ليلة الـ 24 نيسان عام 1915م، قامت الحكومة العثمانية باعتقال أكثر من /200/ من خيرة القادة المثقفين وكبار المسؤولين الأرمن في القسطنطينية/استنبول الحالية، وبعدها بفترة اعتقل أيضاً المئات غيرهم، وتم إرسالهم إلى سجون الداخل في الأناضول، حيث تم تصفيتهم جميعاً؛ فاعتبر ذاك اليوم لدى الأرمن ذكرى مؤلمة لمجازر جماعية وتطهير عرقي طالهم خلال أعوام 1915-1918م.
وبمناسبة الذكرى /106/ لتلك الإبادة الجماعية 24 نيسان هذا العام، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن بياناً رسمياً تضمن اعترافاً بها، وذلك بعد عامين من اعتراف الكونغرس الأمريكي بها وامتناع الرئيس السابق دونالد ترامب عن إقراره. إذ قال بايدن، الرئيس الأمريكي الأول الذي استخدم عبارة «الإبادة الجماعية»: «في مثل هذا اليوم من كل عام نحيي معاً ذكرى هؤلاء ممن فقدوا أرواحهم في الإبادة الجماعية الأرمنية أثناء العهد العثماني، كما نجدد التزامنا في الوقت عينه لمنع تكرار فظائع مماثلة مرةً أخرى. ابتداءً من يوم ٢٤ أبريل نيسان من العام ١٩١٥، ومع اعتقال المفكرين وقادة المجتمع الأرمني في القسطنطينية من قبل السلطات العثمانية آنذاك، تم ترحيل وذبح مليون ونصف المليون أرمني في حملة إبادة ممنهجة. نحن نكرم ضحايا Meds Yeghern حتى لا يضيع التاريخ أبدًا أهوال ما حدث. ونتذكر حتى نظل يقظين دائمًا ضد التأثير المدمر للكراهية بجميع أشكالها…. الشعب الأمريكي يكرم اليوم جميع الأرمن الذين سقطوا في الإبادة الجماعية التي بدأت في مثل هذا اليوم قبل 106 سنوات».
وبذلك تجاوز عدد الدول التي اعترفت بالإبادة الجماعية الأرمنية للـ /30/، من بينها سوريا التي أقرّ برلمانها (مجلس الشعب) في جلسته المنعقدة يوم الخميس 13/2/2020 بإدانة الجريمة والاعتراف بها.
وبهذه المناسبة أيضاً قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة باللغة الأرمنية على حسابه الرسمي في تويتر مرفقة بصورة له من أمام نصب الراهب كوميداس الشهير وسط باريس والمخلد لذكرى الإبادة الأرمنية: «في 24 أبريل، يوم ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، لن ننسى». وأضاف: «سنحارب معا ضد النفي والكراهية والعنف… الشعب الفرنسي والشعب الأرمني مرتبطان إلى الأبد».
كما أصدر رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، بياناً بهذه المناسبة، جاء فيه:
((أظهرت الإبادة الجماعية الأرمنية للعالم التكلفة غير المعقولة للتقسيم والإقصاء والكراهية. كندا تعارض بشدة وتدين الكراهية والتعصب وكراهية الأجانب. اليوم، نعيد تأكيد التزامنا بالحقوق الأساسية والكرامة لجميع البشر، ونلتزم بمواصلة العمل مع شركائنا للتأكد من عدم تكرار مثل هذه الفظائع مرة أخرى.
في هذه الذكرى الحزينة، أدعو جميع الكنديين إلى للوقوف لتذكر الضحايا وأولئك الذين نجوا من أهوال الإبادة الجماعية الأرمنية. سنواصل تكريمهم من خلال محاربة الكراهية وحماية الفئات الأكثر ضعفا والعمل على جعل عالمنا أفضل بكثير.)).
أما رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، فقد أصدر بيانا بمناسبة الذكرى /106/، حيّا فيه أرواح مليون ونصف مليون شهيد، وقال:
((لقد نُفذت أول إبادة جماعية في القرن العشرين قبل 106 سنوات من قبل حكومة تركيا الفتاة التابعة للإمبراطورية العثمانية… ولن ندع العالم ينسى أنه في 24 نيسان أبريل 1915، تم إلقاء القبض على المثقفين الأرمن والحكم عليهم بالإعدام. تم قطع رؤوس النخبة الفكرية والثقافية للشعب. حرم الشعب الأرمني من حق العيش في مهده. تعرض الأرمن للمجازر وطُردوا من وطنهم وتكبدوا خسائر غير إنسانية وغير مسبوقة. إن الضرر الذي لحق بالتراث الثقافي والديني لشعبنا لم يلقى له مثيل.
حُرم اليونانيون والآشوريون واليزيديون أيضا من أوطانهم التاريخية… تم القضاء على تلك الشعوب الشقيقة وحُرموا من حق العيش في موطنهم الأصلي.
لا يمكن إنكار أن إدانة الجريمة هي وحدها التي ستوقف الجرائم الجديدة في المستقبل، ونحن نقدر تقديراً عالياً اعتراف مختلف بلدان العالم بالإبادة الجماعية الأرمنية.)).
هذا ورحب باشينيان بـ «القرار التاريخي» بالاعتراف رسمياً بالإبادة التي تعرض لها الأرمن، وشكر الرئيس جو بايدن في رسالةٍ على موقع فيس بوك «هذه الخطوة القوية جداً لصالح العدالة والحقيقة التاريخية» والتي توفر «دعماً لا يقدر لأحفاد ضحايا الإبادة الأرمنية».
بينما تركيا منذ وقوع تلك الجرائم ترفض الاعتراف بها، وتستنكر كل من يدينها، بل تحاول الحكومات التركية المتعاقبة إخفاء آثار وتداعيات الإبادة الأرمنية الجماعية للتنصل من المسؤوليات السياسية والقانونية والأخلاقية عنها. وإثر اعتراف جو بايدن هذا العام، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الأميركي في أنقرة ونقلت له «رد فعل قوي» وقالت إنها أبلغت السفير بأن بيان بايدن ليس له أساس قانوني وأن أنقرة «رفضته باعتباره غير مقبول ونددت به بأشد العبارات»، إضافةً إلى تصريحات رافضة عديدة لمسؤولي تركيا.
وإذا كان الأرمن يجنون من كفاحهم الطويل، رغم أن الطريق طويل أمام تحقيق العدالة وإنصافهم؛ متى سيتم محاسبة النظام التركي على المجازر التي ارتكبها بحق الكُـرد أيضاً من قتل عشرات الألوف وتهجير قسري للملايين من مناطقهم الكردستانية التاريخية وغيرها من جرائم ضد الإنسانية ارتكبها بحقهم ولا زال؟!
———
المصادر: أخبار الأرمن- https://khabararmani.com/، وكالة أرمنبرس.
* جريدة الوحـدة – العدد /329-330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).