الإرهابيون، المرتزقة، يرتكبون جرائمهم، أفعالهم الشنيعة، دون أن يندى أجبُنُهم، بل يعودون إلى بيوتهم، بين أسرهم، دون افتكار أو شعور بأن الذي أُذي أو قُتل ظلماً وعدواناً بأياديهم بني آدام خلقه الله كائناً مثلما خلق أفراد ذويهم، له حرمته وقيمته لدى الشرائع السماوية والوضعية على حدٍ سواء.
لا بل وأسيادهم، المتأنقين بربطات العنق أو بالجلابيب والعمامات، ينكرون تلك الموبقات أو يُجمِلونها ويبررونها بالكلام المعسول أو الفتاوى المبندقة عن الدين الحنيف، وهم على خطى التطرف والعصبيات والأنانيات والولاءات والمصالح الخاصة سائرون، وكأنهم لا يقرأون التاريخ أن مصير الفاسقين والفاسدين لا محال جورةٌ في مزابل الشعوب ومواخيرهم.
عامٌ مضى، على اغتصاب واحتلال سري كانيه/رأس العين و كري سبي/تل أبيض، عامٌ من السواد القاتم، ودون أن يصدح في شوارعهما تحية الصباح بالعربية والكردية والسريانية والأرمنية والشركسية، وتتلاطم أصوات أجراس الكنائس مع أذان المساجد في سمائهما، ودون أفراح وأعراس.
قُتلت الحياة فيهما، فوضى وفلتان، اعتقالات تعسفية، لصوصية وإجرام، اقتتال وتفجيرات، نهب واستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة، تخريبٌ وسرقات للآثار والثروات.
شُرِّد سكانهما، ليهيموا على وجوههم مشتتين، ولكن أبوا أن تصدأ مفاتيح أقفال منازلهم، أو تنكسر إرادتهم، وهم على العودة وبناء الديار من جديد عازمون!
كان العار من نصيب قادة عالميين سمحوا أو تغاضوا لتركيا أن تحتل رأس العين وتل أبيض، وهم عارفون أنهما سيتلقون نفس مصير عفرين التي استبيحت عن بكرة أبيها من قبل ذات المجرمين ومتزعميهم في أنقرة والائتلاف السوري الممغوص.
لقد شاهدوا بأم أعينهم، كيف تحولتا من منطقتين آمنتين إلى جحيمٍ وأماكن للذبح والإجرام، وكيف قَتل مجرمو أردوغان السياسية الكردية- رسول السلام هفرين خلف ومثلوا بجثمانها، فليس صدفةً أن تعرضت «هفرين» و «عفرين» لذات الإجرام والغلّ، لما كان بينهما من قواسم الجمال والرقي والقيم الوطنية.
وهل يُعقل أنهم لم يميزوا بين «الخير» و «الشرّ»، ولم يسمعوا صرخات الطفل محمد الذي احترق جسده الغض بالفوسفور الأبيض المرمي بطائرات الإف الأمريكية!
أنقرة، تواصل تهديداتها وتتوعد باجتياح جديد، طامعةً أن تُسيطر على كامل مناطق الشريط الحدودي من شمالي سوريا، والقلق يُساور أهاليها، ولكن لا تَهب الرياح دائماً حسبما تشتهيه السفنُ!
«قسد» والكُـرد أقوى وأدرى مما كانوا، وأصحاب القرار في العالم أمام اختبارٍ جديد، للتمييز بين ما هو داعم للإرهاب العالمي ومناهضٍ له، بين المخلصين لوطنهم واللاهثين لإملاء جيوبهم، بين العار ومدمري الحضارة الإنسانية، والوفاء للأصدقاء ومحبي الحرية والسلم والمساواة!
* جريدة الوحـدة – العدد 322- أيلول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).