تزامناً مع المصادفة التي كشفت عن العمل المشين الذي قامت به مجموعات المرتزقة المحسوبة على المجتمع السوري، كمجموعة «الحمزات» المأجورة لصالح حكومة تركيا، إذ جاء حدث الكشف استمراراً وتأكيداً على حدوث واستمرارية العديد من الممارسات المشينة كالاغتصاب والخطف والاغتيالات، مروراً بالسرقات وفرض الإتاوات على المواطنين الكُـرد من سكان قرى ومدينة عفرين. لقد جسد عملية خطف النساء وسجنهم عاريات أحد أوجه الممارسات الشاذة من قبل هذه المجموعات، فهذه الأعمال تنتمي إلى عالم الإجرام وانتهاك الحريات، وتظل بعيدة تماماً عن حقول العمل العسكري والسياسي. إن قيام مجموعات محسوبة على المجتمع السوري بتعرية مجموعة من النساء السوريات العزل المختطفات والمعتقلات بدون أدنى حجة قانونية في الأوكار التابعة لما يسمى (بائتلاف المعارضة السورية) و(الجيش الوطني)، ستتسبب في توجُّه قطاعات واسعة من السوريين نحو ذروة الافتراق، بل التصادم. تزامناً مع هذا الإجرام المخطط له تركياً، تم الكشف عن كهف في بلدة دارجاتشيت التابعة لمدينة ماردين، عثر فيها على بقايا هياكل عظمية وجماجم بشرية عددها حوالي (40) أربعون جمجمة، هي حصيلة مجزرة واحدة من مجازر الحكومة التركية ضد المدنيين الكُـرد العزل، يعود – بحسب الخبراء – تاريخها إلى عام 1990، وهي واحدة من مئات المجازر وأعمال الاغتيال التي طالت مدنيين ونشطاء وحقوقيين أكراد وأرمن إبان أعوام الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، هذه الجرائم والمجازر التي سجلت جميعها ضد فاعل مجهول، هذا المجهول المعلوم كان ومازال وثيق الصلة بالسلطة التركية الحاكمة سواءً بالأمس البعيد أو القريب أم اليوم. فحلف أردوغان – بغجلي، هذا الحلف الاسلاموي – الفاشي الطوراني هو نفسه حامل راية مجازر آل عثمان ومن بعدهم الاتحاديين، وصولاً إلى أتاتورك. لأن استهداف شعوب المنطقة والاستمرار في سياسة الإبادة الجماعية والتجريف الديمغرافي وترحيل الشعوب الأصيلة عن ديارها، وضرب مكونات المنطقة بعضها ببعض هي سياسة، بل هي ثقافة تخص الطبقة الحاكمة التركية منذ أن ابتلي الشرق الأوسط بمجيئهم من صحارى قره قوم وتدميرهم للحضارة العربية الإسلامية وتقويضهم لمرتكزاتها السلمية وتشويههم لثقافة التعايش فيها.
في اللحظة الزمنية التي تفصل اكتشاف بقايا المجزرة في ماردين والحدث المخزي لأتباع أردوغان في عفرين، قامت طائرات الحكومة التركية بقصف قرى آمنة من منطقة ديرلوك في بهدينان وقتلت عدد من المدنيين من مواطني إقليم كوردستان العراق. قبل هذه الأحداث الإجرامية الثلاث بعدة أيام، أطلق جنود حرس الحدود الأتراك النار على مواطن يعمل في حقله قرب جدار الحدود في قرية ديرون التاريخية بمنطقة آليان في أقصى شمال شرق سوريا، مما دفع بالقوات الأمريكية والروسية لتسيير دورية مشتركة للتأكد من ملابسات الحادث الإجرامي، المتلخص في قتل فلاح أعزل يعمل داخل أرضه.
دلالة الدورية الاستعراضية الأمريكية – الروسية المشتركة مثيرة، فهي تدل في المقام الأول على المستوى من الابتذال الذي وصلت إليها أعظم قوتين في العالم، بقيامها بوظيفة المستطلع والمتابع لعمليات عنف وإرهاب الحكومة التركية المنظم، والوقوف ببرودة إزاء عمليات قتل المدنيين، خلافا لكل الأعراف الدولية ولوظيفة ومبرر وجودهم في المنطقة. كما تظهر المستوى العالي من التنسيق بينهما، التنسيق للتغطية على أعمال حكومة تركيا العدوانية والإجرامية الممنهجة.
هذا يعني فيما يعنيه للمراقب أن تركيا تقوم منذ أمد بعيد بما يود الحلف الأطلسي لها القيام به، تقوم بما لا يستطيع الحلف القيام به، ربما بسبب شروط بيئتها القانونية. فتركيا تنتهك كل الأعراف وقوانين حماية حقوق الإنسان، وتتمادى في سياسات الطيش والتدخل في شؤون دول المنطقة، لدرجة أن الشكوك تزداد حول درجة تكليفها بصيغة ما لتدمير أرضية الاستقرار وأسس العيش المشترك لشعوب المنطقة. يبدو أن تركيا ستستمر في تدمير وتخريب ما تستطيع أن تدمره في العالمين العربي والإسلامي، وستستمر في ممارسة عمليات القتل المتأصلة في ثقافتها السياسية.
هذا وقد ازداد تأثير سياسات الدولة وبعض الأحزاب التركية على المجتمع التركي، فقبل أن ننهي هذا المقال (1/6)، نقلت وسائل الإعلام أن مجموعة من الشباب التركي المتعصب قاموا بطعن شاب كردي اسمه بارش -(ويعني باللغة التركية السلام)- بالسكاكين في قلبه، وأردوه قتيلا، بحجة أنه كان يستمع إلى أغنية كردية، وهذا مؤشر جديد وخطير على أن الكراهية والعنصرية التي أنتجتها الحكومة التركية تقمصت حالات مجتمعية وتُرجمت إلى أفعال قد تؤدي إلى حرب أهلية مفتوحة.
لذلك على جميع المتضررين وكل من يتلمس مفاعيل هذه الانتهاكات والتهديدات، أن يتخذوا مواقف جادة، والعمل معاً لردع هذا الخطر والعدوان المتزايد. وبهذه المناسبة لا بد من السعي لتنبيه الحلف الأطلسي وداعمي السياسة التركية كحكومة ألمانيا، بأنهم شركاء في عمليات القتل ونشر العداوة في المجتمعات الشرقأوسطية، ما لم يكن لهم موقف واضح وصريح إزاء العدوان والغطرسة التركية – المغولية الجديدة.