تفشي خطاب الكراهية في سوريا… وللكُـرد نصيبٌ من التُهم والنعوت المسيئة!
الافتتاحية*
بالعودة إلى الوراء، يتذكر المرء بجلاء وجود خطاب الكراهية المعلن والمضمر والذي نقله الموروث التاريخي بجميع حوامله إلينا كسوريين عموماً، وما أضافت إليه أيديولوجيات سياسية واستبدادية السلطة- الدولة وكذلك حركات تمرد عنفية.
بعد التحرر من الخلافة العثمانية الإسلامية وبُعيد الاستقلال، كان الخطاب والهم الوطني هو السائد بين السوريين، ولكن الحوامل الدينية والمذهبية والطائفية والقومية والعرقية والاجتماعية والإيديولوجية – المتشددة – وباستغلال النخب السياسية النافذة، استمرت في انتاج خطاب الكراهية وتغذيته بالترافق مع الصراعات القائمة، ليُترجم إلى محاولات إقصاء الآخر وتحجيمه وإضعافه أو إنهائه من الوجود، والتي استعانت ولا تزال بمختلف أدوات التحايل وإطلاق الشعارات والأوهام والقمع والعنف للوصول إلى الأهداف المرسومة لها.
بشكل أولي خطاب تمجيد الذات وإضفاء القدسية على شخوص ومقولاتٍ معينة والتفكير المتكور على النفس يُشجع على كراهية الآخر المختلف، خاصةً لحظة نقده أو عدم القبول به.
لم تدم تلك المشاعر الجياشة في بدايات الحركة الاحتجاجية عام 2011م، الجامعة تحت عنوان «الحرية والكرامة» طويلاً، وخلال سنوات الأزمة السورية المستفحلة حمل خطاب الكراهية في سوريا أوجهاً متباينة وباتجاهات مختلفة، فالـ «الثورة» أفرزت خطابات اصطدامية لا تقبل الآخر المختلف وباتت مشوًّهة وملوثة بالفساد والعنصرية والطائفية والمذهبية، فتاهت بوصلة السوريين بين عناوينها وشعاراتها ومآلاتها وحامليها، ليعشعش الحقد والكراهية بينهم، ويتفشى بين مختلف شرائح المجتمع ومكونات سوريا.
سوريا أصبحت مسرحاً لصراعات قوى خارجية، لها امتدادات وتشابكات معقدة وصفقات، تجاهلت ولا تزال المواطن السوري كإنسان وكيان له حقوقه الطبيعية، يعاني من نظام حكمٍ أمني استبدادي غير جادٍ في إيجاد حلٍ سياسي لأزمة البلد ومعارضةٍ مشوهة فاقدة لرؤية وطنية مشتركة جامعة، لا بل ومرتهنة للخارج ويسودها الفساد والتفكك، كما أن الجانبين خلال اشتداد المعارك أو هدوئها منذ تسع سنوات قد تَعاما عن نداءات السوريين عامةً بوقف الحرب والاحتكام إلى لغة الحوار والحل السياسي، بعيداً عن خطاب الكراهية والحض على العنف والقتل.
ثمة خطابان في سوريا، الأول يبرر الوجود الروسي والإيراني بالاستناد إلى شرعية حكومة دمشق لدى الأمم المتحدة ويدين وجود الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ويُخوِّنها على تحالفها مع أمريكا ويتهمها بالشروع في الانفصال، متناسياً أن الجيش السوري انسحب مكرهاً من مناطقها بين أعوام 2012-2013م وتركها في مواجهة الميليشيات المسلحة وفي مواجهة «داعش» لاحقاً، فاضطر أهاليها للدفاع عن أنفسهم في محاربة تشكيلات إرهابية متطرفة عديدة من خلال تأسيس قوات سوريا الديمقراطية ودعمها بالتعاون مع التحالف الدولي المناهض للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يأتِ الكُـرد بأمريكا إلى سوريا بل هي التي تدخلت وساعدتهم في مواجهة «داعش» في وقتٍ تخلت فيه عنهم المعارضة والنظام؛ أما الخطاب الثاني فباسم «الثورة» يقبل بوجود ميليشيات يقودها أمراء حرب وتنظيمات قاعدية وبحكومة مؤقتة- إخوان وحكومة إنقاذ- النصرة ووجود تركي، رغم الفوضى والفلتان وأجواء الاقتتال والاجرام السائدة في مناطق سيطرتها والتي باتت عملياً منفصلة عن سوريا ومرتهنة إلى تركيا وتحت سيطرتها، بينما يعادي الإدارة الذاتية ويتهمها بالانفصال تماهياً مع خطاب أنقرة… بالنتيجة هذان الخطابان يحضان على الكراهية ضد الكُـرد في سوريا عموماً بالافتراء ودون وجه حق.
إجمالاً خطاب الكراهية عدا عن كونه انتاج فكري مريض ومتخلف، يُسَخَّر لأجندات سياسية وغايات خاصة ليست في الصالح العام ولا في صالح أصحابه سوى نخبة معينة، ويُؤَجَج لشدّ عصب الأتباع ودفعهم نحو الإضرار بالآخرين، على سبيل المثال لا الحصر، تم ولا يزال وصف الكُـرد في سوريا بـ «الانفصاليين، الملاحدة، الخنازير، الزنادقة، المتحالفين مع النظام…» بهدف إلصاق تُهم خيانة «الوطن أو الثورة أو الدين» بهم وبالتالي استباحة أملاكهم وإحلال هدر دمهم وتهجيرهم من ديارهم.
وما دام خطاب الكراهية خطيراً على الجميع، فلابد من إدانته ومحاربته وعدم تبريره تحت أي ظرفٍ كان، وفضح مروجيه وأهدافهم البغيضة، ومكافحة العنصرية والطائفية، ومحاربة الجهل والتجهيل، ونشر العلم ووعيٍ منفتح ينبذ الانغلاق والتشدد ويقبل الآخر والتعددية ويساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان وإحلال السلام والإخوة بين المواطنين، والسعي لتحقيق السلم والحرية والمساواة والعدالة وفق دستورٍ جديد وقوانين عصرية، والعمل على إبراز الهوية السورية الوطنية بدلاً عن عصبياتٍ ما قبل وطنية.
إن هذه المهمة الإنسانية والوطنية مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل وطني شريف وصاحب فكرٍ عقلاني محب للإنسان والبلد، وبالعمل على بناء دولةٍ ديمقراطية تعددية لا مركزية تحمي جميع السوريين وتصون حقوقهم.
فلنطلق عبارات الود والمحبة بيننا، ونسعى إلى حوارات سورية – سورية هادفة أينما كانت وبما أمكن، إلى أن نصل إلى مستويات أرقى وأشمل من التعاطي والتواصل بين السوريين في الداخل والخارج.