السيدة إبرو تيمتك كوردية كانت تمارس المحاماة في إستانبول وتتبنى الأفكار الديمقراطية، ومعارضة للسياسة التي ينتهجها الرئيس التركي أردوغان وناشطة حقوقية في مجال حقوق الإنسان.
السيد ألكسي نافالني مواطن روسي معارض لنظام حكم الرئيس بوتين وناشط سياسي، مارس نشاطات مناهضة لسياسات الرئيس بوتين ويدعو إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي موال للغرب الأوربي.
إذا درسنا المراحل الرئيسية من حياة كلا الشخصيتين لوجدنا بعض التشابه في صفاتهما وأفكارهما ونشاطهما وبشكل نسبي، ولكن مع اختلاف هائل وواسع في المصير الذي آل بكل منهما:
المحامية إبرو تيمتك معارضة لنظام حكم يقتل الشعب الكوردي ويضطهده ويحارب وجوده ويكم أفواه ساسته بالاغتيال وبالاعتقال والسجن لكل من يخالفه في الرأي والفكر، إنه نظام حكم استبدادي قسري في الداخل وعدواني توسعي في الخارج، ولم تكن «تيمتك» في نشاطها ترتبط بموافقات أو اتصالات مع دول خارجية.
السيد ألكسي نافالني معارض لنظام حكم الحزب الواحد في الداخل، ونظراً لكون الدولة الروسية قوة عالمية عظمى فإن دوافع الدفاع عن دورها الاستراتيجي كقوة عظمى تجعلها تتوسع وتمتد بنفوذها، الأمر الذي يقلق الغرب والولايات المتحدة وبالتالي يدفع تلك الدول لخلق بؤر معارضة داخل روسيا الاتحادية بل وحتى تمويلها وتحريكها ودعمها والترويج لها وتسخير الإعلام لدعمها.
السيدة المحامية الكوردية اعتقلت قبل عامين ونصف وتعرضت أثناء التحقيق للتعذيب الجسدي والنفسي والإهانات وحكم عليها بالسجن لمدة تزيد على 13 سنة بتهمة تأييد منظمة إرهابية، وهذه التهمة هي كليشيه ألصقت بمعظم مئات الآلاف من المعتقلين الكورد في السجون التركية. وأعلنت إضراباً عن الطعام دام 238 يوماً أدى إلى وفاتها.
السيد ألكسي نافالني جرى توقيفه واعتقاله عدة مرات وتعرض إلى مضايقات وحظر للمظاهرات والتجمعات التي دعا إليها ضد النظام في موسكو، كما مُنع من ممارسة حق الترشح لرئاسة روسيا الاتحادية.
بقي نافالني طليقاً في وطنه وتمتع بحرية نسبية في متابعة نشاطاته المناهضة لحكم الرئيس بوتين إلى أن أصيب بنكسة صحية أثناء رحلة جوية داخلية ودخوله المستشفى طواعية في موسكو لمعرفة أسباب الوعكة الصحية التي حلت به، إلى أن علا الصراخ والنفير عبر القنوات الرسمية للحكومة الألمانية والعديد من دول الاتحاد الأوربي ووسائل الإعلام في الغرب والولايات المتحدة خبر تدهور حالة نافالني الصحية للاشتباه بتعرضه لمحاولة القتل بالتسمم على يد المخابرات الروسية.
بقيت السيدة إبرو تيتك حوالي سنتين ونصف السنة في المعتقل وفي أبشع الظروف وأحقر معاملة، وثم أضربت عن الطعام تعبيراً عن احتجاجها على ما تتعرض له وزملائها على يد أجهزة السلطة التركية، والذي دام 238 يوماً، وتوقف هذا الإضراب بوفاتها ليل الخميس 27 من هذا الشهر، دون أن نقرأ أو نسمع أو نشاهد أية وسيلة إعلامية في أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أوردت نبأ عن حالة الحقوقية الكوردية الناشطة إبرو تيمتك في سجن بإستانبول – تركيا.
