تنصدم وتبكي، تصول وتجول وتترجى بحثاً عن فلذة كبدها المغيب/ة فجأةً؛ ألمها يُحركها وحدسها يُدلها إلى أين تتجه، ولكن دون جدوى، وأحياناً تُرد بالمهانات!
هل من عاقلٍ، صاحب وجدانٍ وضمير يلوم تلك الأمهات المكلومات الفؤاد اللواتي افتقدنّ أغلى ما عندهنّ! في وقتٍ رأينَ فيه أطفالهن قد يفعوا كالورود وعلى أبواب أن يكونوا سنداً لهنَّ في أتون الحياة.
ذوي بعضهم اعتصموا لساعات أمام أبواب مقرّ الأمم المتحدة في قامشلو، بمطالب عادلة وبتسليطٍ إعلامي، دون مضايقات، بينما في المرّة الثانية مُنع الاحتجاج واعتقل إعلاميون لساعات!
القصة متواصلة، وهي تتكرر في حلب ومناطق النزوح شمالها، وفي مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات، بين الكُـرد تحديداً، قُصّر يؤخذون من أمام المدارس أو أماكن العمل واللعب، دون علم أوليائهم؛ أحياناً يتم إراءة القاصر لوالديه مرةٍ واحدة، ويُخير بين العودة إلى البيت أو الانخراط في صفوف الشباب المنظّمين، في حالةٍ من المزاج والتخيلات المشوشة.
بما يشبه الاختطاف الذي يُعدّ جريمةً بحق الطفولة وحقوق الإنسان، تحت أي غطاءٍ كان، فلا مسوغات أخلاقية أو قانونية أو سياسية لإقحام القاصرين في التدريبات الإيديولوجية والعسكرية تمهيداً لضمهم إلى صفوف المقاتلين، وهم دون الثامنة عشر من العمر، مهما كانت مشروعية وعدالة القضايا التي يدافعون عنها.
الروايات تؤكد على أن «الشبيبة الثورية- جوانن شورش گر» التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD الحاكم في الإدارة الذاتية تقوم بتجنيد قاصرين دون موافقة أوليائهم؛ فلم يُوضع حدٌ لهذه القصة، رغم إقرار قانون التجنيد الإلزامي في السنوات الأولى من تأسيس الإدارة الذاتية وتنفيذه إلى الآن.
بالعودة إلى المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تُشكل مرجعاً أساسياً في حماية حقوق الإنسان، فإن اتفاقية حقوق الطفل تنص على أن الطفل هو «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة» ولا يجوز فصله عن والديه على كره منهما ويتوجب احترام حقوق وواجبات الوالدين.
وينص البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة على عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في القوات المسلحة.
وحدد مجلس الأمن الدولي تجنيد الأطفال انتهاكاً جسيماً ضدهم، وحظر في قراره 1261 (1999) التجنيد القسري أو الإلزامي للأطفال، وندد في قراريه 1612 (2005) و 2143 (2014) تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الأطراف المسلحة.
بينما نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يصف التجنيد الإلزامي أو الطوعي للأطفال دون الخامسة عشر من العمر جريمة حرب.
الطفل بحاجة لتوفير الضروريات للنمو، كالصحة والتربية والعاطفة والغذاء والمأوى، وشروط حياة آمنة؛ يتوجب أن ينتمي إلى المدرسة وليس إلى حمل السلاح؛ أن يتسلّح بالأقلام والكتب المدرسية وليس بالبنادق والقنابل اليدوية.
وفي حال انفصال الطفل عن بيئته العائلية لأي سببٍ كان أو بناءً على مصالحه الفضلى، تُسند رعايته إلى مؤسسات اجتماعية متخصصة التي تُبقي للطفل علاقات منتظمة واتصالات مباشرة بوالديه أو ما هو أقرب في حال غيابهما.
رُبَّ قائلٍ يبرر هذه القصة، بأن حجم تجنيد الأطفال لدى الإدارة الذاتية بالمقارنة مع ما هو لدى الجماعات المسلحة المعارضة والموالية للنظام لا يشكل شيئاً… ولكن الانتهاك موصوف بالقليل كان أو الكثير، ومن الأولى أن لا يُرتكب في ظل إدارةٍ تُعلن التزامها بالديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي وأنشأت مكاتب للدفاع عن الأطفال.
ياسادة الحزب والإدارة الذاتية الكرام… يبقى تجنيد القاصرين موضع استهجان وإدانة، طبيعي أن يلجأ ذوي القاصرين المجنّدين لأيٍ كان بحثاً عنهم ويرفعون أصواتهم للمطالبة بإرجاعهم، وأن تُستغل هذه القصة من قبل خصومكم وتؤجج ضدكم؛ عليكم واجبات ومسؤوليات، فالحلُّ أمرٌ يسير، يبدأ بالإعلان الصريح عن منع تجنيد القاصرين ومعاقبة القائمين به وإعادة من زُجّ بهم في المعسكرات إلى أهاليهم، ليس بالتطنيش والتطفيش والإنكار أو القمع وتخوين المطالبين بإنهاء هذا الانتهاك الجسيم!
* جريدة الوحـدة – العدد /335/- 24 كانون الأول 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).