تم التفكير بإحياء مئوية معاهدة سيفر قبل أكثر من سنة، وكانت الخطة تتضمن نشاطات غير اعتيادية، من ثقافية، علمية وتوثيقية ذات علاقة تاريخية بالمعاهدة ونتائجها. إلا أن الخطة تغيرت بعد الاغلاق التام للمجتمعات الأوربية بدءاً بشهر نيسان الماضي، مما دفعنا للعمل وفق السيناريو الثاني، والمتلخص في إحياء المناسبة بطريقة رمزية. وهذا ما تحقق، إذ تضمنت عملية الإحياء ثلاث فقرات، الأولى افتتاحية المناسبة في نفس المكان الذي تم توقيع المعاهدة فيها قبل مئة عام، أي صباح يوم الاثنين الموافق 10/8/2020، وذلك بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء كوردستان، الذي قضوا طوال مئة عام، والذين كانوا ضحايا عدم تطبيق معاهدة سيفر والتنصل من الالتزام ببنودها الخاصة بالشعب الكوردي على أرض الواقع، من قبل الدول الأربعة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهي (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا)، ومن ثم إلقاء كلمة باسم اللجنة المنظمة من قبل الإعلامي والناشط المدني أردلان عبداللهي، تلتها قراءة نص الرسالة الموجهة لسيادة رئيس جمهوريا فرنسا ايمانويل ماكرون. قرأتها السيدة زينب جمو باللغة الفرنسية. الفقرة الثانية كانت بعد ظهر نفس اليوم في المعهد الكوردي بباريس، بدأت بقراءة مقال حول دلالة وأهمية معاهدة سيفر بالنسبة للكورد وباقي شعوب الشرق الأوسط (أعدها كاتب المقال باللغة الكوردية)، ثم تلتها قراءة الرسالة الموجهة للرئيس ماكرون باللغة الكوردية، قرأها الأستاذ حبيب إبراهيم. ثم تم عرض مواقف وآراء العديد من الساسة والأكاديميين الكورد، سواءً تلك التي وردت على شكل فيديوهات مسجلة مسبقاً، أو على شكل رسائل خطية. هذا وقد نقلت هذه الفعاليات بشكل مباشر عبر عدة أقنية تلفزيونية. أما القسم الثالث من الفعالية فاستمرت لعدة أيام وكانت عبارة عن عملية استكمال تواقيع المنظمات المدنية والأحزاب على الرسالة الموجهة للرئيس الفرنسي، ومن ثم ايصالها الى قصر الاليزيه.
لقد تم تنظيم الاحتفالية ضمن الحدود الدنيا المسموح به للتجمعات في ظل جائحة كورونا وبموجب القوانين المتبعة في باريس. كما صدف أن تم التنسيق والمشاركة مع الأخوة الأرمن في نفس مكان توقيع معاهدة سيفر، وهو معمل السيراميك في مدينة سيفر. هذا وقد ولد اللقاء والمشاركة مع الوفد الأرمني ارتياحاً وتفاؤلاً كبيراً لدى كل من الجانبين.
لماذا الاحتفال بمئوية سيفر؟
أثناء فترة التحضير ودعوة العديد من الشخصيات والمنظمات المدنية والأحزاب للمشاركة، أو لمباركة هذا النشاط ذات الرمزية التاريخية والسياسية، برز سؤال ملح بصدد جدوى النشاط: لماذا الاحتفال بهذه المعاهدة الميتة؟! وما الفائدة من عملية إحياء الذكرى. للإجابة المختصرة ومن ضمن ما يمكن عرضه هنا، يمكن التأكيد على أن هذه المعاهدة مازالت تشكل العاهدة الأهم في تاريخ الشرق الأدنى المعاصر، كانت ومازالت حية، ليس لأنها طبقت في عدد من بنودها، بل لمفصليتها، لذلك نؤكد على أن التشبث بروح المعاهدة والدعوة لإحيائها تبقى ذات دلالات سياسية وقانونية وفلسفية عميقة. وذلك لعدد من المبررات وأسباب نوردها باقتضاب:
1- أنهت المعاهدة رسمياً كيان السلطنة العثمانية، وأسدل الستار بذلك على وجود آخر إمبراطورية سلالية تحكم بإسم الدين في الشرق الأوسط.
2- نصت المعاهدة بوضوح على انسحاب القوات التركية العثمانية من جميع مناطق الإمبراطورية التي لا يتكلم سكانها باللغة التركية. وبذلك فتحت الآفاق لصياغة فلسفة سياسية جديدة تكمن في مشروعية تأسيس الدول في الشرق الأوسط على أسس قومية وليست دينية.
3- وضعت أسس حق تقرير المصير لسائر شعوب الشرق الأوسط بناءً على اللغة التي يتحدثونها، بما فيه بناء دولهم المستقلة على أساس قومي، ثقافي ولغوي وليس ديني.
4- كانت أول معاهدة دولية يذكر فيها الكورد كأمة وكشعب يحق له تقرير مصيره السياسي وبناء دولته المستقلة، وذلك بصرف النظر عن حدود هذه الدولة.
5- أقرت بمبدأ الاستفتاء لأخذ آراء أبناء الشعب الكوردي في جميع مناطق شرق الفرات، ليعبروا عن رأيهم السياسي في الكيان الذي يريدونه. وهي ظاهرة سابقة لعهدها. حتى الآن لا يقرها أي من حكومات أنقرة ودمشق، طهران وبغداد. بل حتى مجاميع المعارضة التي تدرج تحت مسميات الديمقراطية في هذه الدول نفسها.
6- وثقت وأكدت المعاهدة بموجب القانون الدولي – عهدئذ – حق شعب كوردستان في بناء دولته القومية الخاصة، من حيث الحق والمبدأ، على أن تتولى عملية الإشراف على ولادة هذه الدولة عصبة الأمم المتحدة، هذه المنظمة الدولية التي كانت قيد الولادة وكان يدخل في عضويتها (32) دولة يومئذ.
7- إن بنود المعاهدة ذات الصلة بالقضية الكوردية، أرقام (62، 63، 64) تبقى ذات قيمة قانونية وسياسية، بل وحتى أخلاقية، على الرغم من تنكر وانسحاب حكومة أنقرة منها لاحقاً.
هذا وقد عقدت اللجنة المنظمة اجتماعاً بعد انتهاء اليوم الأول من الفعالية، وأكدت على الطابع المستدام لهكذا نشاط، والذي من المقرر أن يستمر بأشكال أخرى، كما تقرر عقد مؤتمر صحفي في وقتٍ لاحق لدعوة ممثلي الإعلام في باريس للوقوف على ما نتج من طي هذه المعاهدة من مآسي بحق الشعب الكوردي. وكذلك لمتابعة درجة التفاعل مع الرسالة الموجهة للرئيس ماكرون. والسعي لتذكيره من جديد ودعوته لعدم نسيان هذه المعاهدة والعمل على إحيائها بما يضمن حق الأمة الكوردية في تقرير مصيرها السياسي.
على الرغم من أن طابع الاحتفالية كان رمزياً وبعيدة عن الثقافة الكرنفالية الكوردية، فقد نالت رضا جميع الأطراف، ووصلت في الوقت نفسه إلى اللجنة المنظمة عدد من الخطابات المسجلة وكذلك رسائل التأييد والدعم من عدد كبير من المنظمات المدنية والأحزاب الكوردستانية والشخصيات الأكاديمية. سنذكر عدد منها على سبيل المثال لا الحصر:
– د. فريدريك كيسو، صديق الكورد، والسفير السابق لفرنسا في إقليم كوردستان العراق/ باريس.
– السياسي البارز ملا بختيار، العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني/ السليمانية.
– دارا ناطق، قيادي من الحزب الديمقراطي الكوردستاني – إيران.
– الأستاذ غفور مخموري، سكرتير حزب الاتحاد القومي الكوردستاني (YNDK) / هولير.
– الدكتور كاوا محمود، سكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني/ هولير.
– الأستاذ أحمد تكسو، الرئيس المشترك للمؤتمر الوطني الكوردستاني/ KNK.
– الحزب الديمقراطي الكوردستاني/ إيران.
– المهندس مصطفى جلك، سكرتير حزب حرية كوردستان ( PAK) / آمد – دياربكر .
– د. علي دولمري ممثل حكومة إقليم كوردستان في فرنسا / باريس.