تدخل الاتحاد الأوربي لدى موسكو وتعالت أصوات الاحتجاج من عواصم الاتحاد الأوربي تروي قصة تحمل عنوان: «نافالني السياسي الروسي المعارض لحكم بوتين الديكتاتوري تعرض لمحاولة قتل عن طريق دس السم له…»، وفتحت وسائل الإعلام الأوربية على أنواعها وأشكالها، الرسمية قبل غيرها، الحكومية قبل أحزابها، باب التدخل لنقل نافالني بطائرة حكومية ألمانية من المستشفى الذي كان يعالج فيه في موسكو إلى مستشفى شاريته الجامعي في العاصمة الألمانية برلين، وسط تغطية بل ضجة إعلامية مستمرة نقلت على الهواء مباشرة بالصورة والصوت للطائرة التي نقلته، وسيارة الإسعاف التي كانت في استقباله في المطار، وإدخاله المستشفى ودون انقطاع؛ وبسبب الاهتمام الأوربي والتدخل الواسع النطاق في قضية نافالني توترت علاقات ألمانيا بل والعديد من دول الاتحاد الأوربي مع روسيا الاتحادية.
ومن يدري فقد يكون نصيب نافالني أن يصبح يوماً ما رئيساً لروسيا على الأقل في المنفى إذا اقتضت ذلك المصلحة… على أية حال وأسوئها فسيبقى موضع رعاية واهتمام وحماية الدولة المستضيفة وينعم برغد العيش.
إبرو تيتك المحامية الكوردية والناشطة الحقوقية التي دافعت عن البرلمانيين الذين أبعدوا عن ميدان ممارسة حقوقهم السياسية واعتقلوا وعذبوا وأودعوا السجون وحكم عليهم بالسجن عشرات السنين في محاكمات صورية مقتضبة، فلم يكن لها نصيب ولو بالحد الأدنى لدى الإعلام الأوربي وخاصة الألماني الرسمي ولا على قنوات الأحزاب الفضائية ولا في الصحف ولو على سبيل الذكر أو خبر ولو على صفحة الحوادث والوفيات…
إبرو تيمتك قتلت عن سابق إصرار وعمد، جزاءً وقصاصاً! وتم إقصاؤها من الساحة السياسية لأنها لم تتخاذل تحت التعذيب والإهانات أمام أجهزة المخابرات والبوليس التركي، وكانت عنيدة في دفاعها عن كرامة الإنسان ومخلصة في إيمانها بعدالة قضية شعبها، وقضت حياتها شجاعة ملتزمة بمبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان في دولة مبنية على الطغيان وعالم يقايض كرامة الإنسان بالتجارة الرابحة ولو على حساب دم الشعوب.
وكانت نهاية المعاناة للمرحومة أن منع البوليس التركي أصدقاء الشهيدة إبرو تيمتك من مرافقة جنازتها وأداء واجب الوداع بالضرب وخراطيم المياه والاعتقال.
هذه كانت حياة وممات إنسانة تدعى إبرو تيمتك، وتلك هي حياة ورعاية لإنسان يدعى ألكسي نافالني.
وهنا أستأذن من الأستاذ غسان شربل لأنقل ما نشره قبل أشهر على موقع تويتر: «ومن قواعد العيش في الشرق الأوسط الرهيب، يحق لطائراتك ومدافعك انتهاك سيادة الدول شرط أن يكون هدفها قتل الأكراد».
ومن قواعد العيش في الشرق الاوسط الرهيب: يحق لطائراتك ومدافعك انتهاك سيادة الدول شرط ان يكون هدفها قتل الاكراد
فهل يعي قادة الأحزاب والمنظمات والاتحادات ومسؤولي مراكز القوى الكورد هذا الواقع؟
وهل يصارحون الشعب بالوقائع والحقائق؟
وإلى متى سيبقى شعبنا ينوء في الوطن تحت نير العبودية وفي المهجر في بوتقة الذوبان والانحلال والمذلة؟
الخلود لروح المحامية عن كرامة وحرية الإنسان إبرو تيمتك!
———–
/دراسات كوردية – إسلامية، ألمانيا.
* جريدة الوحـدة – العدد 321- آب 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).