إن السرد البسيط الذي ورد في افتتاحية العدد ٣٣٥ من جريدة الوحـدة، مُودعاً سنةً أُخرى من الأزمة السورية، وجعل من التمنيات والأحلام موطئاً لتحقيق الأهداف في السنة القادمة مستسهلاً في التعاطي السياسي، مما جعلنا أن نُقدم على توضيح رؤيتنا المُتواضعة للقراء الأفاضل بعينٍ نقدية وبِنية التصويب لبعض المواقف المُبهمة!! لنؤكد على ما كان يتميز به حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (استقلال القرار الحزبي، الحيادية والاعتدال في تناول المواضيع، النأي بالنفس من مُؤثرات قطبي هولير وقنديل…)، لما لقضية شعبنا الكُردي في سوريا -كما بقية الأجزاء- من حالة كُردية لها خصوصية وطنية سورية مُستقلة، وبُعدٍ قومي كُردستاني، يفرض على مختلف القوى والأحزاب التعامل الأخوي دون انحياز لطرف بعينه، بعيداً عن الشعارات والمُزاودات.
بدايةً، إن العمل السياسي يفرض على المرء التعامل مع الأحداث المتغيرة بمُنتهى العقلنة واستقراء الحدث، وأعتقد أنه من الخطأ السياسي الاعتماد على أُمنيات سردية، تضرعاً لسماء ليلة رأس السنة المُنصرمة – ولو بشكل رمزي- تأملاً بانتهاء أزمةً مُتنمرةً مُحيّرة الحلّ لكبار السياسة الدولية والإقليمية، والأُمنيات أضحت أحلاماً تغوص في ذات المكان وبنفس الهموم والمآسي مع أوضاع الحرب المُعقدة، وأنه على المتباكين على مصير الشعب السوري والمُتخاصمين فيما بينهم الابتعاد عن مصالحهم وصراعاتهم البينية على حساب مصالح البلد، والعودة إلى مراجعة وترتيب الأوراق والتموضع بغية العودة إلى الدور الوظيفي الطبيعي بالابتعاد عن سياسة النأي بالنفس عن سياسة الأمر الواقع، إنما التعامل مع القوى الفاعلة من خلال ورقة عمل جادة بدلاً من تثبيت منطق الأُمنيات والترجي والتبرير الطوباوية.
بالنسبة إلى العامل الذاتي، ماذا نفعل؟ وكيف نتحرك كسوريين؟ كيف نداوي الوجع والجرح النازف الذي علم على جسدنا؟ فالرهان عليه دون العامل الموضوعي! قولاً واحداً هو ضربٌ من الخيال السياسي، لأنه عندما تم تدويل القضية السورية، بعدما تم عسكرتها وأرهبتها وأمكن كل فردٍ أو طرفٍ استخدم السلاح وعَنف الآخر بسخاء، مُحلَلاً لاحتلالات أجنبية تحكمت بمصير وإرادة السوريين!
إن هذه الحالة الاستعصائية لحربٍ مسعورة مستمرة لأكثر من عقد، تلح على قواها الوطنية الغيورة لإيجاد صيغة توافقية تعاونية مع أطراف خارجية تتقاطع مصالحها مع مصالح السوريين، ضد تغوّل المُستبدين والمُتزعمين لميليشيات متطرفة جهادية تحوّلت لمرتزقة، وتحديد المسؤولية الشخصية والجماعية للمُتسببين بإحداث صراعات الأزمة؛ وإنتاج حالات تحالف محلية مُعارضة للواقع، بعيداً عن الكراهية والعنف، من شأنها التنسيق مع قوى وفعاليات خارجية تهمها حقوق الشعوب وفق ضوابط القانون الإنساني الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، في سبيل مُحاسبة نظام فاسد وديكتاتور دُعم ضد شعبه دون حياءٍ يُذكر، نتيجة تواطؤ دولي إقليمي واضح، إضافةً إلى مُحاسبة الجماعات الراديكالية المتطرفة التي تعبث بممتلكات السوريين الخاصة والعامة، بتحوّلهم إلى مرتزقة تعمل لحساب عدو الشعب السوري، المّتمثل بالدور الرئيس للدولة التركية المُحتلة وإرهابي نظام العدالة والتنمية الفاشي، بدعم من الدول الضامنة في أستانا وبعض دول حلف الناتو!
