتلاف السوري- الإخواني المعارض على حياة المدنيين في الحسكة، متناسياً حجم الدمار والقتل الذي خلّفه داعش في دولته المزعومة، وكذلك الإرهاب والخطر الدائم الذي يشكله التنظيم، واضعاً قوات الإدارة الذاتية- بناءً على طلب الاستخبارات التركية- في خانة الإرهاب الموازي لداعش بذريعة ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي يحاربه الدولة التركية منذ أكثر من أربعين عاماً.

وداع الشهداء

بعد إعلان السيطرة على السجن والكشف عن الشهداء الضحايا وسجلاتهم، بدأت مراسم تشييعهم في مدن وبلدات كوباني والحسكة وغيرها، بمراسم مهيبة وحضور الآلاف من المودعين، وسط التفافٍ وتأييدٍ جماهيري لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» في محاربة داعش والإرهاب، بينما بالتزامن مع ذلك شنت القوات والمسيّرات التركية هجمات متفرقة على القرى والمناطق الواقعة تحت سيطرة «قسد».

من جانبها أثنت «قسد» في بيان الإعلان على إبداء أبناء الحسكة (عرب وكُـرد وسرّيان وآشوريين) تعاوناً لا نظير له معها ومع قوات الأمن الداخلي، الذين دافعوا عن مدينتهم؛ وقدّمت شكرها لهم وطالبهم بالمزيد من الحذر واليقظة تجاه داعش.

هذا، وتتواصل دعوات إجراء تحقيق شفاف وكامل حول تلك الأحداث التي خلّفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، والكشف عن مكامن الخلل والاختراقات التي استفادت منها داعش، ومحاسبة المتورطين في التواطؤ مع داعش ومساعدته.

* جريدة الوحـدة – العدد /336/- 25 شباط 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى