القسم العاممختارات

توجهات وقوى تكفيرية سلفية وعنصرية ماضية باتجاه مزيد من الفتن والحروب المحلية

الافتتاحية*

صحيحٌ أن الإرهاب المتمثل بالقوى التكفيرية التفجيرية وكذلك التمييز العنصري هو آفة وتخلف يشكلان خطراً داهماً يُهدد حاضر ومستقبل المجتمعات، ثبت للقاصي والداني أن الإسلام السياسي من أبرز حوامله الرئيسية، ولكن الدول الكبرى والمجتمع الدولي لم يحسم بَعد قراره وبشكلٍ مشترك وجدي في العمل على إنهائه وتحقيق فصل الدين عن الدولة والسياسة ومساعدة الشعوب المقهورة في إقامة أنظمةٍ وطنية تعددية ديمقراطية، لا أن تنتقل من استبدادٍ إلى آخر؛ بل وتتعامل مع أزماتها وفق منطق المصالح وصراعاتها البينية واستمرارية صناعة الأسلحة وبيعها واستغلال ثروات بلدانها.

وفي سوريا منذ تفجُّر أزمتها في 2011م، غيّر الإخوان المسلمين وأتباعهم وبرعاية تنظيمهم العالمي مسار الحركة الاحتجاجية السلمية نحو التسلّح والعسكرة والأسلمة، بمشاركة تنظيمات القاعدة، ودعم دولٍ عديدة، تركيا وقطر وغيرهما، فاكتملت دائرة العنف المضاد مع عنف النظام الشديد، ووقع ما وقع من مآسي وقتل ودمار وتشرُّد وانهيارٍ اقتصادي واجتماعي.

ولا تزال ميليشيات القاعدة والإسلام السياسي المتطرف تُسيطر على مناطق واسعة من شمال سوريا، التي تُشكل خطراً حقيقياً على حاضر ومستقبل البلاد، وهي عقبة كأداء أمام أي حلٍّ سياسي لأزمتها، علاوةً على دعمها وحمايتها بقوة من قبل تركيا العدالة والتنمية، على حساب دور ووجود القوى الوطنية المؤمنة بالتعددية والديمقراطية، وبحقوق الإنسان وجميع المكونات.

لا يُستغرب من انسحابٍ أمريكي مفاجئ من سوريا، ووقوع قوات «قسد» بين فكي كماشة التنظيمات الإرهابية والجيش التركي، وإعادة انتشار تنظيم داعش، وتمدّد قوى الظلام والإرهاب داخل سوريا مرةً أخرى، فتتحول البلاد إلى إمارةٍ إسلامية أخرى تحكمها هيئات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتدخل في تناحرات وحروبٍ بينية قذرة بغطاء ديني مذهبي أو قومي وإثني لتشتعل المنطقة بنيرانها، ما لم تتضافر القوى الوطنية وتُفعِّل الحوار السوري السوري وتُطوِّر العمل المشترك وتقطع الطريق على ذهنية التخلف والعقائدية المتزمتة، بالاعتماد على الذات بشكلٍ أساسي ودون الرهان على الخارج.

في هذه المرحلة التاريخية الحساسة والخطرة، يتعين على النظام السوري المضي قدماً في مفاوضات الحلّ السياسي لأزمة بلدنا، بالتعاون الجدي مع فريق غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وتفعيل الحوار مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وقوات «قسد» والاعتراف بها، والسير نحو حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتهيئة الظروف واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعودةٍ طوعية آمنة أمام النازحين والمهجرين إلى ديارهم وإلغاء قوائم المطلوبين للأفرع الأمنية مع حصر التحقيق في الجرائم المرتكبة بالقضاء، وقبلها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وكذلك مكافحة الفساد ومنع الحواجز الأمنية والعسكرية من فرض الرشاوى والأتاوى وتنظيم الضرائب بشكلٍ عادل ورفع الأجور والرواتب، إلى ما هنالك من إجراءات فورية وعاجلة تُمكِّن الشعب من تنفُّس الصعداء، وتضع حداً للاستنزاف الاجتماعي والاقتصادي؛ وليس الاستمرار في الخيار الأمني والعسكري وحراسة أرياف ومدن فارغة من أهاليها، والتمادي في الغرور والاستعلاء، وما الحديث الجديد عن لامركزية الدولة إلاّ خطوةً نظرية في الاتجاه الصحيح، تتطلب خطوات عملية، أولها صياغة دستور عصري حضاري يضمن حقوق الإنسان وكافة المكونات القومية والإثنية والدينية ويحفظ وحدة البلاد؛ في وقتٍ خطر التطرف والإرهاب قائمٌ فيه وداهم، والتنظيمات التكفيرية على أهبة الاستعداد للانقضاض على الوطن والمواطن دون أن تستثني أحداً.

* جريدة الوحـدة – العدد /332/- 19 آب 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى