ترحيل آلاف اللاجئين السوريين من استنبول إلى سوريا… والائتلاف السوري المعارض ينفي الوحـدة*
دأبت حكومة أنقرة على استخدام ورقة اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا باستمرار خلال سنوات الأزمة السورية في صراعاتها مع الدول الأخرى وفي تبرير الكثير من أجنداتها واعتداءاتها على مناطق سورية.
فقد أشار وزير داخليتها إلى وجود /3/ ملايين و/630/ ألف سوري تحت بند الحماية المؤقتة في تركيا، إضافةً إلى مئات آلافٍ ببطاقات إقامة؛ ورغم أن هذا الحجم يشكل عبئاً على الدولة، ولكن من جانب آخر، يعيش في المخيمات أقل من/250/ ألف لاجئ سوري، والبقية يعتمدون على العمل والأعمال المختلفة في مجالات السياحة والتجارة والصناعة والزراعة وغيرها، فهم منتجون ويرفدون الاقتصاد التركي بناتج لابأس به، كما أن الحكومة التركية ابتزت حكومات الاتحاد الأوربي بمشكلة المهاجرين فاضطرت لتدفع لها مبالغ مالية طائلة إلى جانب تلك المساعدات التي تُقدمها هيئة الأمم المتحدة ودول من «مجموعة أصدقاء سوريا».
ومن المعروف أيضاً أن تركيا تعمل على إحداث تغيير ديمغرافي في منطقة عفرين المحتلة، إذ تدفع بالمزيد من مٌهجري مناطق سورية أخرى والمرحلين للتوطين فيها بدلاً عن المهجرين قسراً من سكان عفرين الأصليين.
هذا وقد طفح على السطح خلال شهر تموز وأثارت جدلاً واسعاً عمليات ترحيل آلاف اللاجئين السوريين من استنبول وإعادتهم بشكل غير طوعي إلى سوريا، منطقة عفرين ومحافظة إدلب التي تشهد أعمال قتالية وفقدان الأمان والاستقرار في ظل هيمنة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)- تنظيم القاعدة؛ عمليات ترحيل قسري تُعد مخالفةً للقانون الدولي الإنساني.
منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، نشرت تقريراً في 29 تموز 2019 بعنوان «تركيا: عمليات إعادة غير طوعية بحق آلاف السوريين»، وجاء في ملخصه التنفيذي: «تعرّض آلاف اللاجئين السوريين في عموم تركيا وفي مدينة إسطنبول بشكل خاص، إلى عمليات ترحيل جماعية وإعادة قسرية إلى الأراضي السورية، وذلك في إطار الحملة الأخيرة التي شنّتها السلطات التركية ضدّ من وصفتهم بالمخالفين لقوانين بلادها، والتي بلغت ذروتها خلال شهر تموز/يوليو 2019، ويبدو أن الحملة اشتّدت عقب تصريح وزارة الداخلية التركي “سليمان صولو” بتاريخ 13 تموز/يوليو 2019، أثناء اجتماع خاص مع إعلاميين وناشطين عرب، حيث كان قد صرّح بأنّ من “كان يقيم في إسطنبول وهو لا يملك حتى الآن أية إقامة وأو كيملك (مخالف) فهو معرض للترحيل إلى بلده، كما أن المقيم بإسطنبول ومسجل كلاجئ أصلاً بولاية أخرى سوف يتم ترحيله إلى تلك الولاية».
وعلى عكس تصريحات الوزير، فقد وثّقت المنظمة، العديد من الحالات التي تمّ ترحيل سوريين فيها إلى إدلب رغم امتلاكهم لبطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” والصادرة من إسطنبول.
وأضاف التقرير: «لم تخلُ الولايات التركية الأخرى من حملات تفتيش وتدقيق، إلاّ أنّ الحملة الأشد كانت في إسطنبول، حيث شرع مئات العناصر من الشرطة بالانتشار في مداخل ومخارج المواصلات العامة والشوارع، كما قاموا بدخول المنازل، وخاصة في الأماكن ذات التجمعات العالية للسوريين في مدينة إسطنبول، وسرعان ما فوجئ لاجئون سوريون كانت قد اضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك بلادهم، والتوجه إلى تركيا أملاً في عيش حياة آمنة، بتوقيف السلطات التركية لهم وترحيلهم إلى محافظة إدلب، دون أن تفسح لهم المجال للنقاش أو حتى أخذ أغراضهم الشخصية أو إخبار عائلاتهم على الأقل، حيث روى العديد منهم لـ «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، بأنهم وقعوا وثائق العودة الطواعية تحت الضرب والتهديد الذي كان يمارس عليهم من قبل عناصر الشرطة التركية، كما تحدّث العديد منهم عن سوء المعاملة التي تلقوها من قبل هؤلاء العناصر».
وقالت المنظمة: «بحسب موقع تلفزيون سوريا المعارض، فقد بلغ عدد المرحلّين من قبل السلطات التركية عبر معبر باب الهوى “8750” شخصاً، تمّ ترحيل “4380” شخصاً منهم منذ بداية شهر تمّوز/يوليو 2019، حتى تاريخ 24 منه، وتمّ ترحيل “4370” شخصاً في شهر حزيران/يونيو 2019. وكان المصدر قد نقل هذه الأرقام عن “مازن علوش” مدير العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى».
كما أوضحت: «تنوعت الأسباب التي قامت بموجبها السلطات التركية بترحيل هؤلاء اللاجئين، حيث تمّ ترحيل بعضهم بسبب عدم امتلاكه بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) بتاتاً، فيما تمّ إعادة بعضهم قسراً إلى الأراضي السورية، لحيازته بطاقة حماية مسجّلة في ولاية أخرى غير المقيم بها، وذلك خلافاً للتصريح الذي أدلى به وزير الداخلية التركي والذي قال فيه بأنّ هؤلاء سيتم ترحيلهم إلى ولاياتهم. وفي مدينة إسطنبول لم يسلم حتى اللاجئين السوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) والمسجّلين في المدينة ذاتها، من إعادتهم قسراً إلى بلادهم، حيث تمّ تسجيل ترحيل عدد من هؤلاء رغم حيازتهم (كيملك) إسطنبول، دون أن يتم اعلامهم بالأسباب التي استوجبت ذلك.»
حالة من القلق والخوف طالت اللاجئين السوريين، خاصةً في مدينة استنبول، إذ بات أغلبهم يلتزمون منازلهم تجنباً لأي احتمال للترحيل الذي يطال الرجال والنساء والأطفال، فالكثيرون توقفوا عن الذهاب إلى العمل وبعضهم خسر مصدر رزقه الوحيد إثر حملة الترحيل، على الرغم من أنهم المعيلين الوحيدين لعائلاتهم، وفضّلوا أن يصبحوا حبيسي المنزل على أن يعودوا مرة أخرى إلى بلادهم، حيث مازال العديد منهم ينتظر ويعيش على أمل تسوية أوضاعهم القانونية عمّا قريب.
وقد أدرجت المنظمة شهادات من لاجئين سوريين تمّ ترحيلهم مؤخراً في تقريرها المنشور، وتعتبر حالات مأساوية حقاً.
إن تلك الإجراءات التعسفية بحق اللاجئين تثبت للمرة الألف أن حكومة أنقرة تبحث عن مصالحها وتلهث إلى تمرير أجنداتها، فلا تكترث بمصالح الشعب السوري ولا بإيجاد حلٍ لأزمته.
ومن جهتها قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش في تقرير خاص بها: «إن السلطات التركية تحتجز السوريين وتُجبرهم على توقيع استمارات تُفيد برغبتهم في العودة إلى سوريا ثم ترحّلهم قسرا إلى هناك.»
وقال جيري سيمبسون، المدير المساعد لقسم الطوارئ في المنظمة: «تزعم تركيا أنها تساعد السوريين على العودة طواعية إلى بلادهم، لكن ليس طوعياً ولا قانونياً التهديد بحبسهم حتى يوافقوا على العودة، وإجبارهم على توقيع الاستمارات، والزج بهم في منطقة حرب…».
وأدرجت المنظمة في تقريرها العديد من الشهادات الحية التي تؤيد تقييمها لأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، وقالت: «تشير عمليات الإعادة القسرية من تركيا إلى عزم الحكومة تشديد سياساتها الأخرى التي تحرم الكثير من طالبي اللجوء السوريين من الحماية. أغلقت تركيا، على مدار السنوات الأربع الماضية، حدودها مع سوريا، بينما أجرى حرس الحدود الأتراك عمليات إعادة جماعية بإجراءات موجزة، وقتلت وجرحت سوريين يحاولون العبور».
كما أكدت المنظمة على أن «تركيا مُلزَمة بالقانون العرفي الدولي بعدم الإعادة القسرية، والذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يتعرض فيه لخطر حقيقي من الاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد للحياة… لا يجوز لتركيا إجبار الناس على العودة من دون إجراءات واجبة إلى أماكن يتعرضون فيها للأذى عبر التهديد باحتجازهم».
وطالبت تركيا بحماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن حالة تسجيلهم، وتسجيل من رُفض تسجيلهم منذ أواخر 2017.
أما الائتلاف السوري المعارض برئاسة أنس العبدة وأعوانه، والذي من المفروض أن يكون الأشد دفاعاً عن السوريين والأكثر قرباً من معاناتهم، وعبر بيان صحفي نفى وجود أية مشكلة حول اللاجئين لسوريين في تركيا وقال: «الادعاءات التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس الحقيقة. فليس هناك حملة تستهدف السوريين في تركيا بغرض ترحيلهم…»، وأضاف «نحن لا نرى أي تغيير منهجي في السياسة التي تتبعها تركيا إزاء السوريين».
إن موقف الائتلاف هذا يعكس تموضعه المتماهي مع سياسات حزب العدالة والتنمية وحكومة أنقرة، ومدى تبعيته لها.
= صورة «استمارة العودة بشكل طوعي» عن موقع منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة».