الشائع للناس، لا فرق بينهما! إنما حقيقةً هما حالتان مرتبطتان، كالارتباط العضوي بين الأم وحملها الوديع، في الواقع النازح أكثر تعاسةً من اللاجئ، لما يتمتع به الأخير من حقوقٍ وحرياتٍ بحماية قانونية لدى قوانين وأَنظمة الدولة المُضيفة، التي تمنحه حق قضائي أو إداري تعترف له بجملةٍ من الحقوق، قد تضمن له السير نحو الاندماج ضمن مجتمعاتها من جديد لأسباب إنسانية، سياسية واقتصادية، من خلال دفعه الى حقبةً جديدةً تُكسبه هذه الحماية.
النازح قانوناً: هو الشخص الذي يترك منزله، مسكنه، قريته، مدينته، قسراً ومرغماً نتيجة تعرضه إلى كوارث طبيعية كالزلازل، الفيضانات، والأمراض… الخ. أو تعرضه إلى كوارث بشرية مُفتعلة، كالتعرض لحريته، كرامته، وافتعال حروب… الخ، فتهدر حريته وكرامته! يتم ذلك وهو يعيش على جُغرافية بلده، ولا يترك النازح وطنه، ويتعايش ضمن حدودها الدولية المخيفة! إلا أنه قد يتحول إلى لاجئ، عندما تكون الحالة مُفتعلة من قبل البشر، حيث يتخذ قراره بأن يخطو نحو مرحلةً جديدةً تنهي حالته المأساوية، عندما يجتاز حدود وطنه ويتجه لدولة أخرى!
في حين يظل النازح يُعايش حالته القهرية التي لا تُطاق باحثاً عن لقمة عيشه وأمنه دون التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية – التي تنص عليها القوانين الوطنية والدولية- وتنتشر هذه الحالة غالباً ضمن دول ذات نظمُ حُكم مُتخلفة تسلطية مستبدة، حيث تعتدى على آدمية مواطنيها في الحقوق والحريات والأمن وتُفقدها الحماية القانونية بموجب قوانين النفوذ والسطوة السلطوية التي تتمتع بها أجهزة الدولة الأمنية العنكبوتية.
لقد أكدت مختلف استطلاعات ودراسات الهيئات والمُنظمات الدولية، خاصةً المفوضية الدولية للنازحين لدى الأمم المتحدة، على ما يتعرض له النازحون في العقود الأخيرة من ظروف قاسية في مختلف دول العالم الشرقي والأفريقي عموماً، وما يحدث من كوراث إنسانية مُفتعلة في مختلف الدول العربية كسوريا والعراق مؤخراً! وما يقع على مُجتمعاتها الفُسيفسائية في ظل «ثورات الربيع» التي أصبحت فيما بعد ثورات الخريف الجرداء والتي أفرزت جملة من انتهاكات وجرائم خطيرة اُرتُكبت بحق شعوبها من قبل تنظيمات راديكالية- تكفيرية جهادية – كالقاعدة وداعش وأفرعها المُستفرخة، بقصد إحداث تغييرٍ ديمغرافي في بعض المناطق ذات غالبية قومية مختلفة، كالكُرد في سوريا والعراق! وبالأخص ما يحدث من حالات النزوح القسرية-الجماعية للكُـرد من عفرين وسري كانيه وكري سبيي نتيجة احتلال تركيا الفاشية ومُرتزقته الثعالبة لهذه المناطق ذات الغالبية الكردية التي تعيش على أرضها التاريخية، وبروز حالة الأمر الواقع كحقيقةً ساطعةً- مؤلمةً، إذ يتذوق أبناء الكُـرد القسوة والمرارة اليومية، داخل مناطقهم الأصلية المحتلة وفي مناطق النزوح ومُخيمات هزيلة على حدا سواء، مثل تل رفعت، الشهباء، تل تمر، والحسكة!
اللاجئ قانوناً: هو الشخص الذي يترك منزله، مسكنه، قريته، مدينته، وبلده قسراً ومرغماً نتيجة تعرضه إلى أفعال بشرية مُفتعلة تنتهك حقوقه وحريته، بحيث لم تستطع أو لم تَرغب حكومة بلده حمايته بسبب آرائه ومعتقداته ونشاطه أو افتعال حروب تؤثر سلباً على انتماء الشخص لوطنه، ثم يقرر البحث عن ملاذ آمن، ويَهرب ليستقر في دولةٍ أًخرى، فهو يَنتقل بمحض إرادته إنما مُجبراً! فقد يصبح بمرور سنوات شخصاً فاعلاً ومنتجاً كنتيجة طبيعية وإيجابية لولادة حملٍ وديعٍ! في دولةٍ فتحتْ أمامه أبوابها، غالباً تكون ذات نُظم حُكم مُتقدمة تحترم حقوق وحريات مواطنيها، وتبدأ الآفاق من أُجل الاندماج ضمن المُجتمع الجديد، والدخول إلى سوق العمل البنَّاء، حيث يكتشف اللاجئ فُرص حقيقية تَمنحه حقوقاً جمة، بُغية الاستفادة وتَنمية الذات (كحق اللجوء والإقامة، العيش بحُرية وكَرامة، سلامة صحته البدنية والضمان الصُحي، حُرية التنقُل والسياحة، حق التعليم والتحصيل العلمي… الخ).
الاعتراف القانوني لِللاجئ الفَاعل كـ(حالةٌ قانونيةٌ) تَمنحه الثقةُ بالنفس والشعور بالأمن والاستقرار، فقد يَبتدع في مجال ما، ويبدأ حياةً رغيدةً كحُلم يَصبحُ واقعاً، بعيداً عن شبح الخوف كما كان الحال في بلده الأم!