– حزب حق بار في كوردستان تركيا – فرنسا.
– حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا – فرنسا.
– الحزب التقدمي الكوردي في سوريا – فرنسا.
– الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا / فرنسا.
– الأمير الدكتور سيف الدين بدرخان / واشنطن.
– السياسي عمر شيخموس شويش / السويد.
– الدكتور سعد الدين ملا، منظمة فجين / السويد.
– الإعلامي مستر كورد – واشنطن.
– عدد كبير من الجمعيات والمنظمات المدنية الكردية في أوربا: (هبون – باريس، هيفي –باريس، جمعية الثقافة الكوردية – ليون، روزي كورد – باريس، سازومانا جيهانيا كورد – في ألمانيا وفرنسا، شبكة الجالية الكوردية – أوربا، فدراسيون الجمعيات الكوردية – دانمارك، فدراسيون الجمعيات الكوردستانية – النروج)
– وكان مسك الختام رسالة الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية الداعمة لنشاط إحياء مئوية سيفر.
احتراما وتقديرا لتضحيات قوات سوريا الديمقراطية، ننشر ربطاً النص الكامل لرسالة الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات قسد:
السيدات والسادة…
تحية وبعد…
بدايةً، لا بد من تقديم الشكر والامتنان للقائمين على هذه الفعاليّة الهامة، ونقدر عالياً هذا الجهد، وما تقومون به، فهو أمر مهم للغاية، وسينعكس إيجاباً على الصيرورة التاريخية لشعبنا الذي أصبح بعزيمة مناضلينا (مقاتلينا) قاب قوسين أو أدنى من حياة حرة وكريمة.
العزيزات والأعزاء…
نخاطبكم، من هنا، حيث ندوّن التاريخ لشعب طالما أصرّ على أن يكون صاحب إرادة حرّة منطلقاً من اللبنة الأولى التي دوّنتها سيفر في بنودها الثلاثة قبل مائة عام (10 آب 1920)، نقول لكم، وبفخر، أننا نتحدى الإرهاب من جهة، وننتزع حقوق شعبنا، والشعوب التي نعيش معها من رحم الاستبداد من جهة أخرى، ومع أننا ندرك حجم التحديات والظروف والتجاذبات والاستقطابات الدولية، والإقليمية، والمحلية، إلا إننا نتكئ إلى أمرين:
– نحن أصحاب قضيةٍ عادلة، ويشرعن كفاحنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكافة العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق الأقليات.
– الظروف التي تحيط بنا، من الثورات والانتفاضات، والحركات الشعبية والتي طالت مساحات واسعة من مناطق الشرق الأوسط، وهذا مؤشر مهم على إحداث التغييرات الكبيرة على مستوى بنية الأنظمة، وشكل الدول، وهو أمر يضعنا أمام استحقاق تاريخي، ونعاهدكم، كما عاهدنا العالم (بنصرنا على الإرهاب) على النصر الأكيد.
العزيزات والأعزاء…
ليست صدفة أن تصادف مئوية سيفر حراك شعبنا الذي لم يتأخر يوماً لمطالبته بحقوقه، وها نحن نعيش مرحلة مفصلية من تاريخنا، ونعاهدكم ألا يعيد التاريخ نفسه، نرفض أن يكون هناك «لوزان آخر»، سائرون على ما وضعته سيفر من الأسس القانونية لحق تقرير المصير.
تعقدون فعاليتكم وتحيون الذكرى العظيمة في تاريخ شعبنا السياسي والقانوني، ونحن بدورنا نقف بتقدير عالٍ، أمام هذا النشاط البحثي، من قراءة التاريخ بعد دهر من تاريخنا المثقل بالويلات والمجازر، والانتهاكات بحق السكان، ونكران للهوية، والمشاركة السياسية كل في أطر الحدود الجغرافية، وبحماس وثقة عالية نقول لكم، نساندكم في سعيكم، ونضع جل إمكانياتنا لنجاح الفعاليّة، خدمة لتاريخ شعوبنا التي لطالما عانت من وطأة الإرهاب، واستبداد حكوماتها.
الموفقية والنجاح لفعاليتكم
مظلوم عبدي
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية
10/8/2020
* جريدة الوحـدة – العدد 321- آب 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).