قبيل حملة (غصن الزيتون) وعبر خطاب له، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنصار حزبه من بين رجال الدين والمصلين بالدعاء إلى الله عبر تلاوة آية (الفتح) القرآنية، بغية تمكين الجيش التركي من “فتح منطقة عفرين”، حيث استجاب له قرابة تسعين ألف (إمام وخطيب) جامع ومسجد، برفع نص الآية تلك عبر مكبرات المآذن في عموم أرجاء تركيا، تشجيعاً للقوات التركية المحتشدة آنذاك على الحدود السورية لـ”فتح عفرين” وغزوها.
ومع شروع تركيا وإقدام قواتها تحت مسمى “غصن الزيتون” على تنفيذ عمليات حربية واسعة النطاق ضد قرى وبلدات منطقة عفرين الكردية السورية (شمال غرب مدينة حلب)، التي استمرت 58 يوماً (20 كانون الثاني- 18 آذار 2018م) واستعمالها لكافة أنواع الأسلحة الجوية بما فيها طائرات إف 16 أمريكية الصنع، والبرية من أبرزها مدرعات ومدفعية ألمانية الصنع، وطائرات مسيّرة بدون طيار ذات تقنيات إسرائيلية، انتهت باحتلال كامل المنطقة بمساعدة أعوان مرتزقة من مجاميع معارضة جهادية سورية مسلحة تتبع مرجعيات الإسلام السياسي من تشكيلات وشبكات الإخوان المسلمين وجبهة النصرة – القاعدة – وكوادر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)ـ وبات الجانب التركي هو المايسترو الآمر والناهي لمجريات الأحداث والوقائع المأساوية التي شهدتها منطقة عفرين منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، وأبرزها مشاريع فرض هندسة سكانية اجتماعية جديدة لإحداث وتكريس تغيير ديموغرافي عنوانه الفاضح استقدام عشرات الألوف من العوائل العربية – التركمانية وأسر الجهاديين المرتزقة من مختلف المحافظات السورية وإسكانها في عفرين ومراكز النواحي والبلدات والقرى الكردية التي تتبعها، وذلك في سياق المضي قدماً، في تطبيق تدابير وسياسات ميدانية من شأنها تشكيل المزيد من الضغط والتضييق على السكان الكُـرد الأصليين الذين تم تهجير أكثر من ثلاث مائة ألف منهم إلى خارج منطقة عفرين، ليتشردوا بعيداً عن منازلهم التي بنوها بسواعدهم وممتلكاتهم التي خدموها هم على مرّ الزمان ومن سبقوهم من آبائهم وأجدادهم، فكان الأكثر إيلاماً الذي تسبب بجرح عميق في قلوب وعقول من تبقى من كُـرد عفرين والذاكرة الجمعية لأهاليها هو إقدام سلطات الاحتلال التركي وأعوانه المرتزقة من بعض المسلحين من “عرب وتركمان من أهل السنة” على قطع تلك الأشجار الكبيرة المعمرة (مازي – كيلبري) التي تمتد أعمارها (من 150 إلى 300) سنة وأكثر، التي لها مكانة خاصة جداً في معتقدات الكُـرد وتراثهم الثقافي، ويجمعهم واجب حمايتها واحترامها وحبها في كل الأزمان.
وكذلك إقدام تلك الجماعات الجهادية المسلحة وبأوامر من الجانب التركي المحتل على إشعال الحرائق في الغطاء الشجري – النباتي لمعظم الغابات الطبيعية والمساحات الحراجية للصنوبريات وغيرها من نباتات وأشجار شرق البحر المتوسط التي تغطي الهضاب وسهول مناطق عفرين المعروفة تاريخياً بخضارها على مرّ الفصول الأربعة، حيث حقول الزيتون التي يقارب تعداد أشجارها المزروعة الـ /18/ مليون شجرة بين سقي وبعلي، ناهيك عن أنواع الزيتون البري ذات المنشأ الطبيعي الذي تتكاثر في مجالاته وشعابه أشجار وشجيرات السمّاق والبطم والبلوط بأنواعه، والقتلب والزعرور والعناب… إلخ التي ثمارها مغذية ومفيدة للإنسان.
في سياق متصل تمتاز سهول حوض نهر عفرين ومرتفعاتها ببساتين أشجار الفاكهة أبرزها شجر الرمان، الجوز، الكرز، التفاح، الإجاص، المشمش، المانغا واللوز.. إلخ، فكانت محاصيل ثمار أنواع الفاكهة هذه تسدُّ حاجة سكان المنطقة، ويصدر الفائض منها إلى أسواق مدينة حلب، وأما كمية صادرات حقول الزيتون ومنتوج معاصره الفنية الحديثة من زيت المائدة، فكانت تقدر بمئات الألوف من الأطنان تُصدر إلى معظم المدن السورية وغيرها، إلى أن جاء العسكر التركي وأعوانهم الجهاديين ليستولوا على معظم تلك الحقول والمعاصر، ويمارسوا الانتهاكات وأبشع أنواع الاستغلال والمظالم بحق أصحابها، من بين تلك الممارسات المفضوحة سرقة معظم المحصول السنوي لثمار الزيتون ومنتوج الزيت ونقله إلى تركيا لإعادة التعبئة والتغليف والأمبلاج للتحايل على القوانين بغية إيصالها إلى أسواق أوروبية وأمريكية، كما أشارت إليه تقارير عديدة ومناقشات صاخبة في جلسات رسمية للبرلمان التركي.
* سكرتير حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
————–
نشرت هذه المقالة بعد ترجمتها إلى الألمانية في مجلة “من أجل التنوع- Vielfalt Für”، مجلة جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة – فرع ألمانيا، العدد 323، لعام 2021 باللغة الألمانية.
الموقع الالكتروني للمجلة:
https://www.gfbv.de/de/zeitschriftfuervielfalt/
المقال باللغة الألمانية- PDF: