رغم أجواء الحرب الباردة، وانتشار حركات التحرر والكفاح المسلح، أواسط القرن الماضي، اختار المؤسسون الأوائل لأول تنظيم سياسي كردي في سوريا عام 1957م، طريق النضال السياسي السلمي الديمقراطي، دون باقي أجزاء كردستان التي اختار فيها الكُـرد الكفاح المسلح إلى جانب النضال السياسي طريقاً للخلاص من النير والظلم.
أمرٌ طبيعي أن يتعاضد الكُـرد فيما بينهم أينما كانوا، لطالما تعرضوا للغبن ومظالم تاريخية، ولهم شؤون وشجون مشتركة، ولأنهم أبناء قومٍ يتميز بلغته وتراثه الثقافي وله تاريخ وأرض يعيش عليه؛ لكن الجغرافيا السياسية منذ مئة عام فرضت على كل جزءٍ من مناطقهم أوضاعاً خاصة؛ إذ حمل الكُـرد في سوريا هَمَّ الدفاع عن القضايا الكردستانية وقدّموا الدعم لأشقائهم وضحوا بما أمكن منذ عقود، دون أن تكون قضيتهم في متناول الأدب السياسي الكردستاني إلاّ مع بدايات الألفية الجديدة وتَغيُّر الأوضاع الإقليمية والدولية.
تَطبَّعت القضية الكردية في سوريا بخصوصية سياسية ونضالية، من حيث المطالب وشكل الحراك واتخاذ القرار… ولكن! مع اندلاع الحركة الاحتجاجية في سوريا عام 2011م، اختلط الحابل بالنابل، وطغت شعاراتٌ رنانة ومزاجيات وركوب موجات التغني بالرموز والمناسبات الكردستانية على عمل أطرافٍ كردية سورية وتوظيفها في أجنداتٍ حزبية؛ ومع تَشَعُّب التدخلات في الشأن السوري عامةً، كان لتأثير أطرافٍ كردستانية مدى سلبي على الشأن الكردي في سوريا، وإن كان له جانب إيجابي من حيث الدعم والمساندة، خاصةً في بعض محطاتٍ مفصلية.
تشوَّهت خصوصية القضية الكردية في سوريا بين مشروعي (الأمة الديمقراطية، القومي الكردي والكردستاني)، إلى حد العداء بين قسمٍ من الكُـرد في سوريا، ليس فقط على المستوى الحزبي السياسي بل على المستوى الشعبي أيضاً، ليغدوا الزعماء بمقام القديسين، بينما سيف الأيديولوجيات مسلط على رقاب الكُـرد ليفقدوا بوصلتهم إلى حدٍ ما، ويستفيد العدو من الشروخ التي أصابهم.
لابأس من تبني أفكار ومشاريع وتقديمها، حقٌ طبيعي، ولكن! المصيبة في فرض شموليتها على الآخرين، عبر خطابات ممنهجة حادة وممارسات عنفية لفظية كانت أم عملية، وتوظيفها في الصراع على السلطة والثروة والنفوذ؛ وفي هذا المعمعان كان للمنتفعين والانتهازيين والمتعصبين دوراً سلبياً فعَّالاً ولا يزال، إضافةً إلى أساليب دغدغة المشاعر ومحاولات التحشيد الشعبي بغية التغطية على الممارسات والسياسات الخاطئة.
إذاً لنعود إلى خصوصية قضيتنا الكردية في إطار بلدنا سوريا ووحدته، ونجردها من أجنداتٍ وتبعيات حزبية كردستانية- مع جُل الاحترام لجميع الأطراف- ومن تأثيرات أنظمةٍ إقليمية لا تبيت لنا سوى إنكار الوجود ومحوه، ونؤسس خطاباً مشتركاً، واقعي ووطني ديمقراطي، وعلى أساسه نساهم في بناء مستقبلٍ زاهر للكُـرد ولسوريا دولةً وشعباً.