إذاً يُمكننا القول بأن صفة اللاجئ كمصطلح هو إيجابي وليس سلبي كما هو سائد لدى مجتمعاتنا الشرقية المَقهورة، نظراً لتراكم مفاهيم بعيدة عن التنمية الفكرية والتطور الذهني حكاماً وأفراداً ومجتمعاتاً، خاصةً إن طوَّرَ وأنمى اللاجئ وضعه الشخصي وحالته العائلية والمُجتمعية.
إنما النازح في واقع حاله، تنقُصه المقدرة على تحسين أدائه الشخصي إلا بشكلٍ محدودٍ لما يَعترضه ضغوط نفسية ومادية وأمنية تُمارس اتجاهه عنوةً وقسوةً وتُحاصره من جوانب الحياة التي يحكمها قانون الغاب!
فإنني أرى، من المُفيد لللاجئ، لكي يتمتع بحياةٍ مستقرةٍ وآمنةٍ، أن يُمارس حقوقه بحريةً تامةً التي يضمنها له قانون البلد المُضيف، وتَمنحه الفُرص والقُدرة على إحداث تنميةّ حقيقيةً لقُدراته ومهاراته الفردية والمجتمعية، نتيجة حصوله على الامتيازات، فعليه خَوض تجربة وضرورات الاندماج مع الحالة الجديدة وبناء شخصيته تفاعلاً وتشاركاً للحياة العامة في البلد المُضيف.
أما بالنسبة لنا كسوريين وككُرد سُوريين نُعاني الأمرَّين، فقد أوسمنا كل من النظام المُتنمر والمِيليشيات الرَاديكالية التَفكيرية المُتوحشة خلال تسع سنوات صفحات سوداء من الجرائم والانتهاكات التي تُخالف القانون الإنساني الدولي باسم الثورة والسيادة والدين الإسلامي! فَبحجة محاربة المُسلحين والإرهابيين، شُردت العائلة الواحدة وتشظت إلى جُزيئاتٍ بشريةٍ متناثرةٍ على أطرافِ أجسادها المنهارة! تارةً نزوحاً إلى مخيمات دول الجوار التي استغلتهم وأَزلتهُم وأَهانتهُم وكأنها حصلت على بطاقة اليانصيب الرابحة، وكابوساً بالحنين والعَودة لِمن التجأ خارج الوطن، وتارةً حُلماً مَنسياً نحو الهُجرة لِمن بقي مُشرداً في الوطن على أرصفةِ الحربِ المستعرة! إضافةً إلى تَثبيت ما سَعت إليها في إحداث تغييرٍ ديِمغرافي في مُختلف المَناطق السورية، خاصةَ المَناطق الكُردية الثلاث بتدخلٍ ودعمٍ وإحتلالٍ تُركي بَغيظ مباشر، ومُمارسة أبشع الجَرائم التي تندى لها جبين البشرية بذريعة الأمن القومي التركي والانفصال الكردي..(قتل على الهوية القومية، الخطف بقصد الفدية وجمع المال كمرتزقة، والعبث بالطبيعة كقطع الأشجار المثمرة وسرقة المحاصيل الزراعية…).
حيث تؤكد إحصائيات مُختلف الِلجان والمُؤسسات الإنسانية التوثيقة إلى تَسجيل المِئات الآلاف من حالات النزوح المأساوية القسرية وكيفية استغلالها واستثمارها للمصالح الآنية، خاصةً في مُخيمات النزوح واللجوء التي تَفتقر إلى أبسط المَعايير الإنسانية والحقوقية للبَشر، في ظل صَمتٍ دولي مريب اتجاه قَضية الكُرد السوريين بعد مرور أَكثر من سَنتين على احتلال عفرين الجَريحة والتِحاق سري كانية وكري سبيي بها، وخَطرٌ حقيقي يُهدد باقي المَناطق الكُردية، ما لم تبرز توافقات إقليمية ودولية في المنطقة على تسويةٍ ما للأزمة السورية المستفحلة!
فَضِماد جُرح السوريين، يبدأ من تدخل الدول المُؤثرة ذات المصلحة السياسية والاقتصادية بوضع حل سياسي نِهائي لِكارثة العصر/الحرب السورية/ وإعادة الحال لما كان عليه الحال قبل ٢٠١١، بقصد اعادة هيبة الدولة السورية وإعادة هيكلتها وإنهاء الدور الرئيس لحزب البعث، ثُم البدء بِوضع حلولٍ جذريةٍ للمسائل السياسية-القانونية لِنظام الحُكم كإصلاح النظام القانوني، وحل القضية الكُردية والاعتراف الدستوري بحقه كشعبٍ أصيلٍ في مَناطقه التًاريخية الثلاث كوحدة إدارية مُتكاملة، وفِصل سُلطات الدولة بشكلٍ فعلي، وفَصل الدين عن الدولة والسياسة… الخ.
فَنزوح ولجوء السوريين، هما حَالتان يلتبسان كل شَخص وكُل عائلة نتيجة واقع الحال، مُسيراً وليس مُخيراً، وهما حالتان تَشتركان باقتلاعِ المرء من جذوره قسراً؛ علينا كَسوريين أَن نَنظر إلى أَنفُسنا من خلال مرآة المُستقبل بتفهم واستيعاب الواقع المرير لشعبنا بكل مُكوناته على نَحو بناء جيلٍ جديدٍ يُعتمد عليه في داخل الوطن وخارجه، الأمر الذي يَتطلب إنهاء حالات الصِراع على سوريا وأبنائِها ووضع إجراءات عملية تُساهم في حَلحلة المَسائل المستعصية.