أما الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والتي خسرت ثلاث مناطق كُردية مُهمة! تبقى بالفعل مكسباً للكُـرد والمجتمعات المحلية التي عانت من الاستبداد لعقود ومن حكم الميليشيات الإرهابية لسنوات مضت، إلا أن الواجب والمسؤولية ذات الشراكة الحقيقية في الإدارة تفترض ان تكون مواقف حزب «الوحـدة» أكثر وضوحاً بدلاً من إتباع أغلب شخصيات قيادته مواقف تبريرية لسياسات خاطئة تضرّ بمصلحة الشعب وقضاياه المصيرية، مع التأييد لها، رغم نواقصها وسلبياتها وفسادها ونمطيات الحزب الواحد الشمولي وطبائع استبدادها، تحت حجج «الرؤية الإيجابية، ووجودها أفضل من عدمها»، خاصةً كون الحزب جزء سياسي غير فاعل من الإدارة، فالملف الاعلامي يحتوي لمواقف تبريرية ومنحازة عديدة تعود لشخصيات قيادية للحزب تثبت ذلك، كما هو الحال التغاضي عن الدور الإشكالي التخريبي لمنظمة الشبيبة الثورية التي لا حدود ولا قيود لتصرفاتها اللامسؤولة، الخارجة عن سيطرة القوانين والأنظمة المطبقة؛ النقطة الأخرى تتمثل في كيفية التعامل الشبه المتخندق مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في العلاقة الإشكالية مع بعض الأحزاب الكردستانية، مع كلٍ من قنديل وأربيل في العديد من المواقف؛ الموضوع الثالث هو انضواء «الوحـدة» الهش لمجلس سوريا الديمقراطية «مسد» كمظلة سياسية لقوات سوريا الديمقراطية « قسد»، فيما تُجرى حواراته ولقاءاته مع ممثلي الدول والمنظمات الاقليمية والدولية من جهة، ومن جهة ثانية مع النظام السوري، غالباً دون مشاركة ممثلي الحزب! ناهيك عن مفاصل سياسة تلبي حاجيات الشعب اليومية… الخ.
أما بالنسبة لقادة «قسد» العسكريين ذوي العقلية الغير الكفؤة، فهم يرتكبون أخطاء مفتقرة لأساليب المناورة والتكتيك…الخ، التي قد تُحرم الكُـرد في سوريا من حقوقهم القومية المشروعة، أوّلها أسلوب وتوقيت الانسحاب من عفرين وريفها، وليس آخرها الاختراق العسكري والأمني الذي حصل مؤخراً في أحداث سجن الصناعة بحي غويران- الحسكة، والتساهل مع العناصر السورية الداعشية، وافتقاد الفرصة والدعم الدوليين؛ خاصةً بعد خسارتهم معارك غير متكافئة من حيث القوة والعتاد العسكري مع دولة عضو في حلف الناتو، التي شنت حروباً أدت إلى احتلال ثلاث مناطق كُردية غير آمنة حالياً، ويسودها الإرهاب والفوضى، كما هو حال عفرين التي نهايتها غير معروفة، وحصل هذا الحال المأساوي كنتيجة لامتحان عسكري غير مُتكافئ ومُرتبط بأجندات وتوازنات إقليمية ودولية ما.
أما بخصوص حالات الطوارئ الاستثنائية، التي أصبحت حالات طبيعية لإدارة لا تقبل المُشاركة الحقيقية لقوى وأحزاب- حتى الحليفة والمُرخصة من قبلها، فلا بد من نبذ العقلية العسكرية الاستبدادية والكف عن حشد طاقات شبابية مُنفلتة في مواجهة المُختلفين، وإيقاف تجنيد قاصرين واعتقال النشطاء والتهجم على مقرات إعلامية وحزبية، كانتهاكات تساهم في خلق الفوضى والذعر. المطلوب هنا، مُناهضة هذه الأفعال الشنيعة وليس تبريرها، والعمل على مُحاسبة فاعليها كواجب أخلاقي ووطني وقومي، فدعم وحماية هذا المكسب «الإدارة الذاتية» يفترض إجراء مراجعات وإصلاحات لسياسات عفى عليها الزمن، نحو تغيرات بُنيوية، وفق قواعد ولوائح تنظيمية تحترم دور مؤسسات الإدارة، وهذا لا يعني بأن نبقى محكومين بالأمل فقط لما بعد العام الجديد، إن كُنّا غيارى على مصلحة شعبنا، بل يتوجب العمل على وضع حدٍ للانكسارات والانهزامات وتأسيس أرضية عمل جديدة تحترم إرادتنا، وترتيب أولويات مؤسسات إدارية كُردية مُتماسكة، في إطار دولة تعددية لا مركزية، تتجه نحو السلم والحرية والمساواة، دون عنف وقمع وتمييز، بعيداً عن التخندق والمهادنة دون مقابل لصالح جهة شمولية حديثة المنشأ.
أما ما يخص الكُـرد في سوريا، صحيحٌ أن للأزمة إيقاعاتٌ وأنغام أخرى، يتعدى دور حكومة أنقرة الإرهابية، الأفعال العُنفية والعدائية التي تُمارسها قوتها العسكرية وميليشياتها في المناطق الُكردية المُحتلة ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها التطهير العرقي الذي يرتقي لمستوى الإبادة الجماعية، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي شامل، يُعاقب عليها وفق لوائح حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي إن توفرت محاكم خاصة بها، مع اليقين التام بأنها أفعال وأعمال مُنسقة مع الداعمين وحكومات اُخرى، وإن كان فاعلها القوات التركية والميليشيات المرتبطة بها وبدعم مُباشر من الائتلاف الإخواني وحكومته المؤقتة، اللذين لا يختلفان عن عنصرية النظام قيد أُنملة.
أما ما يقترفه المجلس الوطني الكُردي وما سُميت بالمجالس المحلية المُشكّلة من بعض الكُـرد مع الأسف! يستدعي التوقف على الحقائق بجدية تامة وإعادة صيغة ترتيب البيت الكُردي وفق مقتضيات المصلحة الوطنية والقومية لشعبنا.
* جريدة الوحـدة – العدد /336/- 25 شباط 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).