مع ازدياد التركيز من قبل المجتمعات العربية ودولها بالتدخل السافر التركي في ليبيا، ومع محاولة العالم العربي فهم غايات أردوغان وأهدافه بشيء من التحليل والدقة، وكيفية حماية المجتمعات العربية ودولها وكذلك حماية شعوب ومجتمعات المنطقة من مشاريع التمدد التركية الأردوغانية (العثمانية الجديدة) والتي يمكن من الأصح تسميتها المغولية الجديدة أو التتارية الجديدة كون الأردوغانية والعثمانية يمثلون الاشتقاق السلوكي والسلطوي أسلافهم من المغول والتتار.
لنستعرض تشكل الرغبة التي يمتلكها العدالة والتنمية في التمدد في البلدان العربية والمنطقة:
1- منطق وذهنية العدالة والتنمية: حزب العدالة والتنمية كغيره من فروع الإسلام السلطوي أو السياسي الذي لايهمه من الإسلام سوى اتخاذها كوسيلة لخلق القوى والإمكانات التي تمكنه من السيطرة على الحكم والاستمرار فيه وتوسيعه، وكذلك تحريف الدين والسنة على هوى ومقاس مصالحهم، وهم بذلك يجسدون النفاق بأوضح صورة. حتى أن أحد الأئمة الأردوغانية وكذلك أحد مسؤولي حزبه قال من يتكلم التركية يدخل الجنة وكذلك يشفى من فيروس كورونا.
2- الجمع بين الإسلام السلطوي والفاشية القوموية: حتى أصبح أردوغان ودولت بهجلي (رئيس الحركة القومية التركية ) وجهي الميدالية الواحدة التي شريطها من صنع الدولة العميقة في تركيا. بات كلاهما يوسع الخرائط ويتكلم وكأن سليم الأول يريد أن يكرر جولاته وصولاته لاحتلال المنطقة وكأن الخليفة العباسي الضعيف حينها متواجد الآن في انتظار أن يستلم أردوغان مقاليد الأمة الإسلامية. أو كأنهم يريدون تكرار كمال أتاتورك والاتحاد والترقي وما فعله ثلاثي الإجرام طلعت وأنور وجمال بحق شعوب المنطقة.
3- الداخل التركي واقتراب نهاية الأردوغانية في تركيا: لقد تم جلب أردوغان وحزبه إلى الحكم في تركيا ضمن إطار استراتيجية للقوى المهيمنة العالمية لكي يكون أحد خدمها وأدواتها وهنا يحاول تركيا الأردوغانية الحصول على مقابل عمله وخدمته أكثر ما يستطيع الحصول عليه وإن بدت تناقضات هي في إطار النظام وعناصره. الداخل التركي الذي أقل ما يقال عنه بعد 18 سنة من حكم العدالة والتنمية بأنه مستعد للانفجار والانقلاب ككتلة من النار وكساحة للحرب الأهلية التي من الممكن أن تستمر عقودًا من الزمن. فأحد أهم مشاكلها وقضاياها هي القضية الكردية حيث يحرم حوالي 30 مليون كردي في تركيا من كل حقوقه الطبيعية في العيش بهويته وإدارة مناطقه والحرب المستعرة منذ أكثر من 40 سنة زادت العدالة والتنمية من لهيبها، فهل يمكن أن يتخيل أي إنسان في القرن الواحد والعشرين أن تقوم دولة بإرسال ابن ميت لأمه عن طريق طرد بريدي والطلب من الأم دفع فاتورة ذلك الطرد مثلما حصل مع رفات الشاب الكردي عكيد إيبك.
