ظاهرة الارتزاق ليست حديثة العهد، بل قديمة جداً، حتى أنّ بعض الباحثين يعتبرونها من أقدم المهن في العالم، حيث جنّدت أغلب الإمبراطوريات على مرّ التاريخ مرتزقة من خارج حدودها لخوض الحروب والمعارك بالوكالة عنها مقابل دفع المال لهم، أما في الوقت الحاضر فإن مهنة الارتزاق لم تعُد مهنة عشوائية، بل أصبحت مهنة منظمة تُدار مِن قِبل حكومات وشركات أمنية تتكفل باستقدام المرتزقة وتمويلهم وتجنيدهم لأهدافها الخاصة، و قد ازدهرت هذه التجارة في الآونة الأخيرة بسبب ازدياد الطلب على المرتزقة وحاجة العديد من الدول لهم للقيام بأنشطة تخدم مصالحها وغاياتها السياسية والاقتصادية، وإن جاءت منتهكة لمبادئ القانون الدولي وخاصة مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ومزعزعة للسلم والأمن الدوليين ومعتدية على المدنيين والأسرى والجرحى والمنشآت المدنية دون اعتبار لقوانين الحرب، ولذلك ازداد اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات القانونية والإنسانية بموضوع المرتزقة ودعت إلى اعتبار استقدام المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم وتجنيدهم جرائم حرب تستلزم تعزيز التعاون الدولي لملاحقة مرتكبيها ومحاكمتهم قضائياً.
المرتزقة في العهود والمواثيق الدولية:
١ – اتفاقية لاهاي الثانية لعام ١٩٠٧م:
تُعتبر اتفاقية لاهاي الثانية لعام ١٩٠٧م المتعلقة بحقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب أول اتفاقية دولية تهتم بموضوع المرتزقة، على أن هذه الاتفاقية لم تضع تعريفاً صريحاً للمرتزقة، حيث اكتفت المادة الرابعة والخامسة منها الإشارة إلى عدم جواز قيام الدول المحايدة بتشكيل هيئات للمقاتلين أو فتح مكاتب لتوظيفهم على أرضها لمساعدة أطراف النزاع، وعدم جواز محاكمة المقاتلين إلّا إذا ارتكبوا جرائم فوق أراضيها.
٢ – اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للقضاء على المرتزقة لعام ١٩٨٩م:
نتيجة تعرض دول القارة الأفريقية بشكل مستمر لاعتداءات المرتزقة، وحرصاً من شعوب ودول القارة الأفريقية على تطبيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، دعا قادة هذه الدول إلى وجوب وضع حد لهذه الاعتداءات وضرورة ملاحقة المرتزقة ومموليهم ومحاكمتهم، وقد توّجت جهودهم بتوقيع اتفاقية بين تلك الدول، تطرقت المادة الأولى منها إلى تعريف المرتزقة، إلّا أن هذه الاتفاقية لم تستطع التأثير على نشاط المرتزقة كونها اتفاقية إقليمية، مما يستوجب والحالة هذه وجوب توقيع اتفاقية دولية.
٣ – البروتوكول الأول لعام ١٩٧٧ الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩م:
على الرغم من خطورة نشاط المرتزقة على المجتمع الدولي وتهديده للسلم والأمن الدوليين واعتداءاتهم المستمرة على الشعوب والدول ومنعهم من العيش بأمان واستقرار، ظلّ مفهوم المرتزقة دون تعريف حتى كتابة هذا البرتوكول الذي يُعتبر اول اتفاقية دولية تُعرّف المرتزقة بشكل واضح وصريح وذلك في الفقرة الثانية من المادة /٤٧/ التي تُعرّف المرتزق بأنه أي شخص:
أ – يجري تجنيده خصيصاً محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح.
ب – يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية.
ج – يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قِبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القنوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
د – وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
ه – ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
و – وليس موفداً في مهمة رسمية من قِبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.
٤ – الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام ١٩٨٩م:
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية التي تبنت تعريفاً للمرتزقة مماثل لتعريف المرتزقة المنصوص عليه في البرتوكول الإضافي الأول لعام١٩٧٧م، إلّا أن هذه الاتفاقية تعرضت لنقطة مهمة تجاهلها البرتوكول الإضافي، تتعلق بتجريم فعل تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم واعتباره جريمة دولية خطيرة، وضرورة محاكمة المرتزقة قضائياً.
مما سبق نستطيع تعريف المرتزق بأنه كل شخص أجنبي عن أطراف النزاع يتم تجنيده طوعاً، دون أن يكون مكلفاً من دولته، ويشارك في الأعمال العدائية بصورة فعلية ومباشرة لصالح أحد أطراف النزاع مقابل منفعة شخصية.
شروط المرتزقة:
١ – العنصر الأجنبي: يشترط في الشخص حتى يُعتبر مرتزقاً أن يكون أجنبياً عن أطراف النزاع وغير مقيم في البلد الذي يعمل لحسابه أو ضده، ولا فرق فيما إذا تم تجنيده داخل بلده أو خارجه.
٢ – المشاركة: يجب أن يقوم الشخص بأعمال محددة ضمن سير العمليات العدائية أثناء النزاع.
٣ – الحافز: يجب أن يكون الحافز هو تحقيق مكاسب مادية دون أن يكون للشخص قضية معينة يقاتل من أجلها.
٤ – التكليف: حتى يُعتبر الشخص مرتزقاً يجب ألّا يكون في مهمة رسمية من قِبل دولته.
ولعلّ أفضل مثال حي على المرتزقة نستطيع أن نستشهد به هو ما نشاهده اليوم من قيام أردوغان وحكومة التنمية والعدالة من لملمة قطيع المرتزقة من هنا وهناك وخاصة من سوريا، وتجنيده لخدمة سياساته التوسعية والعدوانية وخاصة تجاه دول الجوار، فقد أنشأت تركيا منظمة سادات SADAT )) عام ٢٠١٢ لتجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم، وكذلك منذ الأيام الأولى للأزمة السورية شجعت تركيا ودعمت تأسيس مجموعات وكتائب وألوية بأسماء مختلفة مثل كتيبة الحمزات وكتيبة السلطان مراد و لواء أحرار الشام لمناوئة النظام السوري وقتال قواته تحت يافطة «الثورة والجهاد». وبالعودة إلى تعريف المرتزقة وشروطه وفقاً للقانون الدولي نجد أنها تنطبق على عناصر ما يسمى بالجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة والائتلاف السوري المعارض وكافة المجموعات والكتائب والألوية السورية المسلحة التي استخدمتها تركيا في نزاعها (حربها) مع الكُـرد في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرقي سوريا وفي ليبيا واليونان وأرمينيا وغيرهم، أما بالنسبة للنزاع بين الحكومة التركية والإدارة الذاتية الديمقراطية، فمن المعلوم أن تلك المجموعات والكتائب المسلحة الموالية لأنقرة ليست طرفاً في النزاع وليست من رعايا طرفي النزاع وإنما هي عناصر غريبة وأجنبية عن طرفي النزاع وتشكلت أساساً لمقاومة قوات النظام السوري وليس لتوجيه بنادقها نحو صدور أبناء البلد، وقد شاركت في النزاع مشاركة فعلية ومباشرة إلى جانب الجيش التركي دون تكليف رسمي من الدولة السورية مقابل تحقيق مكاسب مادية بعينها، مما يضفي على عناصر تلك المجموعات صفة الارتزاق، ولا فرق سواء أكان النزاع واقعاً داخل الأراضي السورية أو خارجها .
إن سياسات أردوغان التوسعية و مغامراته الدانكوشوتية وانقلابه على الخطة التي أعلن عنها وزير خارجيته السابق أحمد داود اوغلو صفر مشاكل مع الجيران واعتماده خطة صفر جيران وممارسة الضغوط على معارضيه وزجهم في السجون، واعتماده على المرتزقة والجماعات الإسلامية الجهادية المتطرفة في سوريا وليبيا وأرمينيا، لن تجلب لتركيا إلّا الدمار والمشاكل، والدليل على ذلك التراجع الحاد في قيمة العملة التركية وسوء الأحوال المعيشية للمواطنين ومقاطعة العديد من الدول للبضائع التركية واضطراب العلاقات السياسية مع أغلب دول الجوار.
* جريدة الوحـدة – العدد 324- تشرين الثاني 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).