الحوار كضرورة لاحترام علاقات الجوار العربي – الكوردي
رئيس التحرير/ د.آزاد أحمد علي
افتتاحية العدد 74- مجلة الحوار
لا يمكن أن نختزل فضائل الحوار أو مستوى الحاجة إليه بحسب ظروف طارئة، فنحن اليوم بحاجة أكثر للحوار، لأنها حاجة تتجاوز باقي احتياجات الإنسان الأساسية، فهي أحد أهم صفاته، حيث مازال الإنسان يحتفظ لنفسه صفة الكائن المحاور، الكائن المستمع والمتفاعل. فكلما تقدمت البشرية وتطورت مناحي الحياة، باتت الحاجة إلى الحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان على أشده. كما الخلاف بين الإنسان وخصمه الإنسان على أشده، فالحوار ضرورة روحية ومعرفية. كما أنها أداة مدنية لإدارة الصراعات المتفاقمة. تؤكد تجاربنا طوال العقود الماضية مدى حاجة مجتمعاتنا للحوار، للتخاطب، التفاهم فالتعايش… السنوات السوداء التي مرت على بلادنا ومجتمعاتنا أظهرت الحاجة للحوار لمواجهة تغول السلطات الاستبدادية وتفشي الإرهاب وتنامي التوتاليتارية، فضلا عن تغييب الحقائق، سواء التاريخية منها أم المعاصرة. ومنع قراءة الواقع.
من النقطة الأخيرة نستشف مدى ترابط مشاريع الحوار ومستويات نجاحها مع تأمين فضاء معرفي ورصيد كبير من المعلومات الصحيحة التي تساهم في تدعيم الحوار وترجيح قدرته على تقويض المعضلات الأساسية للمجتمعات. وبالتالي لا بد لأي مشروع حواري أن يعتمد على ركيزتين أساسيتين:
1- المعرفة العميقة والموضوعية بالآخر.
2- النية الصادقة في البحث عن الحلول والمشتركات سواء السياسية منها (ضمن نسق الشراكات في الدولة الواحدة) أم الدبلوماسية على شكل تعاون بين دولتين أو ومجتمعين منفصلين.
من زاوية الضرورة المعرفية لتحسين بيئة الحوار نذكر بأهمية المصادر العربية في معرفة الكورد منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وحتى العقود القليلة الماضية. كما نذكر بأننا نتحمل جميعاً مسؤولية حجب هذه المعلومات وطريقة توظيف الجهل بها لأغراض سياسية وحزبية و”قومية” ضيقة. وعلى الرغم من سخونة المسألة الكوردية إلا أن الإعلام الرسمي العربي ومناهج التعليم لم تولِ أية أهمية لمعرفة هذا الشعب “الجار” الذي يشكل حلقة وصل مع الجوار الأبعد، وثمة توافق “ثقافي” عربي على إهمال كل ما هو متعلق بالكورد بطريقة ما، تناسي تاريخهم وبلادهم، كونها كانت من الألغام التي لا يحبذ الاقتراب منها.
وفي هذا السياق فعدم الإنتباه إلى أهمية الجوار العربي- الكوردي، موجباته وضرورة تناوله أولاً من الناحية المعرفية- التاريخية ثم الجيوسياسية، يشكلان نقطة ضعف كبيرة للثقافة والمعارف العربية المعاصرة. فهذه المعرفة المفترضة لم تعطِ أي أهمية لاحتمالات تحولات مستقبلية ذات صلة ومتفاعلة مع هذا القرب الجغرافي، وإنما اتخذت سياسة التجاهل والتهرب من الموضوع ذاته أساساً للتناول. حدث ذلك على الأرجح كاستعارة من سياسة القوميين العرب في بلاد الشام والعراق، وعممت عربياً، حيث كان أحد أهم أسس عملها ومعالجتها للموضوع الكوردي هو إخفاء وإلغاء الحقائق، وشطب كل ما هو متعلق بالكورد، بدءاً بالتاريخ وصولاً إلى الجغرافيا مروراً بالسكان. وكانت الحصيلة أن جهات إعلامية وثقافية عربية عديدة عملت على ترسيخ حالة الجهل بالمشترك الكوردي- العربي بكل أبعاده وتفاصيله المتنوعة.
ما زاد الموضوع تشويشاً وتعقيداً أن أغلب المثقفين العرب من إعلاميين وكتاب بل وباحثين لم يتعرفوا على الكورد عن طريق المصادر العربية الأم، لتكوين تصور تاريخي أكثر موضوعية ودقة، وإنما اعتمدوا عند الحاجة على مصادر استشراقية وغربية متواضعة علميا وغير موضوعية في الغالب. وإذا استثنينا بعض الإشارات القديمة لأصل الكورد، وما ورد عند اليونان، تظل المصادر العربية هي الأساس والأصل في معرفة الكورد في القرون الوسطى. لذلك لابد للمعرفة التاريخية الموضوعية بالكورد أن تبدأ بالمصادر العربية الأم، هذه المصادر التي لم تتأثر بأيديولوجيا محددة أو خضعت لضغوطات سياسية أو تعاميم لوزارات الإعلام المعاصرة. كما أن معظم المعلومات الواردة في المصادر العربية منقولة من مصادر أقدم، أو متأتية من مشاهدات المؤلفين العرب الأوائل أنفسهم. وهي في غاية الإسهاب والتفصيل.
لقد بينت المصادر العربية الإسلامية الترابط العضوي المجتمعي والسياسي الكوردي- العربي خلال قرون عديدة من تاريخ المنطقة، لذلك لابد من التذكير بأهمية وسعة المشترك التاريخي والروحي بين العرب والكورد، وقابلية توظيف وتوسيع هذه المساحة من أجل علاقات حسن الجوار، إضافة إلى تصحيح وتجاوز كل التشوهات الأيديولوجية والحزبية التي لحقت بصورة الكورد والعرب، وبالتالي بحقيقة تاريخنا المشترك. وستظل مجلة الحوار منبرا لتوثيق ونشر المعرفة التي ترجح المشتركات، وتكشف عن هذه العلاقات العضوية القابلة للتطوير والتحسين.أخيراً، لا أجد قولاً مناسباً لأختم به ما سبق، أكثر مما ذكره الراحل إدوارد سعيد: “إن المعرفة بمعانيها السياسية والإنسانية ينبغي كسبها لمصلحة العيش المشترك وخير المجتمع، أي مجتمع كان، وليس أعراقاً أو قوميات أو طبقات أو أديان بعينها”.