4- مع تلقي تركيا الأردوغانية أو المغولية العثمانية الأردوغانية ضربة قاصمة من أرض الكنانة وأهلها من مصر وذلك بإزاحة التنظيم الإرهابي (الإخوان المسلمين) ومرسيها من الحكم، جنَّ جنون أردوغان وذهبت أحلامه العثمانية وبدأ يجمع كل الشاردين والمنبوذين والإرهابيين من كل حدبٍ وصوب حتى ينتقم من مصر وأهلها وبدأت تركيا بالهجوم والتعدي على جغرافية الجيش الأول على أهل جبال طوروس وشمال سوريا وكذلك تم تطوير وسائل التدخل في الشمال الأفريقي من إقامة وتطوير منظومة علاقات إقليمية وعالمية تتيح له اللعب على الحبال المشدودة بين الدول والأحزاب والفئات وكذلك دعم الإرهاب وجعل إسطنبول المقر العالمي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
5- الاقتصاد التركي: لا شك أن بداية قدوم العدالة والتنمية ولتثبيته من قبل رعاته العالميين تم دعمه من قبل صندوق النقد الدولي ولكن بعد 18 سنة من الحكم ولنتيجة الاستمرار في الحرب ضد الشعب الكردي في داخل تركيا وفي العراق وسوريا وكذلك لتدخله في البلدان العربية ولكثرة الميزانيات السرية للأجهزة السرية الاخوانية المرتبطة بالعدالة والتنمية كأحد أساليب الإخوان لخوفهم الدائم من المجتمع لعلمهم بنفاقهم واستغلالهم الدين الحنيف. ونتيجة هذا الاقتصاد ومراحله كان أردوغان ينظر إلى الدول العربية الخليجية أن يكونوا طوع أمره ويكونوا جباتهم لكن كان للشبه الجزيرة العربية بأغلب دولها ومجتمعاتها وشعبها العربي أنهم لم ينسوا ما سرقه العثمانيين وولاتهم مثل فخر الدين وغيره من الأماكن المقدسة ومن الاعتداء على أهلها دون أية حرمة للاماكن المقدسة.
6- إن وجود الجيش التركي في ليبيا وإن كان بأدوات من الإخوان المرتزقة والإرهابيين من السوريين التابعين «للإئتلاف الوطني السوري» وغيرهم من إخوان وإرهابي العالم، لكن هذه الأدوات سيلقيها تركيا في القمامة بعد أيام تمكنه، وسيتواجد الجيش التركي بكامل عتاده إن لم يتم إيقافه ورده على أعقابه. من الأهمية الإشارة إن هذا يستهدف الدول العربية في الدرجة الأولى وكذلك يهدد استقرار قارتي إفريقيا وأوربا، ولكن مازالت المواقف الدولية والكثير من الإقليمية خجولة وبل متماهية مع ما يفعله أردوغان من مبدأ ليقف غيري في وجهه ولأحافظ على مصلحتي وسلطتي الحالية حتى لو كانت على حساب كرامة وشرف الإنسانية والإسلام والأخوة، فمَن مِن أهل المنطقة والعالم يقبل أن يقول مرتزق جلبه أردوغان لعفرين المحتلة ليستوطن في أرضٍ هُجر أهلها على مرى العالم ليقول لأحد أتباع السراج «أبعث لي بناتكم لأبعث لكم بالعساكر والجنود».
من يعول على الاتحاد الأوروبي أو المواقف الدولية ومنها روسيا وأمريكا في الوقت الحالي لوقف التمدد المغولي العثماني الأردوغاني لن يجد ما يسره، على الأقل على المدى القريب والمتوسط، وخصوصًا إذا علمنا أن هناك أنباء عن توافقات روسية وتركية لتكرار تجربة الشمال السوري في ليبيا وتقسيمها لمناطق النفوذ لتلاقي مصالحهم، وكذلك لو علمنا أن عملية «إيرني» مستمرة مع استمرار إرسال أردوغان ما يريده إلى ليبيا، وإذا عرفنا أن أمريكا ومؤسساتها حتى الآن لم تتطرق إلى كل الإرهابيين الداعشيين الذين يجلبهم أردوغان لضرب الأمان والاستقرار في شمال أفريقيا والمنطقة ومجمل المواقف عبارة عن بيانات ليس لها تأثير.
من يريد إيقاف المغول والتتار والعثمانيين الجدد من السيطرة على البلدان العربية، عليه أن يعرف أن في داخل تركيا هناك قضية كردية وشعب يتجاوز عدده 30 مليون ويخوض حربًا منذ أكثر من 40 سنة من أجل الحق والعدل، من أجل هويته وحقوقه الطبيعية. ووقف مشروع العثمانية الجديدة يمكن أن يبدأ من هناك من جنوب شرق تركيا (شمال كردستان) ومن شمال سوريا من سرى كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) ومن عفرين ومقاومة أهلها لتحريرها من الاحتلال التركي الغاشم، وإن لم نفعل ذلك ربما نجد العديد من دويلات القبرص التركية داخل الدول العربية لتفتيتها ولتقسيمها للتحكم بها وبذلك ينتقم أردوغان لمرسيه الإخواني، وهم كمنظومة عمالة للنظام العالمي المهيمن ضد حضارة المنطقة وقيمها الثقافية التاريخية المجتمعية التي تحقق العيش المشترك والأخوة الحقيقة بين شعوب المنطقة.
* صدى البلد – الجمعة 29 أيار/مايو 2020م.